Close ad

معجزة إلهية .. أيام مباركة عاشوراء والمشترك الإنساني

28-8-2020 | 06:24
معجزة إلهية  أيام مباركة عاشوراء والمشترك الإنسانيد. شوقي علام مفتي الجمهورية
د. شوقى علام مفتى الجمهورية

لا شك أن الإسلام لا يعرف فى جوهره ولا فى أحكامه إلغاء الآخر أو إقصاءه أو الانعزال عنه أو القطيعة معه واجتنابه، بل على العكس حثَّ المسلمين على التعايش ومد جسور التعاون مع غيرهم (أفرادًا أو مجتمعاتٍ أو دولًا) وفق سمات الإحسان ومقتضيات الحب والرحمة، امتثالًا لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13].

وهذه القيم الحضارية قطعية ثابتة وجرى عليها العمل لدى المسلمين عبر القرون من خلال القاسم المشترك مع الأديان ومع الإنسان.

ونجد ذلك ظاهرًا فى أول ذكرى لعاشوراء - اسم ليوم العاشر من شهر المحرم - تمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فى المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية إليها من مكة المكرمة، حيث وجد النبى صلى الله عليه وسلم اليهود فى المدينة المنورة يصومون هذا اليوم ويتخذونه عيدًا يتزينون فيه، فسأل عن سبب ذلك، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بموسى منهم» فصامه وأمر بصيامه. (صحيح البخارى/ 3397).

ويعتبر هذا الموقف الخالد معلمًا بارزًا فى تعامل المسلمين مع غيرهم من أهل الأديان والكتب السماوية الأخرى فى سائر المجالات وعلى رأسها جانب العبادة والتقرب إلى الله تعالى، من خلال تأكيد السنة النبوية القولية والعملية بصيام يوم عاشوراء وإحياء ذكراه على اعتبار الأسباب والمنطلقات لدى غير المسلمين فى الاحتفال بمناسباتهم خاصة إذا كانت ثابتة ومنقولة عن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

وهذا الاعتبار لم يقتصر على المباحات أو أسباب العبادات، بل تعدى إلى الجانب السياسى والقضائى، حيث شارك النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى سن العشرين من عمره المبارك فى حلف الفضول مع المشركين من أجل التعهد بنصرة المظلوم ورد الحقوق لأصحابها، وأشاد بذلك بعد الهجرة بقوله صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لى به حُمْر النَّعَم، ولو أُدْعَى به فى الإسلام لأجبتُ» (السنن الكبرى للبيهقى/ 13080).

وهى مبادئ ومقاصد تؤكد ضرورة تعميق المشترك الإنسانى والاستفادة من الإيجابيات فى مسيرة الاستقرار والعمران، حيث أصبح حلف الفضول واقعًا ملموسًا وفى صورة أوسع من خلال تقرير النبى صلى الله عليه وسلم لبنود وشروط وثيقة المدينة المنورة التى أسست لمبدأ المواطنة والعيش المشترك بين أهل المدينة المنورة ومن حولهم، ورسمت الإطار العام لمبدأ المساواة فى الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، دون نظر إلى الانتماء الدينى أو العرقى أو أى اعتبارات أخرى، وبموجب هذه الاتفاقية خرج مخيريق - وكان من أحبار يهود وعلمائها بالتوراة - وهو على دينه محاربًا فى صفوف المسلمين فى غزوة أُحُد وقُتل فيها.

وبمثل هذه الجزئيات والوقائع استدل فريق من أهل الأصول على أن شرع من قبلنا شرع لنا باعتباره دليلًا شرعيًّا لاستنباط الأحكام الشرعيَّة بعد مراعاة جملة من القواعد والضوابط المقررة فى ذلك، خاصة ما نقل إلينا بطريق صحيح من الأديان والشرائع السماوية السابقة، ولم يقترن به ما يدل على نسخه أو مشروعيته فى حق الأمة المحمدية.

وتؤكد جملة هذه المعانى التى تحملها دلالات ذكرى عاشوراء أن الإسلام لا يسعى لأن يكون أتباعه متميزين لمجرد التميز، إنما يأمرهم بالتميز بالأخلاق الحسنة والشمائل الكريمة، ومراعاة المشترك الإنسانى فى شتى المجالات؛ فلم يعد النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون صيامهم ليوم عاشوراء مشابهة مذمومة لغير المسلمين أو اشتراكًا فى عقائدهم، لأنه واقع على سبيل الموافقة على السبب وهو شكر المُنْعم سبحانه على إنعامه وإحسانه على أهل الفضل والصلاح وعلى البشرية فى هذا اليوم المبارك.

* نقلًا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
الأكثر قراءة