Close ad

كيف نفهم نمو قوة الصين بشكل صحيح؟

10-6-2021 | 14:15
كيف نفهم نمو قوة الصين بشكل صحيح؟باحث بمركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة سون يات صون، ومتخصص في دراسات الشرق الأوسط
أ.د. تشن جي

لا ريب أن اقتصاد الصين حصل على قفزة كبيرة منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم عام 1978، وخاصة بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، حيث وصل معدل نموها الاقتصادي خلال أكثر من 40 عاما إلى حوالي 9% سنويا، لتحتل بذلك المركز الثاني بين صفوف دول العالم بمقياس الناتج المحلي الإجمالي، وبالتزامن مع ذلك، حصلت الصين على ثقل كبير على مسرح السياسة الدولية، ليس فقط لأنها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بل لأنها تمسكت وما زالت تتمسك ببعض الثوابت –التي لقيت تقديرا من العالم كله بكونها منسجمة مع كل القيم الإنسانية السامية- في التعامل مع دول العالم الأخرى وفي التعامل مع قضايا العالم وفي مقدمتها المبادئ الخمسة للتعايش السلمي.

موضوعات مقترحة

ترويج شائعات ضد الصين حيلة من حيل بعض الدول الغربية

رغم أن الصين بذلت كثيرا من الجهود لتحقيق التطور لذاتها وللعالم في آن واحد، إلا أنها واجهت كثيرا من الأقوال والشائعات التي تشوه صورتها، بداية مع ما يسمى بـ"نظرية انهيار الصين"، التي شاعت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق وحملت رسالة ضمنية مفادها أن الصين سوف تنهار أمام الرأسمالية الغربية، مرورا بـ"نظرية استعمار الصين" التي تستهدف بشكل خاص تطوير الصين علاقات التعاون الودية مع القارة الإفريقية وتتعمد الإساءة إلى هذه العلاقات المتينة البناءة، وصولا إلى ما يسمى بـ"نظرية فخ الديون" التي تتوهم مبادرة الحزام والطريق على أنها سيف قاطع لاستمرارية اقتصاد الدول المشاركة في المبادرة، كما أنه بعد انفجار وانتشار جائحة كوفيدا-19، تتداول "نظرية منشأ الفيروس الصيني" على شفاة بعض الساسة الغربيين بغية تسييس هذه الأزمة الصحية واتخاذها وسيلة مهمة جدا لتحميل الصين أكبر نصيب من المسئولية عن حجم الخسائر التي لحقت بدول العالم والتي تقدَّر بعشرة تريليونات دولار حسب البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، كل هذه الشائعات ما هي إلا حيلة إعلامية من حيل بعض الدول الغربية لردع نمو الصين وإبعادها عن التعاون الدولي.

تنوعت وتجددت الشائعات ضد الصين، ورافقت كل مرحلة من مراحل تطورها، وتميزت بخصائص تتماشى مع كل مرحلة، ربما يكون هذا هو الثمن الباهظ الذي لابد لأي دولة تتنامى قوتها لدرجة أن تتحدى مكانة القوة المهيمنة القائمة من دفعها، لكن خيار الصمود أمامها أو الاستسلام لها سوف يحسم القضايا المصيرية، ومن خلال التجارب التاريخية المتعددة التي شهدتها ومرت بها الصين، لوحظ أنها لم تخضع قط لأي قوة تريد عرقلة نموها وإجبارها على الاستسلام، بل حافظت على يقظتها في التعامل معها.

كيف نفهم نمو قوة الصين بشكل صحيح؟

يمكن فهم انتقال النفوذ العالمي عبر التاريخ من زاوية نظرية فخ ثوسيديديس، التي فسّرت عدة أحداث تاريخية مهمة أدت إلى انتقال النفوذ من قوة مهيمنة قائمة إلى قوة صاعدة جديدة، لكن، يجب الانتباه أيضا إلى أن نظرية فخ ثوسيديديس واحدة فقط من زوايا فهم انتقال النفوذ العالمي، ولا تمثل كل الاحتمالات، فالوضع الدولي الحالي يشهد ما لم يشهده التاريخ، ألا هو أن الصين بتعداد سكانها الضخم وثقافتها المحبة للسلام - وهذان العنصران لم يوجدا في أي حالة من حالات انتقال النفوذ العالمي السابقة – لم ولن تعتبر نفسها قوة مهيمنة مهما كانت مكانتها في الساحة الدولية سياسيا وعسكريا واقتصاديا، خلافا لكل القوى الغربية عبر التاريخ والتي كانت تسعى دائما وراء التوسع والسيطرة، لنأخذ تشن خه البحار الصيني المسلم في أسرة مينغ الملكية مثالا، كان يترأس أسطولا كمبعوث من قبل الإمبراطور الصيني، انطلق سبع مرات من سواحل الصين، ومرّ بجنوب شرقي آسيا، ليصل إلى أقصى شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر.

كان الأسطول طاقمه كبير، ومجهّزا بأحدث المعدات آنذاك، ولديه إمكانية كبيرة لقهر أي دولة مرّ بها، لكن لم يفعل ذلك، بل قام بالتبادلات التجارية كما حفز التبادلات الثقافية بين الصين وتلك الدول، لذا لم يخلف تشه خه أي إرث استعماري، وهذه التفاعلات التاريخية تختلف عما نعرف عنه في حالات الامبراطورية البرتغالية والإمبراطورية الإسبانية والإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية في العصر الحديث، فتصاحبت مع نمو هذه الإمبراطوريات النزعة الاستعمارية الواضحة بغية تحقيق مصالحها الشخصية بغض النظر عن عواقب وخيمة قد تتركها لتلك الدول المستعمَرة، والحقيقة أن كثيرا من تلك الدول المستعمَرة لم تجد لها طريقا مستقلا ونمطا صالحا للتنمية حتى الآن.

لذا يجب أن نفهم نمو قوة الصين من زاوية أخرى هي زاوية تحقيق التطور المشترك لدول العالم بناءً على تنسيق السياسات والخطوات بينها، وتحقيق الخير للجميع، لا لطرف واحد فقط، هذه النية النبيلة يصعب تفسيرها بواقعية العلاقات الدولية، التي تستمدّ من تجارب الدول الغربية السابقة فقط، وهذه التجارب تختلف عما حدث ويحدث للصين، بالرجوع إلى الثقافتين الشرقية والغربية، نجد أن بينهما فروقا كبيرة، من أهمها أن الثقافة الشرقية - بما فيه الثقافة الصينية وأيضا الثقافة العربية الإسلامية- تتميز بالدعوة إلى السلام والخير للجميع، وتعتبر أن تحقيق المصالح الشخصية على حساب مصالح عامة الناس مشين، بينما نجد أن الثقافة الغربية تدعو إلى التركيز على الذات وتحقيق الذات، حتى ولو على حساب الجميع، فهذا الفرق الثقافي الجوهري يتجلى في تعاملهما مع الغير، خلافا لما فعلت ومازالت تفعل تلك الإمبراطوريات الغربية من فرض شروط وإملاءات، سارت الصين وما تزال على نهج التفاعل في تعاملها مع الغير، إيمانا منها بأن أي أمر لا يمكن إكماله إلا بجهود مشتركة، وأي خير يُجلب للفرد ليس خيرا حقيقيا، وأي زهرة تتفتح وحدها لا تنذر بمجيء الربيع، كما يتداول على ألسنة الصينيين، إذا أمعنّا النظر في خطاب القادة الصينيين ونصوص سياسات الصين الخارجية، لوجدنا أنها مكتظة بكلمات على وزن "تفاعل" مثل التضامن والتعاون والتبادل والتشاور والتشارك وأيضا تضافر الجهود وتقاسم ثمار النجاح، بمعنى أن الصيينين يكنّون مشاعر طيبة تجاه شعوب العالم، ويفكّرون في مسألة التنمية دائما من منظور جماعي لا فردي.

مبادرة "الحزام والطريق" فرصة تنموية للجميع

هنا لابد من الإشارة إلى مبادرة "الحزام والطريق"، فمنذ طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، حظيت باستجابة واسعة من دول العالم، وتعتبر فرصة سانحة للتنمية، وفي الواقع، في إطار البناء المشترك لهذه المبادرة، حصلت تلك الدول المشاركة على نمو اقتصادي واجتماعي كبير لم تشهده من قبل، فزاد حجم التجارة بينها وبين الصين، وجدير بالذكر هنا أن الصين خصصت معرضا دوليا لتسهيل تصدير تلك الدول بضائعها إلى الصين، كما ساعدت الصين تلك الدول على بناء البنية الأساسية اللازمة للحياة والإنتاج أو ترقية القديم منها، مما أتاح إمكانية أكبر لتطور تلك الدول، هنا نتساءل، لماذا لم تقم بعض الدول الغربية بنفس الشيء خلال العقود المنصرمة، وما فعلته وما يراه العالم كله هو فقط ترويج التهديد الصيني للعالم.

هناك مثل صيني يقول: "أصدق شيء هو الفعل وليس القول"، القول لا يأتي بالخير الحقيقي، بل يأتي به الفعل، انطلاقا من المعرفة العميقة لقيمة الفعل، وفي الظروف الدولية الحالية التي يسودها نوع من التوتر جراء اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية الصينَ منافسا إستراتيجيا لها، يتعين أن تحمل الدول المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق" على محمل الجد التفكير في ما يجب فعله، وأيضا ما يجب تجنب فعله، فباليقظة والثقة والشجاعة والمثابرة تحصد ثمار التعاون، إلا فسوف تقع تلك الدول في فخ الإعلام الغربي، والأسوأ من ذلك أن تصبح أداة محضة في يد بعض الدول الغربية لردع نمو الصين، بينما تفوتها فرصة النمو، والحقيقة أن نموها أم عدم ذلك لا يهم تلك الدولَ الغربية التي تعتني بمعيشة مواطنيها فقط.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: