Close ad

الملونون يحكمون أمريكا.. الولايات المتحدة فى مفترق طرق والسنـوات المقبلة حاسمة فى تحديد الهوية

10-12-2020 | 20:38
الملونون يحكمون أمريكا الولايات المتحدة فى مفترق طرق والسنـوات المقبلة حاسمة فى تحديد الهويةالبيت الأبيض الأمريكي
رسالة واشنطن - سحر زهران- الأهرام العربي
الأهرام العربي نقلاً عن

تراجع هجرة البيض من بريطانيا وغيرها من دول أوروبا منذ الخمسينيات والستينيات

موضوعات مقترحة
زيادة كبيرة فى عدد الآسيويين والأفارقة والملونين خلال العقدين الأخيرين
أوباما وكولن باول وكونداليزا رايس وكامالا هاريس أبرز الملونين الذين وصلوا لمراكز قيادية
إتقان المهاجرين من أمريكا اللاتينية للغة الإسبانية بجانب الإنجليزية يسهم فى صعود الملونين
الإقبال الكبير على انتخابات 2020 يؤكد رغبة جميع الأطراف على إثبات الذات

كونداليزا رايس وكولن باول، ثم باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة، وأخيرًا كامالا هاريس، نائب الرئيس الجديد، تصاعد متسارع شهدته الأوساط السياسية الأمريكية للملونين من أصول لاتينية وإفريقية وآسيوية، بدءًا من مجالس الولايات وصولا للبيت الأبيض، مرورًا بغرفتى الكونجرس، منذ توقيع الرئيس أبراهام لينكولن اتفاق إنهاء العبودية وتفعيل دستور الآباء المؤسسين، مرورًا بثورة مارتن لوثر كينج منتصف الستينيات، وحتى إلغاء بعض القوانين التى تعطل ممارستهم لحقوقهم السياسية فى عهد أوباما.

وسط دراسات تؤكد أن أغلبية السكان ستكون من الملونين على حساب العرق الأبيض الأوروبى الساكسونى، يرشح كثيرون كامالا هاريس، نائب الرئيس فى إدارة جو بايدن ذات الأصول الهندية، ثانى مسئول كبير بالبيت الأبيض من غير البشرة البيضاء بعد أوباما ذى الأصول الكينية، أن تتولى سدة الحكم لأول مرة فى التاريخ، فبعد حلف اليمين 20 يناير المقبل، سيكون الرئيس الجديد قد أتم 78 سنة، بما يعنى أنه بوصوله للثمانين فى منتصف فترته الرئاسية، فقد لا يتمكن من استكمالها ويعتذر لأسباب صحية، مثلما حدث مع الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1944، عندما تعرض لأزمة صحية أفضت إلى وفاته بعد أيام من انتخابه، وذهب المقعد البيضاوى لنائبه هارى ترومان، الرجل الذى ضغط على الزر النووى فى هيروشيما ونجازاكى باليابان، منهيًا الحرب العالمية الثانية، ويؤيد فكرة تصعيد هاريس أن بايدن سبق أن أجرى عملية جراحية فى المخ عام 1998 تسببت فى إصابته بحالة دائمة من عدم التركيز، ودخوله فى غفوة من النوم أثناء الاجتماعات الرسمية، فضلا عن أن الواقعة الأخيرة التى تعرضت قدمه فيها لكسر، وهو يلعب مع الكلب الخاص به تشكك فى قدرة الرجل العجوز على الاستمرار رئيسًا دون مشاكل صحية.

وتقول الدراسات إن الولايات المتحدة بسيطرة الملونين قد يؤدى ذلك لحرب أهلية جديدة، خصوصًا من المنظمات المسلحة مثل كو كلوكس كلان المتعصبة للعرق الأبيض، ومن ناحية أخرى ستفقد البلاد هويتها التاريخية، لاسيما وأن اللاتينيين من الجاليات التى لا تندمج، بل تبنى كيانات خاصة بها ثقافيا وإعلاميا واجتماعيا، وينبه مفكرون إلى هذا الخطر بحكم أن الكثير من الوظائف فى الولايات المتحدة تتطلب ثنائية اللغة الإنجليزية والإسبانية، مما يجعل الأمريكى اللاتينى يحظى بفرصة العمل، ويتسلق اجتماعيا مقابل تراجع الأمريكى الأنجلوسكسونى، الذى يتحدث لغة واحدة، ويؤكدون أنه فى الوقت الذى تحافظ فيه الصين، المنافس الحالى والمستقبلى لواشنطن على زعامة العالم، على وحدتها الاجتماعية والإثنية، لا يحدث هذا فى الولايات المتحدة التى تتفكك اجتماعيا.

الدراسات تذهب لأبعد من ذلك عندما تشير للمخاوف من مشكلات، قد يتسبب فيها ذوو العرق اللاتينى مستقبلًا، فمعظمهم جالية لاتينية تتحدر من المكسيك، بما يعنى أنهم لو سيطروا على البلاد فقد يعيدون الأجزاء التى احتلتها الولايات المتحدة إبان القرن التاسع عشر من الشمال المكسيكى، وهى مناطق الجنوب الغربى الأمريكى مثل كاليفورنيا التى يعتبرونها أراضى مكسيكية لابد أن تعود، ما يشكل خطرًا على وحدة البلاد مستقبلا.

وبرغم أن العنصر الأنجلوساكسونى الأبيض فرض لغته بحكم الأسبقية، فإن الإحصائيات تكشف عن انخفاض عدد المواليد البيض مقابل الملونين أخيرا، فضلا عن أنه منذ الخمسينيات بدأت نسبة المهاجرين الأوروبيين البيض تتراجع، لصالح المهاجرين من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وفى الثمانينيات أشارت الإحصائيات إلى أن 25% فقط من المواليد الجدد، يعودون لأصول بريطانية بروتستانتية (العرق المؤسس)، وأنه فى ظل ارتفاع معدل التناسل والهجرة للأعراق السمراء، يتوقع تحول البيض لأقلية بحلول عام 2050.

لكن هل ستؤدى سيطرة الملونين إلى إيقاف التمييز العنصرى؟.. سؤال مهم حاولت دراسة أعدها الباحث منير العكش فى دراسة له بعنوان «أمريكا والكنعانيون الحمر» الإجابة عنه، خصوصًا أن أحداث العنف الأخيرة التى أعقبت مقتل الأمريكى ذى الأصول الإفريقية جورج فلويد، أعادت للواجهة تاريخ التمييز العنصرى بالولايات المتحدة، والذى بدأ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، وكان أول ضحاياه السكان الأصليين لها وهم الهنود الحمر، حيث يذهب أنه مورس ضدهم من العرق الأبيض أبشع صور القتل والإقصاء والاستغلال، مشيرًا إلى أن «المستعمرين البيض قضوا على أكثر من مائة مليون هندى أحمر من سكان أمريكا الأصليين»، وأن سياسة التطهير العرقى تلك استمرت حتى الآن، لكنها انتقلت من الشكل الحكومى الرسمى حتى تولت مهمته ميليشيات مسلحة تدافع عن الفكرة، وتنفذ عمليات قتل ممنهجة بتأييد حكومى خفي، ولعل اعتراف قاتل مارتن لوثر كنج عام 1968، يكشف عن أن تصفية الرجل الذى حرك المظاهرات السلمية لوقف سياسة التمييز العنصرى ضد السود، كانت خطة حكومية شارك فيها كل رجال البيت الأبيض والأجهزة الأمنية.

سياسة الاضطهاد العرقى، لم تقتصر على التصفية الجسدية والقتل، سواء من الميليشيات المسلحة أم التعامل العنيف من الشرطة الفيدرالية، لكن أيضًا امتد إلى قيام مؤسسة روكفلر الطبية بسياسة «تعقيم» ضد أصحاب البشرة الملونة، وبدأت فى المستعمرة الأمريكية بورتريكو، وهى أربع جزر بالبحر الكاريبى، بمنح السيدات عقاقير وإجراء عمليات جراحية تجعلهن عاقرات، وهى سياسة تحولت إلى توجه خفى للدولة بأمر الرئيس جيرالد فورد فى سبعينيات القرن الماضى لتعقيم سيدات الملونين داخل أمريكا، أيضًا فى 13 دولة من دول العالم الثالث، وذلك وفقًا لكتاب «أمريكا والإبادات الجنسية،400 سنة من الحروب على الفقراء والمستضعفين» للكاتب منير العكش.

ويذهب العكش إلى أن «عملية قطع النسل بدأت قبل عهد هنرى كيسنجر ولم تتوقف، بل بلغت أوج سعيرها فى عهد الرئيس الملون باراك أوباما!»، لافتًا النظر أنها وجه آخر لثقافة الإبادات التى عاشت عليها فكرة أمريكا المستمدة من فكرة إسرائيل التاريخية، فهم يعاملون الشعوب الأخرى وفق ما نسجه العبرانيون من أساطير عن الكنعانيين، ويعرضون عن أى مواثيق إنسانية، أو قوانين أخلاقية، أو مبادئ عقلية، لأن الشعوب المنحطة أقل من أن تُعامل بها كما وقر فى ثقافة البيض الاستعلائية.

عالم الاجتماع الأمريكى هربرت جانس، يذهب فى كتابه «الحرب على الفقر»، إلى أن انتصار الجشع فى جمع الثروة أدى لمنع مئات الآلاف من الأمريكان الملونين بالعقود الستة الأولى من القرن العشرين من الإنجاب قسرًا وكرهًا، بسبب فقرهم أو أصولهم العرقية، وكان الهدف العاجل تعقيم أربعة عشر مليون فقير مستضعف، يعرفون بالمعشار الدنيّ من المجتمع الأمريكى، وذلك بقطع النسل، والحرمان من الزواج، والحجر فى المصحات العقلية، وأن البيض لم يندموا على جريمتهم المترافقة مع تاريخهم الدموى، بل أوجدوا لها المسوغات العرقية، والاقتصادية، والاجتماعية.

وتكشف تلك الحقائق، ما هى مقبلة عليه الولايات المتحدة من تفكك وترهل وفوضى متوقعة، فى سيناريو مشابه لما حدث فى الاتحاد السوفيتى بأواخر عهده، خصوصًا أن ترامب الذى رفع شعار «أمريكا أولا» كان يقصد للبيض فقط، بدليل رفضه صراحة أن يدين الرأى الذى يقول بتفوق العنصر الأبيض على الأسود، وهو بهذا الرفض شرعن، دونما مواربة، السلوك العنصرى وعزّز الاحتراب الإثنى، فضلا عن أن سياسته عمومًا كانت عنيفة ضد الملونين، بدءًا من إعلان رغبته فى بناء سور على الحدود مع المكسيك لإيقاف الهجرة غير الشرعية، مرورًا بأزمته مع إلهان عمر ذات الأصول الصومالية، نهاية بقراره إلغاء قانون «الحالمين» الخاص بالهجرة، الذى صدر فى عهد سلفه باراك أوباما، وهو القرار الذى رفضته المحكمة الأمريكية العليا بوصفه غير قانونى، ولو تم تنفيذه فكان سيمنح الإدارة الأمريكية الحق فى ترحيل مئات الآلاف من المهاجرين الذين دخلوا البلاد وهم أطفال بشكل غير قانونى، وذلك باعتبار أنهم «أعباء على المجتمع»، مع منعهم من حق الحصول على الإقامة الدائمة والجنسية، أو تلقى معونات حكومية كالمساعدات الغذائية والرعاية الصحية والسكن وسواها من الخدمات الاجتماعية، وهى المعونات التى كانوا يعتمدون عليها بشكل كبير فى ظل تدنى أجور معظمهم خصوصًا اللاتينيين.

كما أن أوباما «الملون» لم ينقذ «الملونين» من الاضطهاد وقتما كان رئيسًا، فبخلاف عدم إيقافه سياسة التعقيم تلك، لم يقف للحيلولة دون سياسة تطهير العاصمة واشنطن من بنى جلدته من السود لحساب ذوى الأصول الأوروبية، فقد استغلت الحكومة ظروف الأزمة المالية العالمية 2008 وما بعدها، فى تكبيد ذوى الأصول الإفريقية واللاتينية خسائر كبيرة، وبسبب التفاوت الهائل فى الأجور الذى يصل إلى الضعف، ووفق معهد إيربن، فإنّ ممتلكات البيض العقارية كانت تمتلك مستويات ربحية أكبر بأربع مرّات قياسا بغير البيض، فلقد فقدت العقارات العائدة إلى السود أو غيرهم من الملوّنين، إبان أزمة الرهن العقارى نسبة تتراوح بين 31 و44% من أرباحها بين سنتى 2007 و2010، أمّا الخسائر التى تحملتها الأسر البيضاء، فلا تتجاوز نسبة 11%، ما يدل على عدم عدالة لدى الحكومة التى لم تتدخل لإيقاف هذا الظلم، ودعم تلك الفئات التى وجدت نفسها تضطر للخروج من العاصمة نهائيًا، وزادت نسبة البيض من قاطنيها بما يزيد على 25%، وهى سياسة ممنهجة، كانت تستهدف خلع لقب «ولاية كولومبيا» التى تُطلق على واشنطن بسبب سيادة الملونين فيها، ولعل ذلك كان سببًا فى حرمان سكان العاصمة من التصويت فى الكونجرس.

وبخلاف سياسة التعقيم سالفة الذكر التى مورست ضد سكان الأقاليم التى احتلتها الولايات المتحدة فى نهاية القرن التاسع عشر بأعالى البحار، وتحديدًا بالبحر الكاريبى مثل بورتريكو وجوام وجزر فيرجن وجزر ماريانا الشمالية وساموا، فإن سكانها يصل عددهم إلى نحو 3.4 مليون مواطن، حاملين للجنسية الأمريكية، لكنهم لا يزالون ممنوعين من التصويت بالانتخابات حتى يومنا هذا!.

وبحسب الباحثة فى مجال الحقوق المدنية أبريل كاسترو، فإن «قوانين حرمان التصويت هى نتيجة فشل المشرعين فى اقتلاع العنصرية الهيكلية الراسخة بشكل كامل، والمواطنون الذين لديهم جناية سابقة ويقيمون فى واشنطن العاصمة أو الأقاليم ليسوا أقل أمريكية من غيرهم، لكن نتيجة للسياسات التمييزية، فليست لديهم إمكانية اختيار مرشحين من ذوى القيم المشتركة والتعايش، وبالتالى فإن هؤلاء الأمريكيين غير البيض فى الغالب، يستمرون فى تحمل الإقصاء والتمييز والاستغلال بعد أكثر من 150 عامًا من إلغاء الرق».
لا تقتصر المنهجية العنصرية على حق التصويت فقط، إنما تشمل نواحى أخرى منها إمكانية الحصول على عقار، تاريخيًا، تم بناء المدن الأمريكية بناءً على تفوق العرق الأبيض، مع توقيع الرئيس الأمريكى أندرو جاكسون قانون «الإزالة الهندى» عام 1830، الذى سمح بنقل الهنود الأصليين جنوب شرق البلاد لفسح المجال أمام البيض، وقبل حلول القرن العشرين، أصدرت الحكومة قرارًا باستيلاء الحكومة على أراضى القبائل، وتوزيع 90 مليون فدان للسكان البيض، فيما يعرف بقانون «داوس».

وبالنسبة لمجتمعات السود، تركت سياسات استهدافهم أثرًا عميقًا فى عدم الاستقرار وانتشار الجريمة فى أوساطهم، وعن ذلك يقول الباحث كونور ماكسويل، عضو اتحاد الحريات المدنية، إنه «غالبًا ما يتم سن سياسات اضطهاد السود تحت ستار إنشاء أماكن عامة جديدة أو إعادة التخطيط الحضرى أو تعزيز التنمية الاقتصادية، لكن مع مرور الوقت، جردت هذه السياسات المجتمعات السوداء من الثروة والاستقرار المالى الموجود فى ملكية العقارات والسكن الإيجارى ميسور التكلفة، على سبيل المثال، فى أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر، استخدم المشرعون فى مدينة نيويورك، منهجية بارزة لتدمير مجتمع أسود مزدهر فى مانهاتن، مما أدى إلى تشريد آلاف السكان من أجل إنشاء ساحة عامة تعرف اليوم باسم سنترال بارك».
وربما ليس ببعيد عن تلك الفترة ما حدث فى الثلاثينيات، عندما بدأت سياسة تخطيط عمرانى جديد فى عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، لكن الغريب أن التخطيط تم بناءً على التقسميات العرقية للأحياء، حيث وزعت مؤسسة قروض مالكى المنازل «HOLC» الرهون العقارية، وفق معايير اعتمدت استثناء المناطق السوداء باعتبارها مناطق خطيرة.

فيما يقول الكاتب ريتشارد روثستين فى كتاب «لون القانون: كيف قسمت الحكومة أمريكا عرقيًا»، إنه «بسبب ما يعرف قانونًا بـ»readlining» أو تحديد المناطق الخطرة، حصل السود على 2% فقط من القروض العقارية بين عامى 1934 و1962 التى بلغت قيمتها 120 مليار دولار، (ما يعادل اليوم تريليون دولار تقريبًا)، وحتى اليوم، لا تزال 75% من المناطق التى تعتبرها المؤسسة خطرة وغير مشمولة بالقروض من مناطق السود».
بول سالم رئيس معهد الشرق الأوسط بواشنطن، يرى أن الصراع العرقى بالولايات المتحدة، قديم قدم وجود المستكشفين البيض منذ خمسة قرون، ذلك الصراع الذى بلغ أوجه وقت الحرب الأهلية عام 1860، واستمر حتى بعد إلغاء نظام العبودية، وتوافد أبناء العرق اللاتينى بكثافة خلال سنوات القرن العشرين، ما دعا إلى توقع الكثيرين أن المستقبل فى الحكم والإدارة سيكون للملونين، وانتهاء سيطرة البيض، وأنها المخاوف التى لعب على وترها ترامب ولا يزال مؤيدًا التصور القديم أن أمريكا للبيض، والآخرين مجرد دخلاء وليسوا مواطنين حقيقيين، وأن أصواتهم الانتخابية «مشبوهة» ما عمق الخلاف الأيديولوجى بالبلاد.

وأضاف سالم فى حديثه الخاص لـ»الأهرام العربى»، أن الحزب الجمهورى كان ضد العبودية زمن الحرب الأهلية، ووقف خلف الرئيس الجمهورى لينكولن فى إلغاء التمييز العنصرى، ما دفع الديمقراطيين لتدبير اغتياله خلال مشاهدته مسرحية «قريبنا أمريكى» بمسرح فورد فى العاصمة، ووقتها كان الجمهوريون مكروهين فى الولايات الجنوبية التى أعلنت انفصالها عن الولايات المتحدة، بسبب سيطرة الإقطاعيين وأصحاب المصانع على الأوضاع والرأى العام، فى حين كان الديمقراطيون قريبين جدًا من تلك الولايات، واستمر الأمر بعد الحرب، لكن الأمور تغيرت فى عهد الرئيس الجمهورى ريتشارد نيكسون، الذى غير توجه الجمهوريين وبدأ يزكى النعرات العنصرية، ويشجع تفوق العنصر الأبيض بتلك الولايات، بهدف كسب أصواتهم والفوز فى الانتخابات، وهكذا سرق الحزب الجمهورى من منافسه الديمقراطى الشعبية فى الجنوب، واقتصرت شعبية الأخير على المدن الكبرى وعرف فيما بعد بـ»حزب المدن الكبرى والأماكن المتحضرة».

وأوضح أنه برغم إثارة ترامب للعنصرية واضطهاده للملونين، فإن الأمور لم تسر ضده بالولايات الجنوبية ذات الأغلبية الملونة فى انتخابات 2020، حيث صوت معظم اللاتينيين لصالحه لأنهم جاءوا الولايات المتحدة فى الأساس، هربًا من نظام الحكم الشمولى فى كوبا الذى أسسه فيدل كاسترو وفنزويلا ودول أخرى بأمريكا اللاتينية، وأن ترامب كان عنيفًا مع تلك الدول خصوصًا فى الأحداث الأخيرة التى شهدتها فنزويلا، بينما كانت للحزب الديمقراطى ومرشحه بايدن مواقف مهادنة كثيرًا مع هذا المعسكر، فضلا عن أن مواقف الديمقراطيين من ملفات مثل الإجهاض وحقوق المثليين جنسيًا، لا تعجب المعسكر اللاتينى المحافظ دينيًا.

وأشار إلى أن ترامب كان استثناء عن سياسة الحزب الجمهورى، الذى يعتقد برأيه أنه سيواجه خطر الانقراض فى المستقبل، لأنه برحيل ترامب سيعود الجمهوريون لسياستهم القديمة فى إزكاء العنصرية، ومع التغييرات الديموجرافية التى حدثت أخيرا، وسيطرة الملونين على مساحات كبيرة، سيؤدى ذلك لتقلص قاعدة الحزب الجمهورى وانقراضه فى النهاية، خصوصًا أن الديمقراطيين يؤمنون أكثر بالعدالة الاجتماعية.
فيما يقول توم أمجد حرب، مدير التحالف الأمريكى ـ الشرق أوسطى للديمقراطية.. إن اختيارات بايدن لرموز إدارته لا تعتمد على الملونين، بقدر ما هى اختيارات سابقة كانت معظمها تعمل مع إدارة أوباما، وهو ما يثير مخاوف أن يسير الديمقراطى العجوز على نفس خطى الأخير، خصوصًا فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط والملف النووى الإيرانى.

ويضيف أن تعيين ملونين بالإدارة الأمريكية ليس بجديد، وهو تقليد متبع منذ فترة طويلة، وأن ذلك أمر غير مهم، بقدر ما يهمنا النظر للسياسة التى ستتبعها الإدارة الجديدة، فإذا كانت ستستمر فى السير على طريق الرأسمالية والعولمة المحدد منذ اتفاقية «بريتون وودز» وما بعدها فهذا أمر جيد، أما إذا كانت ستتجه إلى الاشتراكية القومية بشقيها الاقتصادى والسياسى، فهذه سياسة خطيرة جدًا، لأنه أمر من شأنه زيادة ابتعاد الولايات المتحدة عن استعادة هيمنتها المفقودة، وأيضًا سينخفض قدر حرية الرأى والتعبير ما يعد طعنة قوية للديمقراطية، وحرية الإبداع والابتكار، لأن النظام الحر يفيد أمريكا بقدر إفادته للعالم كله.

ودعا توم أمجد حرب إلى عدم الخوف من أن يتحول البيض لأقلية لحساب الملونين، لأنه من وجهة نظره المصالح المشتركة فقط، هى التى تجمع الملونين بفئاتهم المختلفة فى حربهم ضد الأوروبيين البيض، أما إذا دانت لهم دفة القيادة وسيطروا على كل شىء، سينتفضون ضد بعضهم، فالأفارقة لن يعجبهم أداء وسياسة اللاتينيين، وهذان العرقان لن يعجبهما أداء العرق الآسيوى وسياساته، ما سيؤجج الخلافات والصراعات، وفى النهاية تربح الولايات المتحدة ويخرج من يستطيع قيادتها، فهذه ليست أول مرة تحدث فيها أزمة مثل تلك فلا يوجد أعنف من الحرب الأهلية، موضحًا أن البيض عندما قدموا من أوروبا كانت سياساتهم واضحة ومحددة، أما الملونون فسياساتهم ضبابية وغير واضحة.

فيما يقول الباحث والمحلل السياسى فى شئون الأمن القومى الدكتور منذر سليمان، مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية بواشنطن، إن اختيار أفارقة سود أمريكيين بالإدارة الجديدة، يؤكد حدوث تحولات ديموجرافية فى المجتمع الأمريكى، وأن ذلك أمر طبيعى من واقع ضرورة وجود تمثيل يعكس الأغلبية السكانية فى الهيئات الحكومية، لكن لابد أن ننتبه إلى أن سبب نجاح ترامب فى الأساس هو نزعته العنصرية التى تحاكى قلق البيض من خسارة تفوقهم العددي، فضلا عن رفض شريحة كبيرة لفكرة سيطرة الملونين، واستمرار تزايدهم السكانى على حساب البيض، بما يغير الهوية الأمريكية بالكامل.

وأضاف أن اللاتينيين هم الأغلبية فى الوقت الحالي، لكن ذلك لم ينعكس فى المناصب الحكومية، بما يتناسب مع كثافتهم السكانية، فى المقابل نجد على مدار العقود الخمسة الماضية تحيز للأقلية اليهودية ومنحها فرصا كبيرة لا تتناسب مع حجمها العددى فى المناصب المختلفة، بالإضافة للتعامل معها على أنها أقلية إثنية ودينية معا، وهو قياس خاطئ وازدواجية جعلتهم يسيطرون على مناصب مهمة وفى الكونجرس بغرفتيه.
وأوضح أن اختيارات بايدن لا تعكس تنوعًا كافيا، وربما ينشد تحقيق ذلك ويبدو واضحا تركيزه على تمثيل أوسع للمرأة فى إدارته، لكن لا يزال هناك نفوذ طاغ لاختيار اليهود الأمريكيين، حيث إن أغلبية الاختيارات فى مناصب حساسة مثل الخارجية والأمن القومى ووزارة الخزانة، على سبيل المثال من اليهود الأمريكان، أو متزوجين يهود أمريكان، حتى كامالا هاريس نائبة الرئيس متزوجة من يهودى.

وأضاف: تنامى النزعة العنصرية والعنف يشير إلى أن الولايات المتحدة تعانى أزمة هوية، وهناك صراع دائم يكمن أحيانًا ويصعد على السطح أحيان أخرى مثلما حدث فى مظاهرات «حياة السود مهمة» ردًا على مقتل فلويد، كما أن حصول ترامب على 74 مليون صوت، يؤكد أن النزعة العنصرية قائمة أو نزعة الخوف لدى البيض من أغلبية ملونة تسيطر على الولايات المتحدة.

وأكد الدكتور منذر سليمان، مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية بواشنطن، أن أمريكا تعيش مخاضا حقيقيا حول الهوية والديمقراطية، تبرز من خلال ممارسات الحكومة بأجهزتها، خصوصًا الشرطة والقوانين القائمة والخوف الأبيض من الملونين، لأن وجه أمريكا سيتغير كليةً ويتعرض مشروع الحلم الأمريكى بالنجاح، وتوفر الفرص والتعددية التى تمزج الثقافات والإثنيات للتحدى، وقد يصل الأمر إلى ولايات تطالب بالانفصال بالفعل، وفى المستقبل يمكن أن يكون ذلك على أساس عرقى، حيث تكون الغلبة فيها للاتينيين أو السود أو الآسيويين، وأن هذا المخاض سيستمر ويحتاج إلى معالجات حقيقية، مضيفًا أن قدوم بايدن قد لا يكون العلاج الشافى لكل تلك المشاكل وتغيير الأوضاع، بما ينهى العنصرية والفوارق الاجتماعية الكبيرة بين طبقات المجتمع، وأن أوباما عندما كان رئيسًا لم يستطع تحقيق إنجازات كافية لترسيخ التنوع، فإن صورة «أمريكا الديمقراطية» التى يتم الترويج لها لا تعكس الواقع الفعلى الذى يؤكد حقيقة أنها نشأت على هدر دماء السكان الأصليين من الهنود الحمر، ولكى تبنى نهضتها استعبدت السود الأفارقة.

نقلا عن الأهرام العربي

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة