استحوذ على تفكيرى أن أكتب رسائل، ليس للعام الجديد (2021 )، الذى أستبشر به موضوعيا، لأنه بداية عِقد جديد أراه مختلفا، ولن يكون عاما للوباء، بإذن الله، مثل عام 2020، الذى جلدنا حتى النخاع، لكننا استطعنا ترويضه، وتحجيمه، فى حدود دنيا، وقد كان قاسيا، ومريرا بما يزيد، ومازالت نفوسنا تهفو لساعة الخلاص، وأن تصفو حياتنا من جديد، وأن نقترب بعد تَبَاعُد، وأن نفرح بعد خوف وتردد، وألا نعيش ونحن ننتظر أن يفقد بعضنا بعضا، فى لحظات.
عام وعِقد لا ننتظر فيهما لحظة أن نجد الهواء ولا نستطيع استنشاقه!، أو عِقد تشح فيه المياه ونحن نرى من يترصد بمواردنا المائية فى أعالى النيل، أو مصبه، ليسطو عليها، أو يعيد بيعها لنا، بلا قانون، وبلا حق، وعالم ومنظماته يلهوان بقضايانا، بل بحياتنا، ويستخدمانها عند اللزوم لترويضنا، أو فرض ما لا يعجبنا، أو إعادة صياغتنا، وينظر لنا، من علياء، ولا نستحق حكم بلادنا، وإدارتها.
استوقفنى فى نهاية هذا العام حدثان متتاليان: الأول قادم من بروكسل (تقرير البرلمان الأوروبى عن حالة حقوق الإنسان فى مصر)، والثانى قادم من واشنطن (حديث الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته، دونالد ترامب، عن شراء مصر السلاح الروسى بأموال المساعدات الأمريكية)، وقد جاء الحدثان متزامنين، وكأنهما متفقان على الهدف نفسه، فالتقرير الأوروبى لن نستهين به، لأننا فى حاجة لأوروبا، والثانى كذلك، فعلاقتنا بأمريكا حيوية، ونحن فى عالم واحد، لا يستغنى فيه أحد عن القوى الكبرى، أو العالمية، أو الغربية عموما، ولكننا استغربنا، بل اندهشنا، فقد كنا ننتظر من البرلمان الأوروبى أن يرى مصر جيدا، وبعمق، وبلا انفعالات تُملى عليه من بعض المترصدين، أو اليساريين، أو التيارات التى تحاربنا لأسباب، والذين ملأهم التعصب، والعنصرية، والكراهية تجاه كل ما هو شرقى، أو عربى، ومسلم، لأسباب مرضية تعنيه هو، والذى قد لا يعرف مصر أو تركيا بالتفصيل، ويرى الاثنتين من الشرق، ويجب الضغط عليهما معا، بل بشكل متزامن، لا يفرق بين سياسة وأخرى.. وهكذا فعل الرئيس الأمريكى، الذى استكثر على نفسه أن يمهد للمصريين للوصول إلى اتفاق حول حقوقهم المائية، أو مساعدتهم فى تحجيم التيارات الإرهابية، التى استأسدت على بلادهم فى النصف الثانى من العِقد الماضى كله، فى معركة طاحنة، فأراد أن يتوازن مع هذه التيارات المعادية لمصر، ولم يجد شيئا يستند إليه، ويتناسب معه، للضغط عليها، أو تعقيد أمورها، أمام الإدارة المقبلة، إلا أن يتهمها بشراء سلاح روسى بأموال المساعدات الأمريكية، بل استخدم الأرقام القديمة للمساعدات، التى تناقصت إلى النصف فى العِقد الأخير، ولم تعد ذات أهمية لبلادنا، إلا أنها تذكار ذو معنى من الدولة العظمى (أمريكا) للدولة الإقليمية الكبرى (مصر)، التى تحفظ السلام الإقليمى للمنطقة، وتباشر الاعتدال، بل تتعامل مع التطرف، والإرهاب، وتهزمهما، وتقدم النموذج المعتدل فى حوض المتوسط، ونهر النيل، وفى مناطق آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، أى فى العالم القديم كله، بل تتعاون مع العسكرية الأمريكية، والروسية، والصينية، بما يحفظ السلام الإقليمى لعالمها، وبروح تتسم بالجدية، والنظرة المستقبلية الدقيقة، والاحترام للجميع.
إن التقرير الأوروبى ساقط، ومتهافت، وأراه لا يستحق الرد، بقدر ما يستحق التفنيد، والمصارحة، والمكاشفة مع من أصدروه، وفرضوه على أجندة أوروبا عنوة، وضد مصالحها، فعن أى حقوق تتكلمون؟.. هل تتكلمون عن العشوائيات والفقراء، الذين استطاعت مصر، فى العِقد الصعب والمرير ( 2011- 2020)، الذى وضعتمونا فيه تحت ضغط الإرهابيين، والمتطرفين، حيث بدأناه بالثورات والاضطرابات، التى وضعت بلادنا، بل منطقتنا كلها، على حافة الفوضى، بل سقوط الدول بشكل متتابع، ونحن نحاول إعادتها الآن بشق الأنفس؟.. عن أى حقوق تتحدثون؟..
ومصر قد استقبلت عشرات الملايين من الدول التى أُسقطت فى الفوضى، والإرهاب، والتطرف (سوريا والسودان وليبيا والعراق واليمن). إن مصر البلد المكتظ سكانيا (فوق المائة مليون) تستقبل الملايين من الدول التى أُسقطت، ولا تستخدم سلاح المهاجرين، أو الهجرة، للضغط على أوروبا، وابتزازها ماليا مثل غيرها.. فهل مثل هذه الدولة تتجاهل حقوق الإنسان؟!.. سؤال غريب ومعيب يوجه لمصر من الاتحاد الأوروبى، أو البرلمان الأوروبى، الذى اعتقدنا أنه يمثل الأوروبيين، وليس حِفنة، وبوقا، يستمع للجماعات المتأسلمة، التى استوطنت أوروبا، وأمريكا، وحاولت أن تمثل الإسلام، ثم تضغط الآن لهز المصريين، أو الدولة المصرية، من الداخل، وبمساعدة مؤسسات ومنظمات غربية وأمريكية، لتوتر ثقتها فى نفسها، وفى اتجاهاتها الإنسانية، وقدرتها على تجاوز الأزمات، وبناء مجتمعها، ودولتها الرامية لمكافحة الفقر، وهزيمة العشوائية فى بلادها، والمتطلعة إلى بناء دولة مدنية حديثة، تتناسب مع الإنسان المعاصر.
إن مصر الآن غير مصر قبل ذلك، فهى تستطيع الرد على المتهافتين، لأن مصر الآن قوية ولا تهتز، مصر الآن إنسانها أصبح واعيا، لا يهزه تقرير متهافت، فالإنسان فى الشارع المصرى يرى ما يحدث، ولا يأخذ معلوماته حتى من وسائل الإعلام، أو من الدعاية، بل إنه موجود فى الشارع، ويعايش حكومته، فى حالة نادرة من التكيف، ويرى الأمن، ومؤسساته، بأم عينيه، فى كل مكان، فى العاصمة، والمحافظات، ومدن القناة، وسيناء، ويرى شرطة حديثة، بل سجونا عصرية تتعامل مع الإنسان لكونه إنسانا فقط، وليس لكونه مصريا، أو عربيا، أو أوروبيا، أو آسيويا، أو إفريقيا، وقد تحدث أخطاء هنا، أو هناك، ونصححها، ولا نكابر، لكننا نستجيب، ونتغير، ونتطور بكفاءة واقتدار، وهذا ما يحدث، فبدلا من أن تكونوا أيها الأوروبيون، أو النواب، مع الحق، والعدل، وتنظروا بأنفسكم، وبدلا من أن تسمعوا أصواتا مقبلة من بعيد.. تريدون أن تعود لمصر الفوضى، والاضطرابات، لتجدوا سبيلا لحكمها من جديد؟!.. إلا أننى أقول لكم: تعالوا إلينا لتشاهدوا شوارعنا، ومؤسساتنا، فنحن دولة جديدة ستنتقل فى العام المقبل إلى العاصمة، التى أُنشئت لتعبر بمصر المعاصرة إلى مصر المتطلعة، وتكون جزءا من عالمها بكل مقاييسه وعلومه.