التحدى الحقيقى أمام الرئيس السابق ألا يصل إلى مرحلة إشهار الإفلاس الكامل
موضوعات مقترحة
توفيق حميد: كل السيناريوهات المحتملة تؤدى إلى أحداث عنف قوية تهز البلاد وتزيد من الانقسام مع تصاعد الشعبوية
الدعاوى المرفوعة ضد دونالد تكفى لسجنه أعواماً.. وقضايا هانتر بايدن كفيلة باستقالة الرئيس المنتخب
فضيحة «مونيكا جيت» تعود للواجهة مجددًا بعد مطالب تحليل حامض ترامب النووى فى قضايا سوء السلوك الجنسى
المدعون العموم مستمرون فى تحقيقاتهم بقضايا ترامب المختلفة وأهمها التهرب الضريبى وينتظرون رفع الحصانة
سيظل 6 يناير 2021، يومًا مشهودًا فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية على مر العصور، فهو اليوم الذى سيشهد فيه التاريخ على مدى مئات السنوات المقبلة، أن رئيسا منتهية ولايته دعا لمظاهرات أمام الكونجرس لتعطيل إقرار الرئيس الجديد، وهو ما لم يحدث فى الحرب الأهلية الأمريكية التى مزقت أوصال البلاد نهاية القرن التاسع عشر، لأن الرئيس أبراهام لينكولن كان عاقلًا راغبًا فى توحيد البلاد وعدم الانقسام.
ما حدث فى السادس من يناير 2021، أثقل ما يحمله الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، من فرص لملاحقته جنائيًا بعد خروجه من البيت الأبيض فى 20 من يناير الجارى، خصوصًا أن تهم التحريض على العنف وتخريب المنشآت العامة وتعطيل الدستور، من شأنها أن تودى بالرئيس الخامس والأربعين خلف القضبان بسهولة، خصوصًا أن خصمه الرئيس المنتخب جو بايدن مصمم على النيل منه ومعاقبته على ما اقترفته يداه، وسياسته التى أدخلت البلاد لهذه المرحلة من الانقسام والاستقطاب العنيفين، للدرجة التى خلقت جبهة كبيرة معارضة له داخل الحزب الجمهورى عبر عنها الرئيس الجمهورى الأسبق جورج بوش الابن، بأن أحداث “الكابيتول” لا يمكن إلا أن تحدث فى جمهوريات “الموز” تعبيرًا عن أنها لا تحدث إلا فى دول العالم الثالث.
ففى مطلع السبعينيات من القرن الماضى، خرج الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون من البيت الأبيض مستقيلًا دون ملاحقات قضائية، على خلفية فضيحة “ووتر جيت” الشهيرة، وذلك لا لشىء إلا بناء على اتفاق مع الرئيس التالى جيرالد فورد، الذى كان يشغل منصب النائب فى إدارته والمنتمى أيضًا للحزب الجمهورى، وأيضًا لأن الأخير كان يرغب فى الحفاظ على صورة الولايات المتحدة وعدم تشويهها فى شخص نيكسون، لكن فى الوقت الحالي، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب سيواجه مصيرا أسوأ من ذلك، خصوصًا مع تحفز بايدن والديمقراطيين، فضلا عن مئات الدعاوى القضائية المرفوعة ضده، فهل سيكون السجن مصير الرئيس الحالى؟
فى واشنطن، لم يستبعد القائم بأعمال المدعى العام مايك شيروين، أن يواجه الرئيس دونالد ترامب اتهامات جنائية على خلفية اقتحام مئات من أنصاره مبنى “الكابيتول”، وفى حى مانهاتن الشهير بنيويورك؛ بدأ المدعون العامون فى التحرك وإجراء مقابلات مع العديد من موظفى بنك ترامب ووسيط التأمين أخيرا، ما أدى لتصعيد كبير لفكرة التحقيق مع الرئيس المنتهية ولايته، الذى استبق الأحداث وأصدر قرارات عفو رئاسية عن أبنائه وقيادات حملته الانتخابية وتشارلز كوشنر والد مستشاره الخاص جاريد كوشنر، زوج ابنته إيفانكا، وذلك فى ظل عدم سماح القانون له بإصدار عفو رئاسى لنفسه إلا فى حالة الجرائم الفيدرالية فقط، وليس بخصوص التحقيقات الحكومية أو المحلية.
وترددت أنباء تؤكد أنه بمجرد مغادرته منصبه فى 20 يناير الجاري، فإنه ستسقط عنه الحصانة التى توفر له حماية من أى إجراء قانونى ضده جنائياً كان أم مدنيًا، وأنه سيواجه تهديدًا محتملاً بتهم جنائية، ستكون خارج نطاق العفو الفيدرالى، حيث التقى المحققون مع الأشخاص الذين يعملون لدى المقرض، دويتشه بنك، وشركة سمسرة التأمين، أون، وتلك المؤشرات تشير للاستمرار المكثف فى ملاحقته قانونيًا.
وبرغم أنه من غير الواضح ما إذا كان مكتب المدعى العام فى مانهاتن، سايروس آر فانس جونيور، سيوجه التهم فى النهاية للرئيس أم لا، فإنه منذ أكثر من عام، سعى المدعون فى المحكمة للحصول على إقرارات ترامب الضريبية الشخصية والمتعلقة بالشركات، التى وصفوها بأنها أساسية فى تحقيقهم، والقضية الآن تقع على عاتق المحكمة العليا، حيث أصدر “فانس” مذكرات استدعاء واستجواب جديدة للشهود، بما فى ذلك البعض أمام هيئة محلفين كبرى، بما يسمح للمدعين العامين توثيق المستندات ومتابعة خيوط أخرى بدلاً من النظر فى أى تهم.
وركز التحقيق الذى أجراه فانس، المنتمى للحزب الديمقراطى المنافس، على سلوك ترامب، بصفته صاحب عمل خاص، وما إذا كان هو أو موظفوه فى شركة عائلته، قد ارتكبوا جرائم مالية أم لا، إنه التحقيق الجنائى الوحيد المعروف بشأن الرئيس، وبرغم عدم الإفصاح عن وجود شبهات تدين ترامب حتى الآن، فإن المدعين لم يكشفوا عن عناصر التحقيق وخطواته للسرية، لكنهم فى وقت سابق من 2020، أشاروا فى أوراق المحكمة إلى أنهم كانوا يفحصون احتمالات التأمين والضرائب والاحتيال المرتبط بالبنك فى تعاملات الرئيس مع الشركات.
ولأن ترامب استخدم سلطته فى أغسطس 2019، لإفشال التحقيقات، فإن المدعى العام سالف الذكر، قال فى تقرير نشرته “بى بى سى” إن “الأجواء ستتغير فور مغادرته المنصب”، حيث إن هناك سلسلة دعاوى قضائية تتراوح بين مزاعم الفساد، التى قدمها أحد أفراد عائلته للتحرش الجنسى الذى تتهمه به كاتبة مقالات صحفية، وبالتالى فإن ثمة عاصفة قانونية فى طور التشكيل، ومن بينها تبرز ست من أكبر تلك المعارك القانونية المنتظرة، وأهمها مزاعم دفع أموال مقابل السكوت، حيث تزعم كارين ماك دوغال عارضة مجلة بلاى بوى، وستورمى دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية وجود مؤامرة لإسكاتهما، وتؤكدان أنهما أقامتا علاقات جنسية مع ترامب، وحصلتا على أموال مقابل سكوتهما قبيل الانتخابات الرئاسية 2016، وحين كشفتا ما حدث فى عام 2018، كان ذلك بمثابة قنبلة سياسية وشرارة لفتح تحقيقين جنائيين، ركز التحقيق الأول على خرق القوانين الفيدرالية أو الوطنية، ودور مايكل كوهين محامى ترامب السابق والذى قام بمهمة “الوسيط”، الذى أقر بدفع أموال لامرأتين خلال التحقيقات، ما اعتبرته المحكمة انتهاكًا وحُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات عام 2018، وبرغم زعمه أن ترامب “أمره” بدفع تلك الأموال، لكن لم يتم توجيه أى اتهامات للرئيس، نظرًا لأنه لكى يتم توجيه اتهام له، كان يتعين على المدعين إثبات أنه أمر كوهين بالفعل بدفع تلك الأموال، وحتى إن كانت هناك أدلة كافية، يُعد توجيه اتهامات جنائية فيدرالية لرئيس أثناء توليه المنصب مخالفًا لسياسة الحكومة الأمريكية، وهى القضية التى لا تزال مفتوحة تحقيقاتها حتى الآن، ولكن تبرز صعوبات أمام المدعى العام، أهمها أن هناك حدا زمنيا مدته عامين لتوجيه اتهامات جنائية بارتكاب جنحة فى نيويورك، وهى الجنحة التى تصل عقوبتها للحبس عاماً، ومع ذلك تبقى هناك احتمالات أخرى، ففى نيويورك يمكن اعتبار تزوير السجلات التجارية، بمثابة جناية فى حال وقوعه بغرض التستر على جرائم أخرى كالتهرب الضريبي، والجنايات هى جرائم أكثر خطورة يمكن ملاحقتها لفترة أطول، ويُعاقب عليها بأحكام سجن أشد.
وبالإضافة لتلك القضية تأتى القضية الثانية، وهى تحقيق التهرب الضريبى والاحتيال المصرفى، وبعد مماطلة عام من ترامب وصلت أخيرًا لحوزة المدعى العام، الذى قال عنها أمام المحكمة فى أغسطس الماضي، إن هناك “تقارير عامة عن سلوك إجرامى محتمل واسع النطاق وطويل الأمد فى مؤسسة ترامب، بما فى ذلك ادعاءات احتيال تأمينى ومصرفى.
وفى نيويورك أيضًا، صارت مدعية نيويورك ليتيتيا جيمس شوكة أخرى فى خاصرة ترامب، حيث تحقق فى قضية أخرى هى “الاحتيال العقاري” المحتمل أن تكون شركته قد ارتكبته، التى تعود جذورها للشهادة التى أدلى بها محامى ترامب كوهين أمام الكونجرس فى فبراير 2019، بأن ترامب قام بتضخيم قيمة أصول ممتلكاته لتأمين قروض، وقلل من قيمتها لتخفيض ضرائبه، وهى الشهادة التى منحت أسبابًا للمدعية العامة كى تطلب الاطلاع على معلومات بشأن إمبراطورية ترامب العقارية، وهى الإجراءات التى واجهها ترامب بأنه مشغول فى شئون الحكم وغير متفرغ للدعاوى القانونية، ويتفق القانونيون على أن "معظم المحاكم تتسامح للغاية مع الرئيس فى أمور مثل جدول الأعمال.. لكن الأمر ليس كذلك مع المواطن العادى"، فى إشارة لمرحلة ما بعد 20 يناير.
كما تبرز أيضًا قضايا “الهبات والهدايا”، حيث إن ترامب متهم بمخالفة القواعد التى تمنع تلقى الهدايا والهبات خلال فترة رئاسته، وهى القواعد المعروفة باسم “شروط الهبات”، والمنصوص عليها بالدستور الأمريكى، وتلزم كل المسئولين الفيدراليين بمن فيهم الرئيس، بطلب موافقة الكونجرس قبل قبول أى مزايا من دول أجنبية، وهى الموافقة التى لم يحصل عليها ترامب، وتتهمه إحدى القضايا باستضافة مسئولين أجانب داخل فندق ترامب الدولى بالعاصمة الأمريكية واشنطن باعتباره خرقًا محتملا، لكن خبراء قانونيين قللوا من تلك الدعاوى ورجحوا رفضها وإسقاطها.
وكما واجه الرئيس الأسبق بيل كلينتون فضيحة جنسية، مع المتدربة بالبيت الأبيض مونيكا لوينسكى، يبدو أن ترامب سيواجه المصير نفسه فى دعاوى سوء السلوك الجنسى العديدة التى حُركت ضده، خصوصًا كاتبة المقالات “إى جين كارول” التى تتهم ترامب باغتصابها داخل غرفة لخلع الملابس بمتجر فاخر بحى مانهاتن خلال تسعينيات القرن الماضى، وبعدما نفى ترامب بدوره تلك الاتهامات وتقدم بطعن فى دعوى التشهير، قالت إنه شوه سمعتها بقوله إنه لم يقم باغتصابها، لأنها “ليست من النوع المفضل لديه”، وتسعى الدعوى إلى الحصول على تعويضات لم يتم تحديدها، فضلاً عن تراجع ترامب عن تصريحاته.
وكما تم إثبات وجود علاقة جنسية بين كلينتون ومونيكا من خلال تحليل الحامض النووى، فإن الأمر سيتطلب تحليل الحامض النووى للرئيس ترامب والموجود على الفستان، الذى تدعى كارول أن واقعة الاغتصاب تمت وهى ترتديه، وهى القضية التى كانت تسير بشكل طبيعى تصعيدى ضد ترامب لولا تدخل وزارة العدل فى سبتمبر الماضى فى محاولة وضع صورة الولايات المتحدة مكان الرئيس مطالبة بوقف تداول القضية، ما لاقى اعتراضات من قضاة فيدراليين نفوا وجود علاقة بين القضية ومنصب الرئيس.
وهناك أيضًا دعوى مشابهة لكنها منفصلة تقدمت بها سَمر زيرفوس، وهى متنافسة سابقة فى برنامج ترامب التليفزيونى “المتدرب”، وربما تأخذ نفس منحى الدعوى السابقة، حيث تزعم زيرفوس أن ترامب اعتدى عليها جنسيًا خلال اجتماع لمناقشة فرص للعمل فى فندق بيفرلى هيلز عام 2007، وقد حاول ترامب إسقاط الدعوى خلال فترة رئاسته، وقال محاموه إن الرئيس يجب أن يكون محصنًا من الدعاوى القضائية بمحاكم الولايات، وهى الحجة التى يقول قانونيون إنها ستنتهى بعد 20 يناير.
ويتبقى دعاوى مارى ترامب، ابنة شقيقته المتوفى عام 1981، ضمن أكبر القضايا التى تهدد الرئيس المنتهية ولايته بعدما يخرج من البيت الأبيض، حيث تتهم مارى عمها الأصغر دونالد واثنين من إخوته بخداعها فيما يخص إرث والدها، والضغط عليها للتخلى عن نصيبها فى شركات العائلة، وذلك فى كتابها الذى أثار ضجة كبيرة، والدعوى التى حركتها وبدأتها بجملة “الاحتيال ليس مسألة عائلية إنما هو أسلوب حياة”، وتصف عمها أنه “نرجسيًا” يهدد حياة كل أمريكى.
وكانت مارى ترامب قد ورثت أسهمًا بشركة العائلة، حين توفى والدها فريد ترامب جونيور الشقيق الأكبر للرئيس عام 1981 عن عمر 42 عاما، وكان عمرها حينها ستة عشر عاما، وتقول الدعوى: إن ترامب واثنين من إخوته “تعهدوا بحراسة” أسهم مارى ترامب، لكنهم كذبوا، وبدلاً من حماية مصالح ماري، صمموا ونفذوا مخططًا معقدًا لاختلاس الأموال من أسهمها وإخفاء احتيالهم، وخداعها بشأن القيمة الحقيقية لميراثها”، وتسعى الدعوى للحصول على تعويضات لا تقل عن 500 ألف دولار، وفى السابق كان يرفض ترامب طلب المثول للشهادة بحجة الانشغال بالمهام الرئاسية، وهى الحجة التى ستنتهى بنهاية الشهر أيضًا، فوفقًا لقانونيون فإنه “لا يوجد مواطن أمريكى ولا حتى الرئيس فوق القانون”.
بول سالم، رئيس معهد الشرق الأوسط بواشنطن، يرى أنه برغم أن سياسة ترامب وأحداث “الكابيتول” فإنه لا يزال لديه فرص قوية للترشح فى انتخابات 2024، برغم أن سياسته خلقت شرخًا كبيرًا فى المجتمع الأمريكى وانقسامات حتى داخل الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه، كما خسر شريحة أخرى ممن صوتوا له ضد بايدن بعد تلك الأحداث الأخيرة، وتسبب فى هزة لدى الناخبين الأمريكان فى النظام الديمقراطى الأمريكى بادعاء أنها ديمقراطية مزيفة على خلفية اتهاماته للانتخابات بأنها مزورة، مشيرًا إلى أن تشجيعه أنصاره على مهاجمة مبنى “الكابيتول” هى الأسوأ منذ الحرب الأهلية، حيث ظهر أنه يقف ضد النظام الديمقراطي، كما وقف ضد العلم وتعاطيه السلبى مع جائحة كورونا، ما جعله يصبح الرئيس الأسوأ بلا منافس للولايات المتحدة على مر التاريخ.
وأضاف بول سالم، أنه من الطبيعى ألا يحضر ترامب حفل التنصيب، لأن عقليته الطفولية ونفسيته التى ترفض الهزيمة لن تسمحا له بمشاهدة المنتصر عليه، لأنه لا يقبل إلا أن يكون المكان الرابح، مؤكدًا أنه يواجه عدة قضايا ليس فقط ما حدث أخيرا، مثل قضية تحريضه وزير الدولة بولاية جورجيا على قلب نتيجة الانتخابات لصالحه، ولن ينفعه إصداره عفوًا رئاسيًا بحق نفسه إلا فى القضايا الفيدرالية فقط، وليس القضايا التى تمس الشعب مثل التهرب الضريبى والاعتداء على الدستور وعدم احترام النظام الديمقراطى، معتقدًا أن التحدى الأساسى أمام ترامب السنوات المقبلة، هو أن يظل خارج السجن أولا كى يستطيع الترشح للانتخابات المقبلة، وثانيًا ألا يصل لمرحلة إشهار الإفلاس الكامل، خصوصًا أنه يعانى مشاكل مالية كبيرة، إن لم يواجه قرارًا من الكونجرس بالعزل من منصبه بعد أحداث “الكابيتول”.
وأشار إلى أن بايدن لن يلتفت لترامب أو عائلته، وسيتركهم للقضاء الذى سيلاحقهم قضائيًا، وسيعمل على تغيير المسار الذى اتخذه سلفه، ويدير منظومة العمل بسرعة للتعاطى مع التحديات الداخلية والخارجية، مؤكدًا أن الجناح اليسارى بالحزب الديمقراطى له مواقف إيجابية لصالح القضية الفلسطينية وهو أمر إيجابي، كما أن بايدن ينتوى إعادة العلاقات مع الفلسطينيين، ودفع المفاوضات مرة أخرى مع الإسرائيليين استنادًا إلى مبدأ حل الدولتين.
أما المحلل والكاتب السياسى توفيق حميد، فيرى أن الفترة المقبلة سوف تشهد انفصال الناخبين الأمريكان ممن أيدوا ترامب وصوتوا له عن المجتمع الأمريكي، وسيعيشون فى شبكات ودوائر خاصة بهم، ومنهم من سيلجأ للعنف كوسيلة للانتقام من الجمهوريين الذين خذلوا ترامب فى اللحظات الأخيرة، فهناك من يستعمل القنابل كما رأينا، وهناك من يجيد استخدام الأسلحة النارية بمختلف أنواعها، وقد نرى عمليات إرهابية لن تأخذ الصبغة الرسمية لأتباع ترامب، لكن التيار الشعبوى المناهض للملونين والمؤيد للبيض الكاثوليك.
وتوقع أن يتحقق سيناريو آخر، هو تدشين حركة سياسية باسم “أمريكا أولًا”، ما سيؤدى لانقسام كبير بالحزب الجمهورى، وسيتراجع توجه الناخبين إليهم، وأنه إذا حاول الجمهوريون العمل ضد ترامب والتصعيد واستهدافه، سيتلقون متاعب كبيرة ويُستهدفون من أنصاره بالولايات المختلفة، مؤكدًا أن الرئيس الحالى ظاهرة قوامها 75 مليون شخص لديهم نفس قناعاته، ومعجبون بقرارته التى كانت فى صالح المواطن الأمريكي، مثل تخفيض أسعار الأدوية وسحب القوات الأمريكية من العراق وسوريا وأفغانستان، لتقليل الإنفاق على الحروب الخارجية التى لا تعود بنفع على المواطن، وحاول تخصيص 2000 دولار لكل أمريكى، لولا وضع الكونجرس معوقات للحيلولة دون ذلك، وحماية المجتمع من مقاضاته بسبب آرائه على وسائل التواصل الاجتماعى.
كما توقع توفيق حميد، أن يواصل أنصار ترامب التصعيد بالامتناع عن دفع الضرائب الفيدرالية، ورفض توجه بايدن والديمقراطيون بالاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة وترك مصادر الطاقة التقليدية، وأن هناك بعض الولايات مثل تكساس تفكر فى الانفصال، ودستوريا من الممكن التنفيذ.
فيما يقول المحلل السياسى الدكتور ماك شرقاوي، إن أحدًا لا يمكنه دخول عقل ترامب وتوقع تصرفاته وردود أفعاله، مؤكدًا أن يوم الأربعاء السادس من يناير كان “يومًا أسود على الديمقراطية الأمريكية”، مضيفًا أنه من الصعب التكهن بمستقبل الأحداث هل سيستمر العنف أم تحدث تهدئة؟ هل نشهد ردودا أكثر انفعالية من ترامب؟ خصوصًا أنه سيظل الرئيس حتى ظهر يوم 20 يناير، وشخصيته تنم عن أنه لا يستسلم بسهولة.
وأضاف شرقاوى، أن تحريض ترامب الواضح والصريح لأنصاره، سيظل نقطة سوداء فى تاريخه وتاريخ الديمقراطية الأمريكية، ويمكن أن تؤثر عليه فى المستقبل لو تم اتخاذ إجراءات من وزارة العدل الأمريكية أو عقاب سياسى من خلال الكونجرس، خصوصًا أن رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى تدفع لعزل الرئيس، من خلال تفعيل التعديل 25 للدستور الأمريكى، وفقا للفقرة الرابعة من هذا التعديل، وهى إذا طلب نائب الرئيس، مايك بنس، مع أغلبية الحكومة طلبا مكتوبا للكونجرس بإعفاء الرئيس من مهامه لعيب ما فى صحته، أو عدم قدرته العقلية لإدارة البلاد، فورا يتم “تحليف” النائب رئيسا للولايات المتحدة بالإنابة، وهو ما يصعب من حدوث ذلك، خصوصًا أن بنس لن يقدم على هكذا خطوة، وخرج لكى ينفى ذلك بشكل رسمى، لكن يبقى احتمال آخر وهو أن توافق أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ على عزله، ويتم عقد محاكمة له أمام المجلس، وبالتالى يتم عزله، حتى لو تم ذلك بعد انتهاء ولايته، وهو أمر خطير يؤثر مباشرة سلبًا على ترامب ويمنعه من تولى أى منصب فيدرالى مستقبلًا مدى الحياة، وهو احتمال خطير أيضًا قد يكون له رد فعل عنيف من أنصار ترامب، وتدخل البلاد فى حالة حرب أهلية حقيقية.
أما الدكتور إدموند غريب، أستاذ الجامعة الأمريكية والمتخصص فى السياسة الأمريكية وشئون الشرق الأوسط، فيقول لـ«الأهرام العربى»: إن البعض يظن خطا أن تحريك الرئيس ترامب دعاوى قضائية، والاتهامات التى يوزعها بتزوير الانتخابات، سوف تعصمه من أن تتم مقاضاته مستقبلًا، خصوصًا القضايا المتعلقة بالتهرب الضريبى والتدخل الروسى فى الانتخابات، مضيفًا أن ترامب يستعد لذلك من الآن بإثارة الحديث عن هانتر بايدن نجل الرئيس المنتخب، وبدأ الجمهوريون يحركون دعاوى تتهمه بتلقى أموال من الصين خلال فترة وجود والده بمنصب نائب الرئيس فى إدارة أوباما، وعلاقته بشركة أوكرانية متخصصة فى الطاقة، وتقاضيه مبالغ مالية أيضًا برغم عدم وجود خبرة له بالطاقة أو خلفية عنها.
وأضاف أن ترامب سيطر على الحزب الجمهورى بالفعل، بسبب النبرة الشعبوية التى يتبناها، متوقعًا أن تحركاته الأخيرة تستهدف الإبقاء على شعبيته كما هى، حتى موعد الانتخابات المقبلة 2024، فى حين أن الأصوات المعارضة له داخل الحزب أقلية.
فى حين يتوقع الدكتور حنا حنانيا، مدير المجلس الأمريكى ـ الفلسطينى، “خروجا آمنا” لترامب من البيت الأبيض دون حدوث تفاهمات “غير معلنة” مع الإدارة الجديدة بقيادة جو بايدن، متوقعًا أن تكون هناك ضجة إعلامية مصاحبة لذلك قد تصل إلى مظاهرات بالشارع، وأن ترامب سيسعى للفوز بأغلبية فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس بعد عامين، بوصفه زعيم الحزب الجمهورى حاليًا، لكى يشكل ورقة ضغط على إدارة بايدن تعرقل القرارات التى يسعى لاتخاذها.
فى حين يؤكد الدكتور أشرف الأنصارى، عضو التحالف الشرق أوسطى الأمريكى، أن لقاءً جمع بين ترامب ونانسى بيلوسى، رئيس مجلس النواب، وتم الاتفاق على عدم التطرق للقضايا المرفوعة ضد الرئيس، مقابل التغاضى عن القضايا المرفوعة ضد هانتر بايدن بخصوص الصين وأوكرانيا، فضلا عن حصول الجمهوريين من “أعداء ترامب” على حصة من المناصب بالإدارة الجديدة، متوقعًا بأن يتدخل بايدن وينقذ ترامب من الحبس بموجب هذا الاتفاق، وذلك فى حالة تصميم المحكمة العليا والمدعين العموم على المضى قدمًا فى تلك القضايا.
وختم حديثه قائلا: «بايدن لن يستقيل بسبب قضايا نجله، وترامب لن يدخل السجن، والثمانى سنوات المقبلة ستكون للديمقراطيين، فهم سيحكمون البيت الأبيض وأيضًا الكونجرس، وبالتالى هم المسيطرون على السياسة الخارجية للولايات المتحدة».