عرفت مصر الإذاعة في منتصف العشرينيات من القرن العشرين بعد ظهورها في العالم بخمس سنوات تحديداً عام 1925م، وذلك من خلال محطات أهلية يملكها أفراد وتجار وتعتمد في تمويلها على الإعلانات، وصدر المرسوم الملكي الذي حدد ضوابط وشروط العمل الإذاعي، ومنها الحصول على ترخيص في 1 مايو 1926م، وكانت أولها إذاعة "مصر الجديدة" عام 1926م للمهندس جرجس حبشي، ثم بعد ذلك بعامين لحقتها الإذاعة الأوروبية "سابو"، وإذاعة "راديو فؤاد" التي أسسها عزيز بولس، وفي عام 1932م أنشأ إلياس شقال "محطة راديو الأمير فاروق"، ثم راديو "الأميرة فوزية"، وراديو "الأميرة فاطمة"، وراديو "هليوبوليس"، وراديو "وادي الملوك"، وراديو "مصر الملكية"، وراديو "فريد"، وراديو "بورسعيد"، وراديو "صايغ"، وراديو "القاهرة"، وراديو "ماجازين اجيبسيان"، وراديو "فيولا"، وراديو "مصر الحرة"، وراديو "مصر الجديدة"، وراديو "رمسيس"، وراديو "امير الصعيد"، وراديو "لويس"، وفى الإسكندرية افتتحت إذاعتين أشهرهما "محطة راديو فيولا".
موضوعات مقترحة
ووصل إرسال الإذاعات التي يملكها "حبشي" إلى القاهرة، والإسكندرية، وأسيوط، وتبدأ برنامجها في الساعة السابعة صباحاً بتلاوة للقرآن الكريم، ثم نشرة الأخبار ويتبعها تعليق على أهم الأنباء، ثم إذاعة أشهر الأغاني، برنامج "ما يهم المرأة" وهو برنامج إعلاني يقدمه ويموله أحد تجار أدوات الزينة، ويقدم د. عبدالفتاح محمد القاضى برنامج "طبيب العيلة"، حيث يجيب اسئلة المستمعين ويتحدث عن الأمراض الشائعة، وتقدم الإذاعة في رمضان الفوازير ويقدم جوائزها التجار.
واستمرت الإذاعات الأهلية في إرسالها حتى توقفت عن الإرسال في 29 مايو 1934م، و قد بلغ عدد المحطات الأهلية عند إلغائها إحدى عشرة محطة، وتعاقدت الحكومة مع شركة "ماركوني" على إنشاء الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية، وقضى العقد المُبرم بين الجانبين أن تكون الحكومة هي المحتكرة للإذاعة، وأن الشركة موكلة من الحكومة في إدارتها وإنشاء برامجها لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد، وأنه في مقابل الإدارة تتلقى الشركة حصة من حصيلة رخص أجهزة الاستقبال، قدرها ستون في المائة.
وانطلقت الإذاعة المصرية في 31 مايو 1934 بتمام الساعة الخامسة والنصف مساءً عن طريق الإذاعة الخارجية وليس من الاستوديو حيث أقيم حفل الافتتاح في ساحة وزارة المواصلات بشارع رمسيس وافتتحه المدير العام لمصلحة السكك الحديدية والتلغراف بكلمته قدم بعدها أول مذيع مصري "أحمد سالم" برنامج الحفل وبدئه بالكلمتين الأشهر "هنا القاهرة"، أعقبه تلاوة القرآن الكريم من الشيخ محمد رفعت.
وقد نشرت جريدة "الأهرام" برنامج الافتتاح، واستمر البث ست ساعات شارك فيها أم كلثوم وغنت أغنية (يا صوت بلدنا.. يا صوت جهادنا.. أعلى ودوي يا صوت بلدنا) وحصلت على أجر 25 جنيهاً، ومحمد عبد الوهاب، والشاعر علي الجارم، وصالح عبدالحي، والمونولوجست محمد عبدالقدوس، والموسيقيان مدحت عاصم وسامي الشوا، وظلت جملة "هنا القاهرة" هي افتتاحية إذاعة البرنامج العام حتى الان، وكان أول رئيس لها سعيد باشا لطفي.
وقد أشرفت وزارة المواصلات على الإذاعة حتى إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية في 20 أغسطس 1939م، فانضمت الإذاعة إليها كإحدى إداراتها، وفي 19 أبريل 1942م انتقلت الإذاعة إلى إشراف وزارة الداخلية؛ نظرا لما للإذاعة اللاسلكية من اتصال بمسائل الأمن العام، وعاد الإشراف على الإذاعة لوزارة الشئون الاجتماعية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، على أن يبقى لوزارة المواصلات اختصاصها المتمثل في الإشراف على صيانة أجهزة المحطة وإدارتها من الناحية الفنية وتحصيل رسوم الرخص والتفتيش عليها.
تم تمصير الإذاعة في عام 1947 وإلغاء العقد مع شركة ماركوني وأنشئت إدارة الإذاعة اللاسلكية المصرية، واشتهرت الأذاعة المصرية بأصوات مذيعها المميزين، فإلى جانب أحمد سالم، عناك أحمد سعيد، محمد محمود شعبان الشهير بـ "بابا شارو"، وطاهر أبو زيد، آمال فهمي، صفية المهندس، فضيلة توفيق (أبلة فضيلة)، فاروق شوشة، إيناس جوهر.
ولعبت الأذاعة دواراً هاماً في ثورة 23 يوليو 1952، حيث أذاع البكباشي محمد أنور السادات بيان الثورة الأول والذي بدئه بالعبارة الخالدة: (من اللواء أركان الحرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة إلى الشعب المصري)؛ لتبدأ بعدها مرحلة جديدة في شكل ومضمون ما تقدمه الأذاعة، وقدمت في شهر واحد بعد قيام الثورة 51 حديثاً وطنياً، 17 تمثيلية إذاعية وطنية، 35 برنامجًا خاصًا، 37 قصيدة شعرية تؤيد الثورة وتشرح أهدافها.
ونُقلت تبعيتها في 10 نوفمبر 1952 إلى وزارة الأرشاد القومي، ثم صدر قراراً جمهورياً في 15 فبراير 1958م باعتبار الإذاعة المصرية مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية وإلحاقها برئاسة الجمهورية، وتحولت في 1961 إلى مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي تحت اسم " المؤسسة المصرية العامة للإذاعة"، ثم صدر قرار جمهوري بإنشاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
و كان عدد محطات الإذاعة المصرية في بدايتها أربع محطات حتى وصلت الآن إلي ستة عشر محطة، إلى جانب الإذاعات الإقليمية والإذاعات الموجهة، والتي تغطي إفريقيا واسيا والشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا وهي ناطقة بلغات وطنية تناسب كل منطقة، منها إذاعة "صوت العرب" عام 1953م، الإسكندرية الإقليمية 1954م، البرنامج الثاني 1957م، الشعب 1959م، فلسطين 1960م، القرآن الكريم 1964م، الشرق الأوسط 1964م، البرنامج الموسيقي، الشباب 1975م، وغيرها كما زاد عدد ساعات الإرسال إلى 179 بدلاً من 15 ساعة، واضيفت برامج بلغات أخرى بلغت 34 لغة.
ووسط التطور التكنولوجي ما زالت الإذاعة تلعب دوراً هاماً في تثقيف المواطنين، وطورت شكل برامجها لتناسب جمهورها من الشباب.
وقد خصص هذا اليوم "عيداً للإعلاميين وللإذاعة المصرية" يحتفل به كل عام بدءً من عام 1984م يُكرم فيه الرواد والمتميزين.