إذا كنا نحتفل بعيد الشرطة فى 25 يناير من كل عام تخليدا لملحمتهم الشهيرة فى الإسماعيلية، عندما اشتبكوا مع قوات الاحتلال البريطانى عام 1952 وسقط منهم خمسون شهيدا وثمانون جريحا، فإن تضحيات شهداء الشرطة لم تتوقف، فهم دائما فى جبهة مفتوحة مع الإرهاب والإجرام بمختلف أنواعه فى كل ربوع مصر على السواحل وفى الصحراء فى كل الأوقات، فلا يتوقفون لحظة ولا تغمض لهم عين، حتى يوفروا لباقى أخوتهم وأهلهم الأمن والطمأنينة، ويتحملون البرد القارس والصيف القائظ، ويدخلون الأوكار الخطيرة للإرهابيين والمجرمين، وتجوب سياراتهم كل مكان غير عابئين بالمخاطر التى تنتظرهم، ولم يجبنوا يوما أمام أى طارئ.
ومن لديه أخ أو ابن أو قريب من رجال الشرطة يمكن أن يعرف جانبا من تلك الظروف الصعبة التى يعملون فيها فى المناطق النائية أو فى الأماكن المأهولة، فهم يتواجدون حيث الخطر وحيث الجريمة ويسهرون عندما ننام، ويصلون الليل بالنهار حتى نأمن على حياتنا وممتلكاتنا وأبنائنا وأهلنا، ويكفى أن نتخيل أماكن وجودهم، وأن نعرف أنهم يلبون النداء فى أى وقت عندما يتم استدعاؤهم عند أى طارئ، يكفى أن تعرف كيف يدخلون المغارات والجبال الوعرة فى سيناء وهم يعرفون أن الخطر يتربص بهم وأن أيدى الإرهاب يمكن أن تفاجئهم فى أى لحظة، وأنهم تعرضوا للكثير من ضربات القدر وتلقوا فى صدورهم الطلقات قبل أن تصل إلينا وداسوا على ألغام مزروعة، وتعرضوا للقصف بكل أنواع الأسلحة، وعندما يتلقون استغاثة أو يقع حادث مهما كانت درجة خطورته، فإن الشرطة تهرع بسرعة نحو هذا الخطر قبل أن ينال أحدا منا.
إن الصورة عن قرب لحياة رجال الشرطة تجعلنا نقدر تلك التضحيات ونقف إجلالا لتلك الدماء التى نزفت وهى تدافع عن أمتنا، فهم لا ينتظرون الخطر حتى يأتى إليهم، إنما يذهبون إليه بجسارة ليمنعوا الجريمة ويلاحقوا المجرمين بمختلف أنواعهم ، فهذه هى حياتهم التى فرضها عليهم عشق الوطن ومسئولية تأمينه، واسألوا كل أب وأم أو زوجة أو ابن لرجل الشرطة عن القلق الذى يعيشونه وكم يسهرون ويتوجهون بالدعاء لكى يعودوا إليهم سالمين وهم يعرفون أن الابن والزوج والأب فى قلب الخطر ومعرض للشهادة فى أى لحظة، وكم عاشوا من لحظات مخيفة وهم يسمعون أخبارا عن تعرضهم لإطلاق نار وسقوط شهداء وجرحى منهم.
معظمنا له أخ أو ابن أو أب أو قريب أو صديق من هؤلاء، فهم من نسيج هذا الشعب، ولهذا فإن احتفالنا بهم شيء رمزى أقل كثيرا مما يستحقونه، فلقد سمعت الكثير من شقيقى وأقاربى عن حجم معاناتهم وعن قصص بطولية لا يكفى مقال أو كتاب لسرد كل تفاصيلها، فكل رجل شرطة من بين أكثر من نصف مليون شرطى لديه من المواقف الصعبة التى تعرض لها وهو يحمل حياته على كفه ليقدمها قربانا للوطن نيابة عنا، بينما نقرأ رقما عن عدد الشهداء فى سيناء أو أى بقعة من أرض مصر يكمن فيها المتربصون من المجرمين، سواء كانوا إرهابيين أو تجار مخدرات أو عصابات سرقة أو خطف أو قتلة أو غيرهم من المنحرفين والخطرين، فإن وراء كل شهيد قصصا ومآسى ودماء ودموعا وألما ستظل تلازم أسرته وأصدقاءه ومعارفه طوال العمر.
لم أتحدث عن الملاحم البطولية العديدة التى خاضها أخوتنا من رجال الشرطة على أرض سيناء طوال السنوات الماضية فى مواجهة التنظيمات الإرهابية مثل ولاية سيناء أو حسم أو غيرهما، فكم ضحوا وسالت دماؤهم الذكية حتى تمكنوا من ردع تلك الجماعات واستئصال معظمها فتراجعت معدلات جرائمهم إلى حد كبير، وإنما أتحدث عن هؤلاء الأبطال الذين كنت أسمع عنهم منذ كنت طفلا فى صعيد مصر، وكيف كانوا يجوبون الجبال الخطرة لكى يواجهوا الفارين من العدالة أو قطاع الطرق، الذين يتخذون من المغارات الوعرة أو الجزر المنعزلة فى نهر النيل وكرا يشنون منه عملياتهم الإجرامية، ويعرفون كل شبر فى تلك المخابئ ولديهم الأسلحة التى تتربص بكل من يقترب ، وبرغم هذا خاض الأبطال معهم اشتباكات، ليلقوا القبض عليهم، سمعت عن عشرات القصص، وعن شهداء لم أعرف أسماءهم والقليل منهم يصل إلينا فى صورة معلومة لا نكاد نلتفت إليها تحت عنوان «سقوط تشكيل عصابى» أو «القبض على شبكة مجرمين» ولا نعرف حقيقة ما عاناه رجال الشرطة لكى يمسكوا بهم ولا عدد من سقطوا منهم شهداء أو أصيبوا، ولا شعرنا بألم وقلق أسرهم.
من أجل هؤلاء أرى أن عيد الشرطة لا يكفى لتقدير ما قاموا به، نعم هو واجبهم، ونعم هو طبيعة عملهم الذى اختاروه، لكنه من أجلنا جميعا
> مصر لن تنسى أبدا تضحيات رجال الشرطة فوراء كل شهيد قصص ومآس ودماء ودموع وألم ستظل تلازم أسرته وأصدق
وواجبنا ألا نلتفت لصناع الفتنة الذين يسعون إلى التفرقة بين الشعب والشرطة، ويبثون سموم الكراهية، من خلال وسائل إعلامهم المأجورة، لأنهم لو نجحوا فى مسعاهم فإننا سندفع الثمن غاليا، فلا شعب بدون شرطة ولا أمان أو استقرار بدونهم.
عندما ذهبت إلى بعض مراكز الشرطة المتطورة، وجدت أن التطوير لا يقتصر على مبانيها، إنما امتد إلى التعليم وتطوير الأداء واستخدام التكنولوجيا من مركز معلومات وأجهزة متقدمة فى مجال التحرى والرصد، إلى جانب تقديم الخدمات المختلفة، وأتمنى أن تصبح كل مراكز الشرطة وتجهيزاتها بهذا المستوى حتى ننعم بالأمن ونستطيع البناء تحت مظلة من الاستقرار والطمأنينة.
وكل عام وشعب مصر بخير يستظل بأبنائه من رجال الشرطة.
كورونا فى بيتى
كابوس جائحة كورونا يخيم على كل بيت، فالأخبار فى جميع فضائيات العالم تتصدرها أنباء إصابات ووفيات الوباء فى أنحاء العالم والإغلاق الجزئى والعطلة الطويلة لمعظم الطلاب سواء بقرارات وزارية أو بدون، أجبرت معظم الطلاب على الغياب ومحاولة الاعتماد إما على التعليم عن بعد أو الجهود الذاتية للطالب، وكذلك الطلاب الذين كانوا يعتمدون على الدروس الخصوصية توقفوا عنها ولزموا منازلهم.
حتى الذين رفعوا شعار «لا نزور ولا نزار» وبقوا فى منازلهم وتوقفوا عن الخروج للتجمعات واعتمدوا على الشراء عن طريق خدمة التوصيل إلى المنازل ـ لم يسلموا من الفيروس لأن عمال التوصيل قد يكونون ثغرة لنقل الفيروس لكثرة من يتعاملون معهم.
وإذا زادت الاحتياطات وبلغت حد التعامل بحرص مع عمال التوصيل إلى المنازل وتعقيم المشتريات قبل دخولها والتخلص من الأكياس، فيمكن أن يدخل الفيروس البيت عن طريق أى غريب جاء لإصلاح عطل أو عمل ما.
وهذا قد يفسر أن عددا من المصابين قالوا إنهم كانوا يتبعون التعليمات والإجراءات الوقائية، لأن دائما ما تكون هناك ثغرة ينفذ منها الفيروس اللعين ليصيب معظم وربما كل أفراد الأسرة، لتدخل فى دوامة القلق والعلاج والأدوية التى يختلف الأطباء على صرفها، وقبلها مدى دقة المسحة، والحيرة فى اختيار العلاج فى المستشفى أو المنزل، ولكل مرحلة درجة من المخاوف.
لكن هذا لا يعنى التقليل من أهمية الإجراءات الوقائية، بل العكس، فهى التى خفضت أعداد الإصابات ولولاها لكانت الأعداد أضخم بكثير، بل لو كان الالتزام واسعا وشاملا من الجميع لتم التخلص من الفيروس بسهولة، لكن للأسف يكفى شخص غير ملتزم بتلك الإجراءات ليصيب آخرين ملتزمين، فهو لا يضر نفسه فقط، بل يصبح خطرا متنقلا لا يتم اكتشافه إلا بعد فوات الأوان، وتضيع جهود من يلتزمون، وتزداد الأعداد وتصبح عبئا ثقيلا على القطاع الطبى ويبدد جهود الأطباء، فعلينا ألا نكون حريصين تجاه أنفسنا فقط ، بل نطلب الالتزام من الآخرين ونتعامل مع غير الملتزمين بكثير من الحذر والحسم مهما كان قريبا منا، وألا نجعل من خجلنا ثغرة ينفذ إلينا منها الفيروس اللعين.