تمر الأيام والسنون وتبقى ذكرى يوم عاشوراء - يوم نجاة نبي الله موسى من بطش فرعون وجنوده - يومًا يحتفي به المسلمون.
صيام يوم عاشوراء
لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ووجد اليهود يصومون في هذا اليوم ويحتفلون ويتزينون سأل عن سبب ذلك، فعلم أن هذا اليوم نجىّ الله تعالى فيه نبيه موسى وقومه من بطش فرعون وجنوده، فقال - صلى الله عليه وسلم - "أنا أحق بموسى منكم"؛ فصام ذلك اليوم احتفاءً بنجاة نبي الله موسى - عليه السلام - من بطش فرعون وجنوده.
وروي عن أبي قتادة الحارث بن ربعي أنه عندما سأل رجل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عن الصيام؟ قال رسول الله "صلّى اللّه عليه وسلّم": (ثلاث من كلّ شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدّهر كلّه، صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله، والسّنة الّتي بعده، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله). (صحيح مسلم)
وإليكم قصة خروج نبي الله موسى من مصر؛ فلما أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام خرج ومَن آمن معه من قومه من مصر ليلاً، فعلم بذلك فرعون فغضبَ غضباً شديداً، فلحق بهم وجُنوده ليمنعهم من الهرب من مصر حتى أدركوا موسى ومن معه وكانوا قد وصلوا إلى البحر ففزع قوم موسى، لأنهم غير قادرين على مواجهة فرعون وأعوانه ولا يستطيعون الهرب عن طريق البحر، إلا أن موسى عليه السلام - طمأنهم وقال: إن الله معهم ولن يتركهم، فأوحى الله - عز وجل - إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر: فانفلق البحر حتى ظهر يابسهُ ويُحيط به الماء عن اليمين وعن الشمال، ثم أمره أن يترك البحر على حاله، ويمضي مع قومه فمضوا في طريقهم، وكان آل فرعون وراءهم يكادون يُدرِكونهم، فاستكبر فرعون ومضى خلفهم، مستخفاً بما ينتظره فأغرقهُ الله ومن معهُ جميعاً ولم يبق منهم أحد ونجىّ الله موسى عليه السلام وقومه.
مكانة نبي الله موسى:
لقد نال نبي الله موسي - عليه السلام - مكانة عظيمة: فهو أحد أُولي العزم من الرُسل، حيث قال تعالي: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، وقال تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، وقد اختاره الله وفضله على الناس في زمانه باختياره نبياً فقال - عز وجل: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
مُفارقات في حياة موسى عليه السلام
المُفارقة الأولى:
ولد موسى - عليه السلام - في سنة يُقتل فيها الذكور من بني إسرائيل بأمر من فرعون إذ كان يُقتل المواليد من الذكور في سنة ويتركُهم أحياء في السنة أخرى، وكان موسى قد ولد ولم يعلم أحد بولادته، ففزعت أمهُ من الخوف فأوحى الله تعالى إليها فقال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، وسار الماء بموسى - عليه السلام - إلى أن وصل إلى يد جواري قصر فرعون وأعطوه "لآسية" بنت مزاحم امرأة فرعون، والتي طلبت من زوجها أن يُبقي عليه حياً لكي يتخذوه ولداً لهم لينفعهم حين يكبُر سِنهم، وكانت أُم موسى قد أرسلت أُختهُ لكي تتبع أمره وأثره، فمن واقع الحال أن يكون مصيره الموت والهلاك، ولكنّ بفضلٍ من الله ورعايته يلقى أفضل رعاية ويتربى في أفخم بيت وهو قصر فرعون ملك مصر، ويلقى من العطف والحنان والحب من "آسية" امرأة فرعون ما يلقى، وكان موسي قد رفض المراضع جميعهُم، قال تعالي: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ)، وبذلك تحقق وعد الله - سبحانه وتعالى - لأم موسى بإرجاع ولدها إليها.
المُفارقة الثانية:
حين دخل موسى عليه السلام ذات يوم المدينة في وقت خُلوّ الناس منها، وصادف رجلين يقتتلان، أحدهما من قبط مصر – والآخر من بني إسرائيل فاستنصرهُ الذي من شيعته على الذي من عدوه فواكزهُ موسى فقتله خطأَ، ثم تاب موسى إلى الله - عز وجل، فقال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ)، وقال تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
ومكث موسى عليه السلام في مدينّ بضع سنين ثم عاد عليه السلام بعد أن تزوج وهو في الطريق رأى ناراً فقال لأهله أمكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم بقبسٍ، فلما اقترب كلمه ربه قال: يا موسى اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس، ثم أمره أن يذهب إلى فرعون هو أخوه هارون، قالا لفرعون إنّا رسولا ربّك فأرسل معنا بني إسرائيل، فقال فرعون أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسي، فجمع فرعون السحرة من مدن وقرى مصر؛ ولكن سبحان الله عندما تبين لهم الذي جاء به موسى، قال تعالى: (قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى)، وقالوا والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض، قال الزمخشري: "سبحان الله ما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفرق بين اللقاءين"، إنما الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب يضحي الإنسان في سبيله بكل شيء ويصنع المعجزات.
إن سنة الله اقتضت في هذه الحياة أن يجعل نصره وثوابه في النهاية للأخيار من عباده، وأن يجعل خذلانه وعقابه للأشرارمنهم.