Close ad

حين يقترن الفن برفات الموتي.. لماذا رفض الفاروق بيع قرافة "هو" بالصعيد للمقوقس؟|صور

13-5-2021 | 19:04
حين يقترن الفن برفات الموتي لماذا رفض الفاروق بيع قرافة هو بالصعيد للمقوقس؟|صور  القرافة
محمود الدسوقي

كعادتها منذ تفشي الوباء، ألقت جائحة كورونا ظلالها على العادة الشعبية لدى الصعايدة فى حمل الحلوى والفاكهة والاتجاه بها للمقابر صباح عيد الفطر المبارك؛ لزيارة المقابر وذلك منعا للتزاحم، وللحد من انتتشار فيروس كورونا المستجد، حيث أُغلقت المقابر الحديثة والقديمة أبوابها فى القري والنجوع بمدن الصعيد.

موضوعات مقترحة

وتتواجد فى ربوع مصر مقابر أثرية لها من الشهرة والشيوع فى التاريخ مثل القرافتين الكبري والصغري بالقاهرة، والمقبرة الفاطمية بأسوان، ومقابر البهنسا بالمنيا منذ الفتح العربى، ومقابر بنى حميل وغيرها من المقابر الأثرية، كما تتواجد مقابر صحراوية لها مائة عام، مازال يتم الدفن بها، مثل مقابر هو بكسر الهاء بنجع حمادى شمالى قنا، التى لها أساطيرها ، وفنونها فى الرسومات والتى وصفها الباحثون الفرنسيون فى خمسينيات القرن الماضي، بأنها إحدى عجائب العالم الحديث، والتى وضعت لها دراسات فنية ،لما تحمله من رموز فى أشكال القبور والألوان التى ترسم عليها برسومات فطرية.

تاريخيا وفى عصر محمد على باشا تم وضع قوانين لمنع الدفن فى المنازل لمحاصرة الأوبئة كالطاعون والكوليرا، ويقول الشاذلى عباس- باحث تاريخى- لـ"بوابة الأهرام " إن حكام مصر سواء فى عصر محمد على باشا أو أولاده من بعده، حاولوا بشتى الطرق منع عادة الدفن فى المنازل فى وقت الأوبئة، واستخدام المقابر بدلا من المنازل، للحد من الأوبئة ،حيث كان من الشائع الدفن فى المنازل، وهو ما أدى لتفشي الأوبئة كما يرصد المؤرخون.

وأكد الشاذلى عباس، أن من بين القوانين التى صدرت للمقابر، بأنه لابد أن تكون المقبرة فى مكان مرتفع حتى لايبلغه الفيضان بحيث لاتصل المياه إلى المقابر، وأن تكون القبور فى ناحية من البلدة بعيدة عنها نحو ألف قدم فى طريق أكثر الرياح هبوبا من جهة البلدة، وأن تكون فى مواضع جافة للحد من التعفن، وأن يكون اللحد "موضع الدفن" عميقا فى الأرض، وهو الذي يُعرف بالدفن الحجازى القامة، وليس دفن الفساقى المشتهر فى عدد من ربوع مصر فى وقتنا الحالى، وأن تُحاط المقبرة بسور مرتفع وأن يزرع فى باطنه وظاهره وخلال المقابر أشجار، حيث تعمل أوراق الأشجار على امتصاث الغازات المؤذية من خلال الأوراق، كما أن عروقها تمتص سوائل الجثة بامتدادها فيمنع تولد العفونة، فتكون المقبرة غير معرضة لتفشي الوباء.

مقبرة "هو" العتيقة

ترتبط مقبرة "هو" بنجع حمادى، والتي تبلغ مساحتها 38 فدانا، مدفون فيها رفات أكثر من 150 قرية يأتون إليها محملين بالموتى عن طريق حمل النعش في جرارات زراعية أو عربات نوع كبوت بالأساطير والحكايات، منها الأسطورة الشعبية التى تؤكد أن المقوقس حين أراد التنازل للصحابي الجليل عمرو بن العاص عن مصر طلب الاحتفاظ بعدة مناطق وهي القرافة الكبرى، وقرية هو بكسر الهاء وتشديد الواو مع التسكين – في صعيد مصر، والتي يعنى اسمها الفرعوني طيبة الصغرى، والتي كانت مدينة الحب والموسيقى عند الرومان.

ويقول المؤرخون الشعبيون إن هذه الجبانة لها تاريخ محفوظ في عقول وقلوب الحفارين من أجدادهم الأقدمين، ففي زمن الكوليرا التي اكتسحت الصعيد قديما كان يحمل الصعايدة نعوش أكثر من ثمانية قبور في اليوم الواحد، وتأخذ أشكال القبور فيها رسوم الإبل والزخارف التي تعبر عن عمر الميت، ومكانته الاجتماعية، وجنسيته ذكرا كان أم أنثى، عجوزا أم شابا.

ولكن ماهى تقاليد المهنة في هذه الجبانة؟، الواقع أن تقاليد المهنة في هذه الجبانة مختلف عن الجبانات الأخرى، فحفار القبور بجانب إتقانه لحفر القبور، فيتوجب عليه أيضا أن يكون فنانا يعرف كيف يمزج الألوان على القبور ويشكلها بالشكل الذي يريده أهل المتوفى، ففي عالم الجبانة تكون الرسومات غالبا بعد اليوم الثالث من دفن الميت، ورسومات القبور تختلف من ذكر لأنثى، وهى رسومات تحدد عمر الميت ومكانته الاجتماعية، فالقبور عامة يرمز لها برسم الجمل، وإذا كان رجل يرسم له جمل كامل بدون نقصان، أما المرأة فالجمل الذي يرسم على قبرها يكون ناقصا أي بدون رأس.

أما في القبور من النوع الحجازي، فهو غالبا يكون للمرأة التي تعدت عمر الستين، وهو العمر الذي لايكون لها الحق أن يرسم لها القبر بالزخارف، حيث يترك بدون رسم، أما الأنثى الشابة والتي تدفن على نظام القبر الحجازي، فيرسم لها أنواع تدل علي أنوثتها وهى المشط والمقص والمرآة، وهى الأشياء التي تختص بها الأنثى، أما الشاب الذكر فيرسم على قبره أشياء تعبر عن حياته وهى مسبحة الصلاة وإبريق الوضوء وشمسية وعصا، وهى رمز الأمل الذي افتقد الوصول إليه، أما الرجل العجوز فلا يُرسم له مثل المرأة العجوز، وان كان في بعض الأحيان يرمزون له برمز العصا فقط؛ تعبيرا عن الشيخوخة

وتنقسم القبور في جبانة "هو" إلى أنواع مختلفة فهي مقسمة إلى قبور (فساقي) وإلى قبور (القامة أو الحجازي) ، نسبة إلى أن عادة تلك القبور أتت من القبائل الحجازية التي استوطنت الصعيد.

وتسود القبلية على عالم الجبانة الاجتماعية، فلكل عائلة (دور) يدفنون فيه موتاهم بينما تحوى الجبانة أكثر من بئر، تم حفرها في عهود قديمة يرجعها البعض لزمن الفتح العربي لمصر، وهى الآبار التي يجلب منها السابلون المياه لإقامة القبور، وهى أربعة آبار تقبع هذه الآبار خلف مقامات شيوخ استشهدوا في سبيل إعلاء راية الدين الإسلامي في ربوع هذه البلاد، أما الأسم الشائع لمكان الأموات في الجبانة الدار، وهو الرمز الإسلامي الذي يجعل للحياة الآخرة داراً مثلما الحياة الدنيا داراً

الدكتور علاء أبوالحمد مدرس الفنون الجميلة بكلية الأقصر أكد لــ"بوابة الأهرام" أن أغلب رسومات جبانة "هو" ترمز لرمز الجمل؛ وذلك لمكانة ذلك الحيوان في الإسلام، فهو الحيوان الذي نطق أمام الرسوم المعظم بالشهادتين، كذلك يعتقد الصعايدة أن الجمل حيوان مسلم موحد يصلى على الرسول ويمدحه، كذلك اقترن رمز الجمل بالرجل الصبور، والمرأة غالبا تقول لزوجها "يا بعلي"، كذلك كان الجمل قديما يشارك في مراسم الزواج حاملا على ظهره هودج العروس.

ويضيف الدكتورعلاء أبو الحمد أن الرموز الفنية في مقابر (هو) هي رموز تحمل موروثا تاريخيا، فكل الرموز الموجودة على قبور الأنثى الشابة والذكر الشاب هي إعادة للرموز وحياة الجبانات الفرعونية القديمة، حيث كان الفرعوني يأخذ ما يحتاجه معه لقبره، والفنان في الجبانة أخذ دون أن يدرى الموروث الفرعوني القديم؛ نظراً لأن هذا المكان كان مقاربا للمدافن الفرعونية القديمة، فهى من المناطق ذات الجذور التاريخية

أما عن إيمان العقلية الشعبية فأكد أن جبانة "هو" بها فدان من الجنة فهو إيمان مشكوك فيها، فهو راجع إلى تلك المرويات التاريخية التى لم يثبت صحتها حتى الآن، حيث تذكر المرويات أن المقوقس أراد شراء جبانة القرافة من الصحابي عمرو بن العاص، وهى تنقسم إلى القرافة الكبري، والقرافة الصغري، فأرسل عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- الذي طلب أن يسأل المقوقس عن حاجته بمكان لا زرع فيه ولا ماء، وقد أجاب المقوقس إن القرافة بها غرس جنة، كما تقول الكتب القديمة، فرد عمر بن الخطاب طالبا من عمرو بن العاص ألا يبيعها، وأن يدفن فيها المؤمنين، مما يعنى أن المرويات للقرافة الكبري، وليست لجبانة هو فلا يوجد دليل تاريخي يقطع بذلك، لكن لا أحد ينكر أنها تمثل إرثا تاريخيا وفنيا لمقابر الصعيد.


القرافةالقرافة

القرافةالقرافة

القرافةالقرافة
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة