مع انتهاء موسم الحج نتذكر دائما الرسم على جدران البيوت في الحارات والشوارع المصرية، لقد ابتكر الفنانون الشعبيون مظاهر عديدة للاحتفال برحلة الحج، منها تزيين الحوائط الخارجية بعبارات ورسوم أصبحت بمرور الوقت أيقونات ثابتة، وهي تعكس ثقافة المجتمع، فكانت هذه الرسومات من أهم العادات التي تستقبل الحجاج عند العودة إلى بيوتهم.
موضوعات مقترحة
لقد كانت تلك الرسومات تعبر عن فرحتين، فرحة أداء الفريضة، وفرحة العودة إلى الديار، وهي عبارة عن رسوم للكعبة المشرفة، وأشخاص تسجد وتصلى وتطوف، وأحيانا رسومات لوسائل النقل مثل الجمال والسفينة والطائرة، وعبارات شهيرة مثل "حج مبرور وذنب مغفور"، و"لبيك اللهم لبيك"، و"مبروك يا حج"، وأيضا بعض الآيات القرآنية الخاصة بالحج، أو برسم بيت الله الحرام والمناسك المختلفة خلال أداء فريضة الحج، وسعادة الحجاج عند استقبالهم بتلك الجداريات فور عودتهم من الأراضي المقدسة.
كان الحجاج قديما يخوضون رحلة صعبة وشاقة إلى بلاد الحجاز، وكانت محاولة تسجيل وقائعها أمرًا مهمًا وجانبًا يدعو للفخر بين المقربين بأداء مناسك طاعة الله والتبرك بها فى حياتهم، ومن جهة أخرى فإن هؤلاء البسطاء عادة لم يسافروا رحلة سواها لخارج القطر المصري، فكان الرسم لهم بمثابة التوثيق للحدث.
وقبل انتشار صور الحج و بيت الله الحرام علي الميديا وقبل عصر التكنولوجيا، كان الحاج يروي عند عودته ماذا رأي وشاهد للمحيطين به، ويقوم الفنان بالرسم ليتمتع الجميع بما رآه الحاج في رحلته .
فى مصر التى تحتفى منذ القدم بالفن والرسم، ظهرت موتيفات أو وحدات زخرفية وطرق للخط والكتابة المختلفة، حتى أصبح لهذا النوع من الفن متخصصون، وغالبا هم خطاطون، و تظل هذه الرسوم شكلا من أشكال فنون المصريين الفطرية في قرى الصعيد والمحافظات المختلفة، وتظل حتى الآن معرضا مفتوحا تسجله جدران قرى مصر ومناطقها الشعبية، توثق الرحلة وتبارك للحجاج وتجعلها طقسًا يوميًا للفرح.
لكن للأسف يكاد فن رسوم الحج يندثر الآن، فقد اختفى فى العامين الأخيرين بشكل لافت مع ما طرأ على موسم الحج وتقليص عدد الحجاج بسبب تفشي وباء كورونا، كما أن فناني هذا المجال لم يحل محلهم فنانين جدد، فضلا عن أن الأجيال الجديدة بين الناس لم تعط لهذا الفن وهذا التقليد الاهتمام الذي يساعد على استمراره، كما أنه تم التعامل مع هذا الفن أكاديميًا بشيء من التعالي أو التجاهل، فلم تتم دراسته بشكل منهجي وتحليل عناصره رغم الاهتمام بفن الرسم على الجدران "الجرافيتي".
وتعتبر رسوم الحج من أول الرسوم الجرافيتية في مصر، ومن الغريب عدم وجود هذا الفن في أي دولة أخرى في العالم الإسلامي سوى مصر، وبهذا نستطيع أن نقول إن فن رسوم الحج فنًا مصريًا خالصًا.
رسومات الحج على الجدران رسومات الحج على الجدران رسومات الحج على الجدران