غضب أم بوادر سخط يسود الآن الشارع التركي؟ وذلك على خلفية اعتراف الكونجرس الأمريكي بقانون إبادة الأرمن علي أيدي العثمانين إبان الحرب العالمية الأولي في القرن الماضي، وقبلها بساعات جاء قرار يدعو إلى فرض عقوبات على الأناضول، وبالتوازي رفض الاتحاد الأوروبي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المثيرة للجدل التي أبرمها الرئيس رجب طيب أردوغان مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق اللييبة.
موضوعات مقترحة
ومكمن الاستياء يعود إلى اعتقاد أصبح راسخا، لدي قطاعات عريضة من المواطنين في عموم البلاد بأن هذه القرارات التي سيكون لها تداعيات مدمرة على اقتصادهم المتردي أصلا، لم تكن لتحدث بهذا الزخم وبتلك الوتيرة المتسارعة ومتوعدة بالمزيد ، لولا السياسات العشوائية لحكومتهم " التي لم تعد رشيدة " وإنسلاخ تركيا غير المبرر من الغرب والتوجه بلا تريض نحو الشرق.
يضاف إلى ذلك الضباب الكثيف الذي صار يكتنف سمعة جمهوريتهم نتيجة التحالفات المشبوهة التي أقامها حزب العدالة والتنمية الحاكم بدول عليها الكثير من علامات الاستفهام إقليميا ودوليا، والأخطر من كل هذا شبكة العلاقات التي تم نسجها مع التيارات الجهادية والتكفيرية ، وفي هذا السياق لم يكن مفاجئا ما قاله النائب الألماني السابق ، والذي ينحدر من أصول تركية محمد كيليتش، إن أردوغان " مرعوب من محاكمة دولية بسبب دعمه داعش".
أذن الحاصل من إرهاصات هنا في العاصمة وإسطنبول ومدن أخري ليس تخمينا أو ضربا في الخيال ، فالأصوات فيما وراء الكواليس والأحزاب بما فيها حزب الرئيس نفسه ، وكذلك تلك التي تتردد بأروقة منتديات فاعلة من المجتمع المدني تتزايد وباضطراد مستنكرة الارتباط ببلدان موصومة بدعم الإرهاب.
المفارقة أن أردوغان الذي سبق وحذر أصدقاءه الإيرانيين من مغبة انتقال تظاهرات جوارهم لبلادهم ــ بيد أنهم شكروا له صنيعه ــ تناسي ، وربما تعمد النسيان وهذا هو الأدق ، أن نظامه ليس ببعيد عن الطوفان الحاصل في الهلال الذي لم يعد خصيبا.
فهو مثل الملالي وحراسهم الثوريين، يسعي لبسط نفوذه لعله يعيد مجد غابر للإمبراطورية منقضية غير مأسوف عليها بدءا من سوريا مرورا بسودان البشير وانتهاء بالصومال ، الذي لم يعد خافيا على القاص والدان ، أن بلاده ومعها قطر هما الداعمان لتنظيم حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة ، والآن ومنذ سنوات يفعلان الشىء نفسه في ليبيا.
وما شهده البرلمان في أنقرة أثناء جلسات مناقشة الميزانية لعام 2020 من عراك صاخب بين أعضاء العدالة والتنمية والمعارضة ، خير مثال على كراهية الأخيرة المتنامية ضد الإمارة القطرية ، فحزبي الشعب الجمهوري العلماني والشعوب الديمقراطية الكردي نددا بصفقة بيع مصنع الدبابات للدوحة متوعدة البائعين " صارخين فيهم " سوف نحاسبكم وماتسمونه بالتخصيص هو حرام، وسرقة، تسرقون حق الشعب وتتبرعون به لمؤيديكم"!!
ووفقا لمراقبين ، تتجه الحكومتان الى شاركة شاملة تشمل العديد من القطاعات والتنسيق السياسي على أعلى المستويات يشمل التنسيق والتعاون مع تيارات الاسلام السياسي خاصة جماعة الاخوان المسلمين المحظورة التي تجد لها ملاذا في كلا البلدين.
في هذا الصدد لم يكن الأكاديمي وعالم الاجتماع البارز " أيهان أكتار " مبالغا عندما كشف قبل ثلاث سنوات الصورة الزائفة والقبيحة للأسلمة السياسية بوجهيها الأردوغاني والإخواني ، وقال أكتار إن أعمال الفساد والرشوة في عام 2013 طالت وزراء بحكومة العدالة والتنمية في تركيا إضافة إلى أولادهم ونجل أردوغان ، وسقوط قناع الديمقراطية عن الإخوان المسلمين لنزوعهم السلطوي، وجهتا ضربة قاتلة للاسلمة وأجهضا ثقة الشعوب في الإسلاميين إجمالا وفي القلب منهم الجماعة الإرهابية.
وهكذا يجدد المعارضون الأتراك مطالبهم بعودة بلادهم إلى سابق عهدها قبل صعود العدالة والتنمية إلى السلطة وخصوصا السياسة الخارجية التي دفعت تركيا دفعا للسقوط في مسلسل الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط ، وها هم يحثون مواطنيهم أن يجهورا بأعلي صوت "لا للإخوان المسلمين.. ولا للارتماء في أحضان قطر".