Close ad

بكاء أوباما على أطلال الربيع

6-1-2021 | 11:41
الأهرام اليومي نقلاً عن

مراكز البحوث وأقسام الشرق الأوسط والكثير من الدوريات السياسية فى الدول الغربية مهتمة هذه الأيام بذكرى مرور عشر سنوات على أحداث ما أطلق عليه فى الدول الغربية الربيع العربي. الاهتمام فى كثير من الأحيان له سمات أكاديمية تراجع جميع المناسبات التى تسببت فى تغييرات مهمة ذات طبيعة تاريخية. محصلة ما كتب يدور أولا حول أن ما جرى كان أمرا غير مألوف فى المنطقة العربية؛ وثانيا أنه كان مدهشا فى أشكاله والوسائل التى لجأ إليها من تجمعات كثيفة إلى شعارات براقة؛ وثالثا أنه فشل فشلا ذريعا وأدى إلى أمور كارثية؛ ورابعا أنه رغم ذلك كله فإنه لا يزال مستمرا وكما هو الحال مع طائر العنقاء فإنه سوف يبزغ مرة أخرى خارجا من لهيب نار حارقة.

سبب هذه الملحمة المنتظرة هو أن ثوار الربيع كانوا يريدون كما أراد من قبلهم ثوار فى أوروبا الشرقية التحول إلى ثلاثية الرأسمالية والليبرالية والديمقراطية والاندماج فى العولمة والعالم الجديد. ولما كانت كل هذه أمور نبيلة فإن تحقيقها لا يتم بأحداث تاريخية واحدة والتى هى محض تجارب أو بروفات لأيام موعودة. هذه الفكرة العامة تكاد تكون هى ذاتها التى سرد بها الرئيس باراك أوباما قصته مع الأحداث ذاتها فى مذكراته أرض موعودة، والتى تعامل فيها مع الأحداث التى جرت فى تونس ومصر وسوريا واليمن والبحرين، ومع أحداث ربما كانت أقل حدة فى دول عربية أخرى فى المغرب والجزائر والعراق ولبنان والأردن وعمان. كل ما كتب كان يعكس حالة ظمأ شديدة للتعامل مع اعتبروه دوما الاستثناء العربى فى المسيرة الكونية نحو نهاية التاريخ الذى انتصرت فيه الايديولوجيات الغربية على كل ما عداها من أيديولوجيات أخرى شرقية تنتمى إلى الماركسية فى الاتحاد السوفيتي، أو جنوبية تنتمى إلى العالم الثالث وتصورت أن هناك ثمة طريقا ثالثا يمكن اتباعه.

المدهش أن هذه النظرة بالغة البساطة تجاهلت تماما التطورات الدولية التى جرت مع بداية القرن الجديد وفى المقدمة منها أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 والتى أظهرت أن العولمة الغربية ليست وحدها فقط على ساحة الكوكب، وإنما هناك أيضا عولمة إرهابية شعارها دولة عالمية للخلافة. التجاهل الأكبر كان للنتائج التى آل إليها الغزو الأمريكى لأفغانستان والعراق والتى بالإضافة إلى تكلفتها من القتلى والجرحى وسبعة تريليونات دولار كانت تقطع بأن تغيير النظم بالقوة وعن طريق التدخل فى الشئون الداخلية للدول ما هو إلا مخالفة كبيرة لمبدأ غربى مهم جرى اتباعه منذ معاهدة ويستفاليا عام 1646. لم يكن هذا المبدأ الذى بات متصدرا لكل المعاهدات الدولية التى تلت ذلك إلا انعكاسا للحكمة التى رأت أن الدول والأمم تختلف عن بعضها البعض بحكم ما آلت إليه ثقافتها السياسية والاقتصادية وموقعها الجغرافى وتاريخها، وباختصار كل ما عبرت عنه هويتها. فكرة السيادة لم تكن فقط دلالة السيطرة على إقليم بعينه من قبل شعب وحكومة، وإنما أكثر من ذلك الهيمنة والمسئولية عن عمليات التغيير التى تخصها، تدريجيا أو بالطفرة. المدهش أكثر أن الكتابات الدائرة حول الأحداث العربية تأتى بعد الفشل السياسى والاستراتيجى لجماعة المحافظين الجدد الذى سادوا فى إدارة الرئيس جورج بوش الابن وتغيير العراق وأفغانستان؛ وبعد أن ظهرت بوادر تغييرات عميقة داخل الساحة الأمريكية ذاتها، وكذلك فى المملكة المتحدة منذرة بما جاء بعدها من بريكسيت ومن ظهور نماذج الرئيس ترامب على امتداد القارة الأوروبية والعالمية كذلك فى البرازيل والهند. كل هذه النماذج لم تكن بعيدة عن الظهور لا عند مطلع العقد الماضي، ولا عند صدور ما يصدر الآن.

القارئ لمذكرات أوباما يجده فى حالة شيزوفرنية ثلاثية الأبعاد: أولها لا يكف عن ترويج كل ما قاله توماس جيفرسون فى إعلان الاستقلال الأمريكى كما لو كان عقيدة دينية معبرة عن حقائق مقدسة؛ وثانيها ما هو عكس ذلك تماما وجاريا فى التاريخ الأمريكى المعاصر حيث العنصرية باقية ووقفت ضده خلال الانتخابات التى جاءت به إلى البيت الأبيض، وظلت تسعى إلى هدمه بعدها؛ وثالثها الواقعية السياسية والبرجماتية العملية التى يعمل بها جميع الرؤساء الأمريكيين. فيما يخص الدول العربية لم تكن هناك مرجعية سوى البعد الأول؛ وفى الكتابات الغربية الأخرى لا توجد مرجعية غيرها. وفى الحالتين فإنها أصابت الجميع بحالة من العمى السياسى جعلتهم لا يفهمون بلدا مثل مصر.

ورغم أن أوباما نشر فى كتابه صورة له داخل أحدى المنشآت الفرعونية، وعلق عليها بأن التجوال فى أهرامات الجيزة قدم تذكرة بالتواضع أن هذا العالم يخلد طويلا بعد أن نذهب. مثل ذلك لم يصمد فى مراقبته لمصر فى أثناء الأحداث، حتى لا نجد فارقا ما بين أيام التظاهر الثلاثة الأولى (25-27 يناير) وما حدث اعتبارا من 28 يناير عندما أمسك الإخوان المسلمون بزمام الأمر بين المتظاهرين، وما قاموا به من إطلاق للمسجونين من الإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى بما فيها حماس وحزب الله؛ وما ارتكبوه جميعا من جرائم إزاء أقسام الشرطة والكنائس والمنشآت العامة. لم تكن هناك صعوبة عند مراقبة ميدان التحرير فى القاهرة، أو أي من ميادين التظاهر الأخري، أنه فيما عدا كلمة الحرية التى وردت فى الشعارات فإنه لم يكن هناك تصور تطبيق لها، ولا برامج عمل. لم تكن المطالبة بالتغيير يتلوها السؤال المنطقى ثم ماذا بعد؟ والحقيقة أنه لم تكن هناك قيادة سوى للإخوان المسلمين.

لماذا لم ير لا أوباما ولا أجهزته السرية والعلنية، ولا غيره من الدارسين الغربيين هذه الحقائق على الأرض؟ ولماذا لا يرون الآن البرنامج القومى للإصلاح على كل الجبهات لصناعة التغيير الشامل فى بيئة آمنة ومستقرة؟ الإجابة السهلة هى لأنهم يتآمرون علينا طوال الوقت، وما أشبه الليلة بالبارحة؛ والإجابة الأصعب هى لأننا لم نقدم السردية الحقيقية لما جري؛ أو ربما عندما قدمناها لم تكن مرفقة بالمصالح التى تعين على الاستماع إليها؟!.

كلمات البحث
الأكثر قراءة