كشفت دراسة أثرية للباحثة زينب عبدالتواب رياض خميس بكلية آثار أسوان بعنوان "الأحجار الدامية في أهرامات الأضاحي البشرية بحضارتي المايا والأزتك"، عن استخدام عادة الأضاحي البشرية والدم كقرابين بشرية في تشييد أهرامات المايا والأزتك، وهي أشهر المعالم الحضارية المميزة للشعوب الأصلية في أمريكا الوسطى، قبل وصول الرجل الأبيض لها من قارة أوروبا وغزوها.
وتُغلف هذه الأهرامات بهالة من الغموض والرهبة تدخل في قلب من يشاهدها، وارتبطت بأساطير آلهة عاشقة للدماء، ومعابد مليئة بالأسرار، وطقوس لا تخلو شعائرها من ممارسات ذات جذور دينية أسطورية تُقدس تقديم القرابين البشرية، وتعتبرها من أهم صور التعبير عن تبجيل الإله والخوف منه والتوسل إليه، وهي نفس الممارسات الشعائرية التي عُرفت في العديد من الحضارات القديمة.
الباحثة زينب عبدالتواب
تؤكد الباحثة زينب عبدالتواب في دراستها، أن حضارتا المايا والأزتك اهتمت بتشييد الأهرامات من الحجر فتشابهت مع الجبال المحيطة بها في بيئتها المحلية، وكأنها تتحدى بصمودها صمود تلك الجبال.
بل وصُنعت الأدوات المستخدمة في أداء شعائر تقديم الأضاحي البشرية لديهم من الحجر لا سيما الصوان، رغم معرفة المعدن واستخدامه، ولا شك أن في ذلك إشارة إلى أهمية الحجر ومكانته.
وتم استخدام الحجر في العالم القديم في أساسات المباني وفي تغليف بعض أسوار المدن الآشورية بالعراق، وواجهات جدران القصور أو في بعض الأعمال الفنية.
أما في مصر فقد وضح استخدام الحجر في البناء منذ عصر الأسرة الثالثة، حيث المجموعة الجنائزية للملك زوسر 2780ق.م، والتي شُيدت بالكامل من الحجر؛ مما دعا العلماء إلى تسمية ذلك العصر بعصر الثورة الحجرية.
ورغم معرفة الإنسان للمعدن واستخدامه في العديد من الأغراض منذ العصر الحجري النحاسي، إلا أن استخدام الحجر استمر وظل متفرداً بمكانته طوال العصور القديمة.
وأكدت زينب عبدالتواب أن للحجر أهميته الكبرى في عصور ما قبل التاريخ؛ وذلك لأن الحجر من أكثر المواد الخام وفرة وبقاء واستمراراً وتحدياً لعوادي الزمن، حيث تتميز الصخور والأحجار بصلابتها وانتشارها في كل مكان في الأرض، فهي تُشكل الطبقة الخارجية من الأرض (الغلاف الصخري)، الأمر الذي يعني أن الأرض تتكون في معظمها من الصخور، ومن أكثر الصخور الجرانيت والبازلت، ولقد استخدم إنسان عصور ما قبل التاريخ الحجر في صنع أدواته الحجرية وكانت هذه هي أول الاستخدامات الحجرية التي عرفت وتطورت بتطور الإنسان، ثم بعد ذلك استخدم الحجر في تشييد المنشآت لا سيما الدينية والجنائزية أكثر من المدنية؛ وذلك لاهتمام الإنسان بالحياة الأخرى وبعالم الآلهة أكثر من اهتمامه بالحياة الدنيا، وكان للحجر على اختلاف أنواعه رمزيته ودلالته الهامة ولقد وضح ذلك سواء في حضارتي المايا والأزتك.
حضارتي المايا والأزتك
تاريخ القارة الأمريكية
توضح الدراسة الأثرية أنه إذا كانت شهرة القارة الأمريكية قد ارتبطت بعصر كروستوفر كولومبوس، فهذا لا يعني عدم وجود حضارة بالقارة الأمريكية قبل ذلك التوقيت، فلقد سكنها الإنسان العاقل وترك فيها أثاراً عديدة أكدت وجوده هناك، ومن ثم فلابد من إلقاء الضوء على سكان الأمريكتين، ومتى عاش الإنسان العاقل على أرضها؟.
وتضيف زينب عبدالتواب، أنه عُرفت الشعوب الأصلية في الأمريكيتين بالهنود الأمريكان أو الهنود الحمر، وهي أسماء أطلقت على السكان الأصليين للأمريكيتين قبل عصر كرستوفر كولومبوس وقبل عصر الرحالة الإيطالي الذي اكتشف العالم الجديد (أمريكا) عام 1498م. سيجورنه، أما الإنسان العاقل فقد وصل للعالم الجديد عقب رحلته في أرجاء العالم القديم، وذلك منذ 12.000- 13.000 سنة مضت تقريبًا، وتشير أحدث الاكتشافات إلى أن الإنسان العاقل وصل إلى سيبيريا وتركها ليصل شمال أمريكا قبل 14 ألف سنة ق.م، وكان ذلك في نهاية العصر الجليدي الأخير.
والإنسان العاقل أو "الهوموسابينس" في الحضارات القديمة، هو أول إنسان عاقل عرفه التاريخ، وتعد إفريقيا موطنه الأصلي الذي انحدر منه وهاجر بعدها إلى أوروبا وإلى بقاع الأرض، ثم تواصلت هجراته إلى أن دخل أمريكا الشمالية واستقر فيها إذ تكثر هناك على العديد من المواقع الأثرية، وتضم الأمريكيتان أشكالاً متنوعة وكثيرة من المناخات والبيئات، وتدل التنقيبات الأثرية الحديثة على أن أنماط الحياة في الأمريكيتين كانت على درجة كبيرة من التطور، فقد عرفت حياة الجمع والالتقاط والصيد البري وصيد الأسماك وجمع الطعام وذلك خلال العصر الحجري القديم، وأثرت مفردات البيئة المحيطة بهم في سلوكياتهم، ولكن العلماء مازالوا مختلفين حول توقيت حدوث هذا التطور، ولو أنه قد حدث على كل حال بعد اكتشاف الزراعة في الشرق الأدنى القديم، وبحلول عام 2000ق.م كانت قد تطورت أمريكا الوسطى فصار بالإمكان عندئذٍ أن تنشأ جماعات مستقرة وكبيرة.
أهرامات حضارتي المايا والأزتك
وأكدت زينب عبدالتواب أنه يمكن تقسيم تاريخ حضارة المايا إلى خمسة حقب زمنية، حيث تُعرف المرحلة ما قبل الكلاسيكية بالفترة الزراعية، ويختلف تأريخ تلك الفترة؛ فتحليل الكربون المشع يُرجعها إلى 2600 ق.م أما الأزتك فقد غزوا منطقة أمريكا الوسطى مع بداية القرن الخامس عشر، وبادروا إلى تأسيس دولتهم ولف شعوبها لتأمين حدود بلادهم من المحيط إلى المحيط، على الهضبة الوسطى وفق كونفدرالية جامعة لشعوب المنطقة ليندمج الكل بعد ذلك في وحدة المعتقد، والمايا من أشهر وأقدم الحضارات في أمريكا، وشعب المايا هم الذين ساهموا في بناء حضارة استمرت ووصلت أقصى مراحل تطورها في منتصف الألف الثالث ق.م، ولقد استوطنت شعوب المايا مناطق أمريكا الوسطى والشمالية بما فيها من بليز والسلفادور وجنوب المكسيك وغرب الهندوراس وشمال جواتيمالا وأجزاء من المكسيك حيث الغابات الاستوائية وهندوراس والسلفادور، وهذه المناطق موطن شعب هنود المايا، وتعود أقدم مستوطنات المايا إلى حوالي 2000 قبل الميلاد، وقد بلغت تلك الحضارة أوجها سنة 700ق.م، وكان وصول الأسبان والأوروبيين إلى الأمريكيتين سببا في تدمير هذه الحضارة.
ولأهمية دور الدم والحجر في تكوين تلك الأهرامات كان مصطلح "الأحجار الدامية" هو الأنسب للتعبير عن طبيعة تلك الأهرامات، كما تؤكد زينب عبدالتواب فهي شيدت من الحجر وعلى درجاتها كانت تُلقى الأضاحي البشرية عمداً لتخضب الدماء أحجارها، ومن ثم فهي أحجار دامية.، مؤكدة أن عددا من الدراسات الأثرية أكدت على تلك العادة في بناء الأهرامات التي كانت غريبة وتلقى الرعب والخوف لكل من يشاهدها.
ولقد قدمت الأدلة الأثرية الإجابة عن هذه التساؤلات، ولكن من وجهة نظر مكتشفيها، لم يكن من السهل تقبلها إلا بدراستها واستيضاح تفاصيلها بشيء من الإيجاز.
حضارتي المايا والأزتك
رفوف الجماجم البشرية التي عُثر عليها بمعابدهم، أكدت أهمية تقديم الأضاحي البشرية سنويًا خلال الشعائر والطقوس المتبعة من قبل كهنة المعبد، كما أن دراسة بعض نقوش ورسوم معابد المايا والأزتك أوضحت كيفية القيام بتلك الممارسات الشعائرية، وكيف كان ذلك انعكاسًا للتدين النابع من نفوس أصحاب تلك الحضارات، وهو تدين له تبعاته الخاصة التي رأت أن للدماء أهمية، وأن تقديم القرابين البشرية ضرورة تمنح القائمين عليها هبة البقاء في رخاء وأمن، وهو كل ما كانوا يسعون إليه حسب اعتقاداتهم.