Close ad

بعد قرن من مؤتمر «الأربعين حرامي».. كتاب جديد يناقش سيناريوهات بريطانيا الأولية لتقسيم المنطقة

8-5-2021 | 21:35
بعد قرن من مؤتمر «الأربعين حرامي كتاب جديد يناقش سيناريوهات بريطانيا الأولية لتقسيم المنطقةغلاف كتاب القاهرة.. بعد قرن من مؤتمر الأربعين حرامي
محمود سعد دياب

صدر مؤخرًا عن دار نفرتيتي للنشر، كتاب "القاهرة.. بعد قرن من مؤتمر الأربعين حرامي" للكاتب الكردي محمد أرسلان علي، والذي يأتي بمناسبة مرور مائة عام على المؤتمر الذي انعقد بالعاصمة المصرية عام 1921 واستمر أسبوعين برئاسة وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل، وبحضور أربعين موظفًا إداريًّا وسياسيًّا وعسكريًّا من البريطانيين الذين كانوا يشغلون مناصب هامة في مختلف أرجاء الوطن العربي آنذاك.

موضوعات مقترحة

وتحدد خلال المؤتمر المستقبل السياسي لعديد من دول الشرق الأوسط كالعراق وشرق الأردن وسوريا وفلسطين وتركيا الحالية، ويعتبر من أهم المؤتمرات التي بحثت وحددت مصير العرب والأكراد والأتراك وباقي شعوب المنطقة بعد سقوط الدولة العثمانية واحتلال بريطانيا لممتلكاتها في سوريا والعراق في الحرب العالمية الأولى.

وتقول مقدمة الكتاب، إنه ربما ما نشهده في الوقت الراهن من حالة التشتت والفوضى التي تضرب المنطقة بشكل عام من مشرقها لمغربها ومن شمالها لجنوبها، يُحتم علينا التفكير ولو قليلاً للبحث في أسباب هذا الوضع الذي وصلنا له ونحن في بدايات الألفية الثالثة. ورغم التطور التقني والمعلوماتية التي نعيشها والتي نكرر فيها كثيراً أن العالم بات قرية صغيرة، إلا أن ما نعيشه يوصلنا لنتيجة مفادها أننا وحتى ضمن هذه القرية الصغيرة لا نعي ولا نُدرك ماذا يحصل ولماذا؟ فهل لهذا علاقة بمنظومتنا الفكرية والمعرفية التي نقتنع فيها بعض الأحيان بأننا نمتلك ولو اليسير القليل منها، أم أنَّ مقدار المعلومات التي تم حقنها في أدمغتنا ما هي إلا معلومات مغلوطة وليس لها أية علاقة بالحاضر الذي نعيشه ولا لها أية روابط بالماضي وبالتالي بالتاريخ.

ويقول الكتاب إن التاريخ الذي حفظناه على أنه مصدر عزتنا وقوتنا وحضارتنا التي انتشرت في أصقاع العالم، وأننا نحن الذين علَّمْنا الآخَرَ ما توصل إليه من مكتشفات يتغنى بها الآن ومن علوم ما هي إلا سرقة من تاريخنا الذي هجرناه. وأضاف أنه حينما عجزنا عن ترجمة ذاك التاريخ وما يحمله من علوم ومعرفة وعن إعطائه دفعة ليرفع المجتمعات والبشر إلى التطور، بتنا نجترّ ذاك التاريخ ونلوك به عَلَّنا نُطَمئن أنفسنا ونخرجها من دائرة التكرار والدوران حول الذات حتى أصابتنا هلوسة الغرور وجنون العودة لذلك الماضي عَلَّه يشفع لحالنا ويُخرجنا مما نحن فيه. لكن التاريخ بنفس الوقت لا يُعطي شيئاً لأحد إن هو بنفسه لم ينهض من حالة السكون والتكرار التي يعيشها وإن لم ينفض عن نفسه البؤس والقنوط والأهم مصطلح الجبرية والقدرية التي باتت جزءاً من حياتنا.

ويأتي الكتاب وفقًا لكاتبه بعد قرنٌ كامل تركناه وراءنا مليء بالمآسي والتراجيديات والأفراح والأتراح، وكل شيء فيه متشابك مُعقد وكأنه لوحة تختزل حياتنا التي لا معنى لها سوى أننا نكررها ولا نعرف لماذا. المهم أن تستمر الحياة بما تحمله لنا من مفاجآت وصدمات وكوراث وحروب، حتى اعتدنا عليها وباتت جزءاً من شخصيتنا وهويتنا المتقاتلة على أتفه وأحطّ الأشياء، بعدما غَلَّفوها بألف هالة مقدسة وقدموها لنا على أنه لا حياة من دون هذه المقدسات الإلهية أو لا كرامة للإنسان من دونها. فمن مصطلح الاستقلال والجلاء والوطن والعَلَم والنشيد الوطني والأمة الواحدة والحرية أو الاشتراكية وكذلك القائد المُلهم والزعيم الضرورة إلى الحدود المقدسة، والتي يجب ألاّ نفرط بحبة رمل وتراب فيها ولو على حساب فناء المجتمع والتضحية بالبشر. وطبعاً، العشرات من المقدسات التي ما زالت محفورة في بواطن خلجات قلوبنا والتي لم نعد نستطيع حتى مجرد التفكير من دون أن تدغدغنا تلك الكلمات. كيف يمكننا أن نصدق التاريخ وما علمونا إياه، وهاهو الحاضر يتم تزويره أمام أعيننا من قِبَل الزعماء ومؤرخي السلطة والنظم الحاكمة؟

وربط الكاتب بين المؤتمر الذي حدث قبل مائة عام والوقت الحالي، عندما قال إنه حينما ننظر إلى ما حَلَّ بنا وبالمنطقة خلال العقد الأخير وخاصة تحت ما سُمّي بثورات "الربيع العربي" والتي بدأت من تونس فمصر ومنها انتقلت إلى ليبيا ثم إلى سوريا واليمن، نرى أننا ما زلنا نعيش حالة من الانقسام الداخلي النفسي والشخصي وحتى الهوياتي قبل أن نلهث وراء التشتت والركض نحو الأقطاب الإقليمية والدولية ونستنجد بها كي تأتي وتمنحنا بعض الحرية والكرامة. نستنجد بمَن يحمل المُطية بيديه ونقول له "تعال وانحر أخي في الوطن". هنا في هذه اللحظة حينما نفكر بقتل الأخ الذي كنا نعيش معاً في نفس المنطقة، لا تبقى أية قيمة للوطن ولا لكل المقدسات التي كنا نلوكها منذ عقود من الزمن. فمنذ عقد من الزمن انهارت منظومة المقدسات كاملة ولم يعد ثمة شيء أو رمز يُلهمنا ويمنحنا الأمل كي نتكئ عليه ونصافح هذا الأخ الذي راح يبيعنا في أقرب بازار نخاسة من أجل ثروة ما أو جشع سلطة يُمَنّي بها نفسه حتى حين.

وأشار إلى أنهم أنفسهم الذين كنا نلعنهم خُفية وجهاراً على أنهم السبب في تشتتنا وتقزمنا وتفرقنا وسرقة خيرات بلادنا، نترجاهم اليوم ونركض نحوهم عَلَّهم يعطفوا علينا بأموال أو سلاح كي نتمم ما عجزوا هم عن فعله. هم أرادوا تفريقنا فقط وإضعافنا كي نكون لقمة سائغة حينما يجوعون، لكننا أصبحنا أكثر توحشاً منهم ورحنا نقتل بعضنا البعض تحت شعارات دينية وقوموية لا علاقة لنا بها. هم أي الدول الملعونة ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى نهايته لم نترك فيها خطبة جمعة إلا وكُنَّا نلعنهم ونتوسل الله أن يفرقهم ويشتت أمرهم وأن يُتَيّم أولادهم ويُرَمّل نساءهم ويرميهم في البحر.


وأكد أن كل الدول الملعونة والمعنية بتفككنا وتَرَهلنا وجهلنا والتي تَمَنّينا أن تُمحى من الوجود ما أصابها شيء. فلا بريطانيا ولا فرنسا ولا أمريكا ولا حتى إيطاليا الذين هم سبب تعاستنا وتراجعنا حَلَّ بهم أمر، بل على العكس ازدادوا تطوراً واحتراماً لشعوبهم وبات مصير معظم شعوب المنطقة بأيديهم وخاصة من الناحية التقنية والنفسية والطبية وحتى المأكل والملبس والأهم السلاح والثقافة التي غزوا بها عقولنا ومجتمعاتنا.

ولفت إلى أن أكبر داء أصاب المنطقة بعد حرب التقسيم الأولى هي انتشار أفكار فوضوية أدت لنشوء وتشكل مجتمعات شبيهة بتلك الأفكار التي لم تخرج من حالة الفوضى بالرغم من مرور قرنٍ عليها. فما زالت الفوضى تضرب المجتمعات والنظم، وما زال الطرفان يقدمان الحلول العقيمة لأنهما يعتمدون على مقاربات ليس لها علاقة بحقيقة التاريخ والثقافة والجغرافيا، بل تعتمد على الفكر الاستشراقي الغربي الذي اعتبر التفوق العرقي والديني أساسَ تشكل الدول. بهذه المقاربات التي تم نشرها في مجتمعاتنا بدأت حالة التشتت الداخلي رويدًا رويدًا في أوساط النخب المرتبطة أساسًا بالخارج وكذلك بعامّة الشعب التي كانت هي أيضًا متعطشة لأفكار جديدة تُخرجها من التبعية للخلافة العثمانية الجاثمة على المجتمعات لأكثر من أربعة قرون.

وأشار في كتابه إلى تركيا وإيران وما تفعلانه في المنطقة منذ قرونٍ من الزمن ليس خافيًا على أحد أنهما تمتلكان مشروعين سلطويين مهيمنين على المنطقة بأكملها، وإن بدا لنا أن هذين المشروعين متناقضان في الشكل والمُسمى على أنهما "شيعي- سنّي"، إلا أن المضمون لا يختلف البتة، فكلتاهما تسعى لفرض هيمنتهما على المنطقة إن كان بشكل مباشر أو عبر الأدوات التي تستثمرها بمختلف مسمياتها. لكن وفوق كل ذلك لم ندرك حتى الآن أن مَن يعتمد على الآخر فهو خاسر منذ خطوته الأولى ولن يصل لهدفه مهما ضحى أو حاول لأنه لن يتعدى تلك السمكة التي تجاهد في الشبكة فتُطبِق على ذاتها أكثر وهي لا تعلم.

ولم ينكر الكاتب دور روسيا القيصرية وفرنسا وبريطانيا العظمى ومن بعدهم أمريكا، التي حَلَّت مكانها فيما آلت إليه المنطقة من تقسيم وتشتت وفق أجنداتهم ومصالحهم منذ بداية القرن العشرين، إذ حاولت هذه الدول أن ترسم مستقبلها على حساب شعوب المنطقة وراحت تقسم الجغرافيا وفق سياسة تأجيل الحلول وتنويم الفتنة وتأليب الشعوب على بعضها بعضاً وفق مقاس كل قبيلة في البداية وكل شعب بعد ذلك وأخيراً على مقاس الأمة كاملة.

وأوضح أن هذه الدول عملت مع بعضها أحيانًا وفرادى أحيانًا أخرى وبخبث أكثر الأحيان، من أجل القضاء على ما كانت تسمى الخلافة العثمانية والتي كانت داء بكل معنى الكلمة حَطَّ على المنطقة والعالم، وأنها عملت على القضاء على هذه الخلافة وتوزيع ميراثها فيما بينها وفق انتداب مباشر أو غير مباشر. وما رافق ذلك من حروب ومعارك طاحنة والمنفذ على الأرض كانت شعوب المنطقة التي تتطلع إلى الحرية والكرامة والتخلص من الظلم والاضطهاد العثماني الذي جثم على صدورهم أكثر من أربعة قرون.

وأضاف أن القوى العُظمى آنذاك بريطانيا وفرنسا وروسيا كانت تقدم الأسلحة والمال والوعود لكل الأطراف لتزيد الصراع صراعاً فيما بين العثمانيين وشعوب المنطقة من جهة، أو ما بين شعوب المنطقة بكل إثنياتهم وطوائفهم وقومياتهم من جهة أخرى. تعطي الوعود لهذا الطرف على حساب الطرف الآخر وبنفس الوقت تتعهد لذاك الطرف على حساب الطرف الأول، وبذلك راح الكل يحارب العثمانيين وبنفس الوقت أصبح الكل يحارب الكل. إنها سياسة الإنجليز التي لا تُخطئ والذين لهم باعٌ كبير في إدارة الشعوب بعد معرفة خفاياهم وطبيعتهم وثقافتهم التي يغلب عليها الطابع القبلي والعشائري على حساب الأرض.

وتناول الكتاب الاجتماعات والمؤتمرات والوعود التي حصلت في تلك الفترة من حرب التقسيم الأولى التي يمكننا أن نطلق عليها وعلى ما حصل فيها هذا الاسم، بدلاً من أن نُطلق عليها اسم "الثورة العربية الكبرى" زوراً وبُهتاناً وكي لا نخدع أنفسنا على أقل تقدير ونضع النقاط فوق الحروف كما يُقال. ما الذي حصل؟ وكيف انخدع مَن حملوا لواء الخلاص من العثمانيين ليطردوا هذا المحتل فيستعيضوا بدلاً عنه بمحتلٍ آخر؟ ما هي المؤتمرات التي حصلت؟ وماذا دار فيها من جدال؟ وما هي القرارات التي تم اتخاذها والتي كان بموجبها تقسيم المنطقة إلى شبه دول ما زالت مستمرة حتى راهننا هشة لا حول لها ولا قوة؟

وقد بحث الكاتب في كل ذلك خاصة في بعض المؤتمرات التي كانت مفصلية في إعطاء الشكل النهائي للمنطقة وكذلك دور الأشخاص الذين كانوا وراء الستار وتركوا بصماتهم واضحة مستمرة على ما نعيشه الآن. وخاصة مؤتمر القاهرة الذي انعقد في العام 1921، ماذا كان تأثيره؟ وما الذي يمكننا قراءته من هذا المؤتمر وتأثيره على تشكيل أو وضع الحدود السياسية للعراق؟ وغيره من المؤتمرات والاجتماعات وكذلك المراسلات والوثائق الهامة التي ربما نستفيد منها ونتعظ ولو بعد قرن من الزمن.

وأجاب الكاتب على السؤال الذي يطرح نفسه، وهو: لماذا هذه العودة للوراء قرناً كاملاً؟ وماذا تُخفي تلك الفترة بين جنباتها حتى نعود لدراستها؟ موضحًا أن سبب طرح هذا السؤال هو أن ما نعيشه الآن مرتبط بشكل مباشر بما كان في ذلك الوقت وكأن التاريخ يعيد نفسه ومن نفس المنطقة وبنفس الأدوات وبنفس السياسة، مع التحديث طبعاً في الوسائل والطرق والأساليب وكذلك الأهداف.

وطرح الكاتب رسالته الأهم في الكتاب وهي أنه الآن وبعد مائة عام من ذاك المؤتمر وما تمخض عنه، يبقى السؤال المطروح؛ ما هو المطلوب مصرياً؟ وما الذي يمكن أن تلعبه مصر من أجل إصلاح ما تم تعطيبه قبل قرن على يد الإنجليز؟ وهل آن الأوان لأن تلعب مصر دورها الريادي في المنطقة وتعود كما كانت تاريخياً قوة لها وزنها ورؤيتها للمنطقة عامة؟ أم أنها ستبقى كما كان مطلوب منها تابعة للآخر أو منكفئة على نفسها؟ ويجيب الكاتب: "طبعاً، ثمة الكثير من الأسئلة التي يمكن طرحها والاستفسار عنها للتوصل لبعض الأجوبة التي ستكون المحدد لدورها في المستقبل، خاصة أنَّ المنطقة تشهد نوعاً من بوادر حرب عالمية ثالثة سيكون هدفها تغيير الكثير من الحقائق التي كنا يوماً ما نؤمن بأنها من المسلّمات".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة