ارتبط اسم الصين مؤخرا بالعديد من الأزمات العالمية، بدءا من فيروس كورونا الذي يعاني منه العالم حتى الآن، وصولا إلى خروج صاروخ صيني عن السيطرة وتناثره في المحيط الهندي بعد أيام عصيبة مر بها العالم، خوفا من سقوطه في منطقة مأهولة بالسكان، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل أنها تُهدد حاليا عدد الحمير في العالم وفي أفريقيا بشكل خاص، والذي يعتمد عليها حوالي نصف مليار شخص في المناطق الأكثر فقرا في العالم.
وأصدر الاتحاد العالمي للأطباء البيطريين، تقارير حذر فيها من انقراض الحمار من قارة إفريقيا بشكل كامل، وذلك بسبب استمرار التجارة غير المشروعة في جلوده، للتصدير إلى أسواق الأدوية ومستحضرات التجميل الصينية، حيث زادت معدلات الإقبال على التجارة غير الشرعية بجلود الحمير من 3 إلى 3.5 مليون جلد حمار في السنة، وارتفعت إلى 4 ملايين رأس في السنة الواحدة.
التقارير أوضحت أيضا، أنه في عام 2017 تم ذبح نحو 100 ألف حمار في إفريقيا، إلا أنه في 2018 ارتفع هذا العدد ليصبح 360 ألف حمار تم ذبحه، مشيرة إلى أن التجارة بجلود الحمير تنشط في عدة دول أبرزها، المكسيك، كينيا، أمريكا الجنوبية، شرق وغرب جنوب قارة إفريقيا وخاصة غانا، شرق آسيا، استراليا، ودول مثل غانا تستغل لحوم الحمير وجلودها بتصديرها لتصنيعها كمستحضرات التجميل والجيلاتين.
تحذيرات مستمرة
ولم يكن هذا التحذير الأول من نوعه، حيث سبق أن أصدرت المنظمة البريطانية المعروفة باسم "مأوى الحمير" في نوفمبر 2019، تقارير حذرت فيها من اختفاء نصف حمير العالم خلال الخمس سنوات المقبلة، بسبب ذبح الملايين سنويا نظرا لحاجة الصينيين إلى نحو 4.8 مليون حمار في السنة لتلبية الطلب على الطب التقليدي الصيني.
ولجأت الصين إلى التوسع في استيراد جلود الحمير من الخارج، بعد تحذير باحثين في جامعة بكين من أن الإفراط في ذبح الحمير قد يتسبب في انقراضها من الصين، وتستخدم الصين جلود الحمير لإنتاج مادة "إيجياو"، وهي مادة جيلاتينية كانت مخصصة كدواء للأسرة الملكية في الصين في العصور القديمة، ويوجد اعتقاد قديم أنها تعمل كمحفز جنسي وتعالج الأرق وتمنع ظهور أعراض الشيخوخة.
إنتاج مادة "إيجياو"
وأكدت وكالة الأنباء الصينية، أن هناك حاجة إلى حوالي 4 ملايين حمار كل عام، لإنتاج ما يكفي من مادة "إيجياو" للسوق في الصين، لكن المعروض السنوي منها في الصين أقل من 1.8 مليون، ولسد هذه الفجوة تستورد الصين جلود الحمير من البلاد النامية، حيث توجد مجموعة من الحيوانات الرخيصة نسبيا، وتعد بوركينا فاسو، وغانا، وساحل العاج، وكينيا، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، وتنزانيا، من بين البلدان التي يتعرض فيها حيوان الحمار للتهديد، بسبب الطلب الشره عليه.
وأوقفت دول أخرى ذبح الحمير وتصديرها بالفعل مثل زيمبابوي، فيما حظرت أوغندا هذه التجارة، وأغلقت المسالخ فيها منذ عام 2017، لكن هذا الحيوان المسالم في جميع أنحاء العالم لم يزل حتى هذه اللحظة مهددا بخطر الانقراض بسبب الصين، فهل ينضم صديق الإنسان إلى قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض قريبا، وماذا يحدث إذا انقرض بأفريقيا؟.
عدد الحمير بالعالم
يعد أحدث تقدير لحجم تعداد الحمير في العالم، بحسب موقع NCBI الأمريكي، هو 45.8 مليون حمار، وكان الاستخدام الرئيسي للحمير تقليديا ولا يزال إلى حد كبير لجر ونقل البضائع والأشخاص، لكن في ظل الإقبال على التجارة غير المشروعة بجلود الحمير انخفض عدد الحمير بأكثر من 80% في أوروبا و77% بالصين.
تحديد عدد كمية التصدير
وكانت الهيئة العامة للخدمات البيطرية، ممثلة في الإدارة المركزية للحجر البيطري بوزارة الزراعة، أصدرت للمرة الأولى قرار بتصدير 10 آلاف حمار حي من الذكور فقط، سنويا إلى الخارج، بالإضافة إلى إصدار الشهادات الصحية والمعملية لتصدير 8 آلاف جلد حمار سنويا، وذلك لمحاربة ظاهرة انتشار لحومها بالأسواق، وتزايد أعدادها بالمحافظات، وتقدر إجمالي عدد الفصيلة الخيلية بمصر من خيول وبغال وحمير بحوالي 3 ملايين رأس منها 1.2 مليون خيل، و1.8 مليون حمار بكافة المحافظات.
وكيل الشعبة البيطرية في المركز القومي للبحوث، الدكتور أحمد عبدون، أوضح أن جلد الحمير يستخدم في عدة مجالات، الأمر الذي يجعلها منتجا مهما يمكن تصديره للصين تحديدا عن طريق التهريب، كي يصل إلى إحدى الشركات التي تعمل في مجال إنتاج المنشطات الجنسية، فمنذ فترة كان هناك أكثر من 10 آلاف حمار مذبوح وتم إلقائه بدون جلد في صحراء بني سويف، وتم تهريبه للصين، لعمل منتجات جنسية تصدر لعديد من الدول، بمبالغ وصلت إلى 15 مليار دولار في السنة، وتهتم هذه الشركات للجلود لاحتوائها على سكريات عالية جدا.
ويؤكد وكيل الشعبة البيطرية في المركز القومي للبحوث، أن هناك أضرارا عديدة تحدث للجسم عند تناول منتجات مصنعة من جلود الحمير يأتي على رأسها سرطان الكبد، والفشل الكلوي، وضمور خلايا المخ، والتخلف العقلي في الأطفال، كما أن هناك عدة أنواع من البكتيريا في جلودها، وتحليل الـpcr هو من يكشف استخدام الجيلاتين في صناعة الحلويات.
ارتفاع قيمة الحمار بالبورصة الصينية
وثمنت البورصة العالمية في الصين جلد الحمار بأكثر من 470 دولارا أمريكيا، أي نحو 7500 جنيه مصري، فيما سعر الحمار كاملا في مصر يتراوح بين آلفين و2500 جنيه، وهذا ما جعل بعض ضعفاء النفوس يقدمون لذبح الحمير ليس لبيع لحمها إلى محلات الطعام، بل للحصول على جلدها والاستفادة منها، باعتبارها مصدر الثراء السريع لهم.
اتجاهات عالمية لحل المشكلة
ويؤكد الدكتور محمد شفيق الأمين العام للنقابة العامة للأطباء البيطريين، أن التجارة غير المشروعة بالحمير تهدد الحمار صديق الإنسان بالانقراض، حيث أن هناك 3 اتجاهات عالمية خاصة بهذه المشكلة، تتمثل في عمل مزارع لإكثار أنواع محددة من الحمير خاصة الأنواع التي تطلبها الصين لاستخدامها في المستحضرات الطبية والتجميلية.
ويشير الأمين العام للنقابة العامة للأطباء البيطريين، إلى معاناة مصر من هذه المشكلة، موضحا أن الحكومة كانت قد أصدرت قرارا بتحديد الكميات الممكن تصديرها من جلود الحمير للحفاظ على التوازن البيئي وعدم انقراضها، وما يحدث يعد إنذارا، حيث أنه في حال انخفاض أحد مصادر الصين للحصول على جلود الحمير، فستلتفت لدول أخرى، وهناك ضرورة للحفاظ على هذا الحيوان.
استغلال الثروة
كما يوضح أنه لابد من إجراء محاولات لتصنيع المنتجات نفسها التي تصنعها الصين من تلك الحيوانات، حتى لا يتحول إلى ثروة لا نعلمها إلا بعد اختفائها، وذلك يحتاج إلى رفع قيمة الحمار والاهتمام به واعتباره ثروة محلية والعمل على إكثاره بشكل علمي، ويبذل اتحاد الأطباء البيطريين العالمي الجهود لحل هذه المشكلة.
لكن الصينيين بدؤوا في استخدام العقار كعلاج يمنع الشيخوخة والعقم والإجهاض، وكذلك الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، وتصنع منها منشطات جنسية، ومن ثم تضاعفت أسعار هذه المادة لتصل إلى أكثر من 40 أو 50 ضعفا خلال سنوات قليلة.
هل للحمار بديل؟
وحذرت الناشطة في حقوق الحيوان، دينا ذو الفقار، من خطورة انقراض الحمار، حيث إن عملية التهريب غير الشرعي لجلود الحمير يفوق الكوتة، وهي 8 آلاف جلدة، وأضعاف مضاعفة، وهو ما ينذر بانقراضه من مصر، مؤكدة أن من يقلل من قيمته لا يعي أبعاد ما يقوله، فهناك نغمة سائدة أن التوكتوك والتروسيكل يمكنهما أن يكونا بديلا للحمار، ولكن عندما يستخدم الفلاح الوسائل الأخرى التي تحتاج إلى المحروقات بدلا من الحمار، فإنه سيقوم بتحميل المستهلك أعباء ما يدفعه من أموال لتوفير المحروقات.
الولع بمنتجات الحمار
كما أوضح حسين أبو صدام نقيب عام الفلاحين، أن الولع بمنتجات الحمير من ألبان وصابون ومستحضرات تجميل نتيجة لحب الاستطلاع من البعض والمغامرة وتجربة كل ما هو جديد ورغبة الممنوع أو الإيمان بالخرافات من البعض الآخر، والمصريون لا يقبلون علي أكل لحوم الحمير أو استخدام منتجاتها إيمانا منهم بحرمتها أو قرفا منها نتيجة للعادات والتقاليد المتوارثة.
ويضيف أن أي استخدام للحوم الحمير أو منتجاتها في مصر يتم بطرق غير شرعيه حيث حرمت دار الإفتاء المصرية لعقود أكل لحوم الحمير الأهلية، وتحظر الحكومة ذبح الحمير بغرض الاستهلاك الآدمي وتضبط الأجهزة الأمنية كل من يقوم بذبح الحمير أو تداول لحومها للاستهلاك الآدمي.
مشتقات الحمار
ورغم تأكيد بعض الخبراء علي أن لبن الحمير ومشتقاته ليس له أي فوائد علاجية، إلا أن نقيب الفلاحين يؤكد أن كثرة الترويج والترغيب لهذه المنتجات كالإعلان عن جبن الحمير يجعل البعض يتهافت علي شرائه بأسعار مرتفعه حيث يباع كيلو جبن الحمير في بعض البلاد بما يوازي 9000جنيه مصري، وتباع الصابونة المصنوعة من لبن الحميرب250جنيها مصريا.
ويقول أنه على الرغم أن للحمار يوم عالمي يحتفل به الكثيرين حول العالم، وهو الثامن من مايو من كل عام، تقام فيه مسابقات خاصة بالحمير تقديرا لمكانته المحورية في الاقتصاد العالمي، وتقام فيه ندوات توعوية لتغيير النظرة السلبية عن الحمار وتعريف الناس بأهمية هذا الحيوان ذو القدرة الفائقة علي التحمل والذي يعد حلقه مهمة في سلسلة التوازن البيئي.
إلا أن جرائم ذبح الحمير لتصدير جلودها إلي الصين انتشر بصوره كبيره خاصة في بلاد أفريقيا الفقيرة طمعا في المكاسب المالية الكبيرة حيث تباع هذه الجلود بأسعار باهظة، ولذا يصدر سنويا حول العالم نحو 4 مليون جلد حمار لتصنيع مستحضرات تجميل وتستورد الصين كميات كبيره من جلود الحمير لإنتاج مادة جيلاتنية يعتقد أنها دواء محفز جنسيا ويعالج الأرق ويمنع ظهور أعراض الشيخوخة بما يستدعي وقفة عالميه قويه ضد هذه التجارة التي تهدد بقاء الحمير وتساعد في الإخلال بالتوازن البيئي.
فوائد جلود الحمار
وعن فوائد جلود الحمير الأخرى وسبب استيرادها، أوضح الدكتور محمد يوسف الطبيب البيطري، رغم رخص ثمنها وتراجع أهميتها الاقتصادية، مقارنة بجلود الحيوانات الأخرى، كالأبقار والجاموس والخراف.
وعدد الكثير من فوائد جلود الحمير، مؤكدا أنه يستخرج من جلود الحمير مادة «الجيلاتين» التي تدخل في صناعة الحلويات وقطع الجاتوه، وتعتبر دهون جلد الحمير زيتية سائلة وهو ما يجلعها تستخدم في صناعة بعض مستحضرات التجميل باليابان.
وأشار إلى أنه يستخلص مادة «الكولاجين»، من جلود الحمير والتي تستخدم في صناعة دواء ياباني يتم تصديره إلى عدد من دول شرق آسيا، لمعالجة تجاعيد الوجه والجسم، كما تستخدم جلود الحمير في صناعة الواقي الذكري، وتستخدم في بعض الأبحاث العلمية المتعلقة بمرض السرطان.