حينما تبنت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجيتها لتأسيس ما يُعرف بـ"الشرق الأوسط الكبير" التي صاغها صقور نظام الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دابليو بوش، من أمثال، وزير الدفاع دونالد رامسيفلد، ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس، فقد استندوا في تحقيقها على بعث النزعات العرقية للأقليات.
موضوعات مقترحة
بعد مرور 15 عامًا من إعلان هذه الإستراتيجية، بدأت اليوم، سيناريوهات تقسيم الدول العربية على أساس طائفي تؤتي أُكلها، وأصبح اللعب على وتر"حلم القوميات" طريقًا نحو تنفيذ هذا الغرض، بيد أن الولايات المتحدة في كثير من الأحوال لا تظهر في صورة المُنفذ لها بقدر ظهور لاعبي واشنطن بالمنطقة، وفي القلب منهم تركيا.
جد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الإستراتيجية الأمريكية ذريعة لتأمين بلاده من حلم "الأكراد" في تكوين دولة على حدود تركيا، وبمنطق "لا يفل الحديد إلا الحديد"، يرى "أردوغان"، أنه لا يقهر أقلية سوى أقلية أخرى مماثلة لها، مؤيدة في الوقت نفسه لسياسات أنقرة، مستنسخًا في ذلك "تجربة العثمانيين" الذي يسعى "أردوغان"، إلى بعث أمجادهم من جديد.
فقد استعان الأتراك بالأكراد على الأرمن من قبل في الحرب العالمية الأولى، واليوم، يجدد أردوغان الكرة، ولكن أي أقلية تلك التي يريدها الرئيس التركي على حدود أنقرة بدلاً من الأكراد؟، ولن يكون الجواب بعيدًا عن أبناء عمومته من "التركمان".
في عملية "غصن الزيتون" على عفرين السورية، تذرع الرئيس التركي، بعدة أسباب، فقد أكد في البداية أن أنقرة تهدف لتدشين منطقة آمنة على حدود تركيا مع الشمال السوري، وتمنع تكوين دولة لهم على أيدي "وحدات الشعب الكردية" التي يراها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، ثم أكد أن العملية لن تنتهي سوى بعودة 3.5 مليون سوري إلى أراضيهم.
وهنا ظهرت نية "أردوغان"، بإعادة التوزيع الديموغرافى لسكان تلك المنطقة، ولن يملأ فراغ "الأكراد" سوى توطين التركمان والعرب على طول الحدود مع سوريا، وهذا ما قصده بعودة "اللاجئين السوريين" إلى ديارهم.
"أردوغان"، لا يريد فقط أن يحول دون تكوين دولة كردية بقدر "الهوس" باللعب على وتر الأقليات من أجل إعادة "الأملاك العثمانية" في سوريا والعراق إلى تركيا.
وإذا ما قورن موقفه الدفاعي تجاه مدينة "تل عفر" العراقية ذات الأغلبية التركمانية التي تعهدت أنقرة بالدفاع عنهم، بموقفه الهجومي من "عفرين" السورية ذات الأغلبية الكردية، فلن يكون هناك كبير عناء في أن النزعات العرقية هي التي تحرك إدارة "أردوغان"، من أجل إشعال المنطقة المثخنة بالصراع.
لقد تصدى "أردوغان"، من قبل للدفاع عن مدينة "تل عفر" التي تقع في شمال غرب العراق، وتبعد 70 كم عن مدينة الموصل، ورفض مشاركة قوات الحشد الشعبي الشيعية فى تطهير المدينة من ميليشيات تنظيم داعش الإرهابي؛ حتى لا يقوم الشيعة بتوطين أنفسهم مكان التركمان، وأبدى موقفًا متصلبًا تجاه إيران والحكومة العراقية كي يتولى الجيش العراقي هذه المهمة، وعرض أن تشترك قوات "درع الفرات" التركية في عملية التحرير.
كيف تحاول تركيا الإفلات من "خابور" الأكراد؟
فور تسليم القوات العراقية لمعبر "فيش خابور" الحدودي مع تركيا، أعلنت أنقرة، أنها اتفقت مع الحكومة العراقية على إنشاء معبر جديد في مدينة "تل عفر" ذات الأغلبية التركمانية، وذلك ردًا على استفتاء انفصال كردستان عن العراق.
وتريد تركيا من معبر "أوفاكوى – تل عفر" تقييد تجارة النفط، وضمان إمداده إليها، وإغلاق المجال الجوي، حيث يقع المعبر الجديد عند نقطة التقاء الحدود العراقية السورية التركية، ويقدم الموقع بديلاً لمعبر الخابور الذي يسيطر عليه إقليم شمال العراق، والذي يوفر للأكراد دخلاً قوميًا من رسوم العبور والضرائب.
وطبقًا للخطة، فإن الحكومة المركزية العراقية في بغداد ستسيطر على المعبر الجديد وستصل جميع صادرات تركيا إلى العراق لـ"تلعفر" والموصل عبر البوابة الجديدة، كما سيصل نفط العراق بسهولة إلى تركيا.
ووفقًا للإحصائيات، فإن البضائع التركية التي تصدرها للعراق عبر معبر"الخابور" الذى يديره الأكراد تناهز قيمتها 6 مليارات دولار، مما يجعل العراق تحتل المرتبة الثالثة لسوق الصادرات التركية، وأن 45 % من هذه البضائع تذهب لكردستان العراق، مما يجعلها تحصل على مكاسب ضخمة عبر معبر "الخابور".
المحور الجديد "أوفاكوى – تل عفر"، لن يقوم إلا من خلال بعث قومية "التركمان" التي نصبت تركيا نفسها حامية لهم، فالطريق بين المعبرين يمر بأراضي التركمان، والمعبر في ذات اللحظة يمثل ضربة اقتصادية موجعة لأكراد العراق، ولكن هذا كله لن يتم دون دحر أكراد سوريا في "عفرين".