مهما اختلف السياق الذى يذكر فيه اسم «وسائل التواصل الاجتماعى» أو «شركات التكنولوجيا» ، تكون صفة «عملاقة» دائما مقترنة بهما ، لأنها تلخص ببساطة القوة المتنامية لتلك المواقع ، التى نجحت خلال سنوات معدودة فى أن تضم عشرات الملايين من المستخدمين على منصاتها ، وتكون جزءا أصيلا من حياة الجميع ، مهما اختلف عدد الساعات التى نمضيها عليها ، لتحشد الرأى العام وتنظم الاحتجاجات وتفجر الثورات هنا وهناك . وفى مواجهة ذلك ، تتسارع الجهود العالمية لإصدار التشريعات وسن القوانين لتنظيم عمل ذلك المارد، وتقليم أظفاره قبل أن يفترس الجميع.
ومن التجارب الرائدة فى هذا الصدد، تلك التى بادرت بها ألمانيا قبل عدة سنوات ودخلت حيز التنفيذ عام 2018، لتشمل كل المنصات التى تضم أكثر من مليونى مستخدم مسجل فى البلاد. فبموجب القانون الجديد، الذى يعرف باسم « دى جيه نيتس»، يتعين على الشركات أن تحدد لنفسها إجراءات واضحة يتم من خلالها التعامل مع الشكاوى المقدمة حيال محتوى بعينه، فضلا عن إزالة المحتويات غير القانونية خلال 24 ساعة كحد أقصى، مع نشر تحديثات كل 6 أشهر حول طريقة عملها، وإلا تعرض المخالفين من الأفراد لغرامة مالية تصل لـ 5 ملايين يورو، والشركات لـ50 مليون يورو. وكانت أولى الغرامات التى دفعتها شركات التكنولوجيا بموجب ذلك القانون تلك التى تحملها فيسبوك فى يوليو 2019، وبلغت قيمتها مليونى يورو.
كذلك أستراليا، بادرت بالتحرك سريعا بعد حادثة كرايست تشيرش المفجعة ، التى راح ضحيتها نحو 100 شخص ما بين مصاب وقتيل، لإصدار قانون يعرض شركات التواصل الاجتماعى ومديريها التنفيذيين لعقوبات جنائية تصل للحبس لمدة ثلاثة سنوات، فضلا عن عقوبات مالية تصل إلى 10٪ من حجم التداول العالمى للشركة، فى حالة نشرها «مواد عنيفة بغيضة». الاتحاد الأوروبى، من جانبه، طرح أيضا اللائحة العامة لحماية البيانات التى تتعهد باتخاذ إجراءات صارمة حيال مخالفات مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة مقاطع الفيديو التى تتضمن محتويات إرهابية، لتواجه تلك المواقع غرامات مالية إذا لم تحذف المحتوى المتطرف خلال ساعة، فضلا عن بعض القواعد التنظيمية الأخرى الخاصة بتخزين واستخدام بيانات الأشخاص وحماية حقوق الملكية الفكرية. وأمهلت الكتلة الأوروبية الموحدة الدول الأعضاء حتى العام الحالى لتنفيذ التوجيهات المنصوص عليها ضمن قوانينها المحلية.
الرقابة على تلك المواقع فى دول مثل روسيا والصين تتخذ شكلا مغايرا للغاية، إذ تعتبرها الحكومة أداة فاعلة فى التجسس على مواطنيها.
ففى موسكو، تلزم قوانين البيانات شركات التواصل بتخزين أى بيانات عن الروس داخل البلاد، بل تم حجب موقع «لينكدإن» ، وتعرض كل من «فيسبوك» و «تويتر» للغرامات المالية لعدم توضيحها الآلية التى سيتم بموجبها الالتزام بالأمر.
أما الصين، فتحظر مواقع تويتر وواتس آب وجوجل بالكامل، ليتم الاستعاضة عنها ببدائل صينية مثل «ويبو» و «وى شات». كما يعمل مئات الآلاف فيما يعرف بـ « شرطة الإنترنت» لمراقبة كل ما يكتب عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وفحص الرسائل الحساسة سياسيا. سواء كانت تلك القوانين تستهدف التضييق على مواقع التواصل أو على المواطنين أنفسهم، فإن الولايات المتحدة فشلت حتى الآن فى التوصل لصيغة واضحة على غرار جاراتها تنظم عمل تلك المواقع ، ليصبح الجدل الأكبر الآن حول ما يعرف بالمادة « 230» ، وبالرغم من أن معظم بنود تلك المادة قد تم إلغاؤها بالفعل لكونها تتعارض مع حرية التعبير، ظلت هذه المادة قائمة بهدف إعفاء الشركات المشغلة لشبكات التواصل الاجتماعى من المسئولية عن أى شىء يتم نشره بواسطة طرف ثالث.
وأوضح الرئيس التنفيذى لـ«فيسبوك» مارك زوكربيرج أن شركات التكنولوجيا، فى حالة إلغاء المادة 230، ستضطر لفرض رقابة أكثر صرامة على نفسها ، لأنها ستكون حينها مسئولة عن كل ما يقوله الناس.
لكن يبدو أن نعيم المادة الحامية لمواقع التواصل لن يدوم طويلا ، إذ يؤيد خليفة ترامب فى البيت الأبيض، الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن، أيضا إلغاء تلك المادة الجدلية التى عفى عليها الزمن . فهل ينجح بايدن فى مهمته ، أم تعوقه القوانين والمحاكم أيضا ؟