Close ad

سياسة «الأحلاف القديمة» تعود مع «أوكوس».. ما شكل النظام العالمي الجديد؟

23-9-2021 | 20:36
سياسة ;الأحلاف القديمة; تعود مع ;أوكوس; ما شكل النظام العالمي الجديد؟جانب من اجتماع قادة دول تحالف أوكوس الأسترالي البريطاني الأمريكي
محمود سعد دياب

تتضح معالم النظام العالمي الجديد شيئا فشيئا.. فبينما تنسحب الولايات المتحدة من أماكن تمركز قواتها حول العالم، بدأت سياسة جديدة تعتمد على سياسة الأحلاف القديمة، فظهر فجأة "تحالف أوكوس" الذي يجمعها مع بريطانيا العظمى وأستراليا، والذي يبدو أنه سيكون بديلا عن القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة حاليا في كل بقعة بالعالم، كما أنه جزء من تحالف مخابرات العيون الخمس الذي تشكل مع نهاية الحرب العالمية الثانية ويضم بالإضافة للدول الثلاثة سالفة الذكر كندا ونيوزيلندا.

موضوعات مقترحة

لذلك لم يكن غريبا أن تنسحب واشنطن من العراق والصومال ومؤخرا أفغانستان، ثم ستكمل انسحاباتها بشكل تدريجي من ألمانيا مع تأجيل تلك التي تطوق روسيا والصين في منطقة شبه الجزيرة الكورية والجزر اليابانية، فضلا عن قواعدها في منطقة الخليج العربي وجنوب شرق آسيا والتي بدأتها بسحب 8 بطاريات صواريخ "باتريوت"، لكي تعتمد السياسة الجديدة للخارجية الأمريكية على تقوية جيوش الحلفاء لكي تكون قادرة على مواجهة المخاطر المختلفة التي تهدد المصالح الأمريكية، خصوصا الصين وروسيا والدول المتحالفة معهما مثل إيران، حيث لم تتضمن اتفاقية الغواصات النووية بين أمريكا وأستراليا فقط تسليح الأستراليين بتلك الغواصات ولكن نقل تكنولوجيا تصنيعها، ما اعتبره حلف الشرق الصيني الروسي خرقا لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية بمنح القدرات النووية إلى دولة غير نووية.

صفقة الغواصات النووية كانت ستتم في البداية بين أستراليا وفرنسا وبدأت المفاوضات عام 2016 بتكلفة قدرها تتراوح بين 60 و105 مليارات دولار، لكن الأولى الخاضع قرارها لملكة بريطانيا العظمى ودول الكومنولث إليزابيث الثانية قررت في اللحظة الأخيرة تحويل الدفة إلى واشنطن، لكي يستفز ذلك الفرنساويين ويقرروا سحب سفرائهم من كانبرا وواشنطن في أعنف أزمة دبلوماسية تنشب بين باريس وقوى غربية منذ أكثر من قرن وربع من الزمان.

التحالف الأخير قد يؤدي بأن ترافق باريس جارتها برلين في الاتجاه شرقا صوب التحالف الصيني الروسي بحثا عن مصالحها الاقتصادية ومن ثم السياسية والجيوستراتيجية، لكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تعد تبالي كثيرا وتعرف جيدا أن فكرة كونها شرطي العالم والقوة العظمى الوحيدة والأقوى قد انتهت، وأصبحت فقط دولة غربية قوية في عالم متعدد الأقطاب.

في عام ٢٠١٧ صدر وثيقة الأمن القومي الأمريكي الإستراتيجية، وهي نتاج مشترك بين وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" ووكالة المخابرات المركزية "CIA"، ذكر أن القوات الأمريكية تتعرض إلى ضمور إستراتيجي وتآكل في القوة العسكرية أمام تنامي قوى أخرى مثل الروس والصينيين، وبناءً عليه قرر البنتاجون منذ عهد الرئيس دونالد ترامب تقليل التواجد الأمريكي والانسحاب التدريجي من القواعد الأمريكية المنتشرة حول العالم، والعودة لتطبيق نظرية الأب المؤسس جورج واشنطن وهي الانعزالية والانكفاء على الداخل لتقوية الجسد الأمريكي، خصوصًا أن التقرير توقع اضطرابات عالمية متزايدة ستؤدي إلى تغير النظام العالمي الحالي.

الكاتب الجيوسياسي عمرو عمار يقول إن وثيقة الأمن القومي الأمريكي الإستراتيجية الصادرة في ديسمبر 2017، لم تضع الحرب على الإرهاب كأولوية للحكم أو كعدو معلن بعدما انهار العدو الأساسي الاتحاد السوفيتي كما كان معتادًا، لكنها حددت الخطر القادم للحد من الهيمنة الأمريكية على رقعة منطقة الأوروآسيا هو تنامي قدرات الصين وروسيا، مستدعية نظرية الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بأنه "عندما تخسر فإن عليك تغيير قواعد اللعبة"، وبالتالي فإن البنتاجون يعيد صياغة قواعد اللعبة، كما استندت الوثيقة لما قاله السير البريطاني هالفورد ماكندر (1861-1947) المتخصص في الجغرافيا السياسية "الجيوبوليتكا"، بأن من يرغب في السيطرة على العالم يجب أن يمتلك المنطقة المحورية وهي المنطقة من غرب الصين حتى سوريا ولبنان والساحل الشرقي للبحر المتوسط، بجانب المنطقة المركزية وهي أوروبا، كما أن كتاب رقعة الشطرنج الكبرى لأستاذ السياسة الخارجية الأمريكية في جامعة جونز هوبكنز زبيغنيو بريجنسكي الصادر عام 1997، أكد على نفس المعنى.

الوثيقة وضعت تخوفاتها بناء على تصاعد قوة الصين وروسيا والتحالف بينهما بشكل عسكري واقتصادي "الحزام والطريق" و"منظمة شانغهاي للتعاون"، وبالتالي اقترحت الوثيقة انسحاب واشنطن بشكل إستراتيجي من أفغانستان بسياسة الأرض المحروقة، وإشعال المنطقة التي تضم وسط وغرب آسيا، من أجل إشعال ثورات ملونة داخل الدول الواقعة على طول الحزام والطريق بتلك المنطقة يتم استخدام الجماعات المتطرفة خلال الفترة المقبلة، تمامًا مثلما فعلت في منطقة الشرق الأوسط من خلال ثورات الربيع العربي حيث استخدمت تلك الجماعات في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا، ولولا ثورة المصريين في 2013 وصمود الشعب السوري لما كُتب لهذا السيناريو الفشل.

الوثيقة تكشف عن تحول جذري في سياسة الولايات المتحدة التي وضعها الرئيس هاري ترومان، الذي ضغط على زر إطلاق القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين بنهاية الحرب العالمية، بأن تنشر قواعدها حول العالم وتتدخل بالحروب ومختلف طرق الضغوط السياسية والاقتصادية والوسائل الاستخباراتية على كل الدول، بهدف الحفاظ على الهيمنة وضرب كل من يحاول المساس بالمصالح الأمريكية، لكن أمريكا الحالية تستهدف التقوقع داخل حدودها مرة أخرى، بعدما نجحت الصين خلال العقد الأخير في الالتفاف على قيام واشنطن بخنق ممرات التجارة في مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي، بإنشاء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ما وفر نافذة أخرى على بحر العرب والمحيط الهندي، ما ضمن تدفق إمدادات النفط القادمة من الخليج وقناة السويس بسلاسة عبر أنابيب تصل حتى منطقة شينجيانج شمال غربي البلاد ثم يتم توزيعها على باقي المقاطعات الصينية.

وبات واضحًا للعيان أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تمويل طموحاتها الإمبراطورية، وبالتالي فهي تنسحب من العراق وأفغانستان والصومال والخليج الفارسي. والآن مثل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان خبرًا سعيدًا لدافعي الضرائب بالولايات المتحدة، الذين أخيرًا سيرون أموال الضرائب التي يدفعونها تنفق على الداخل الأمريكي مثل المستشفيات والمدارس والطرق وخلافه، وهذا يعني أن أمريكا ستتراجع من دولة عظمى لدولة غربية مهمة، تمامًا مثلما حدث مع بريطانيا العظمى منذ 70 سنة عندما عجزت عن تمويل وجودها الإمبراطوري وأساطيلها المنتشرة بالعالم، انسحبت وتحولت إلى دولة أوروبية مهمة ولم تعد تملك من تاريخها سوى الاسم فقط.

الجدير ذكره، أن التحالف الجديد بين دول الثلاث أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، الملقب بـ"أوكوس - AUUKUS"، قد يضع كلمة النهاية في حياة حلف شمال الأطلسي "الناتو" بشكل نهائي، خصوصًا مع تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكثر من مرة بأن القارة العجوز تحتاج إلى جيش أوروبي موحد، للتخلص من الضغوط الأمريكية الاقتصادية على دول الاتحاد مثل مطالبها بوقف التعاون الاقتصادي مع الصين، ودفع ألمانيا لوقف التعاون مع روسي في مجال نقل الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 2"، ومنبع قوة أمريكا أنها تقول إنها تحمي الأوروبيين من خلال قواتها المنتشرة بأوروبا ضمن حلف الناتو، وفي النهاية يرفضون استيراد الغاز والنفط الأمريكي ويقللون من الاعتماد على واشنطن اقتصاديًا، مفضلين التوجه شرقًا للتعاون ناحية الروس والصينيين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: