Close ad

توحيد اللغات والعملات والسياسات واندماج الثقافات.. انفجار «الذكاء الصناعى» قد يؤدى إلى انقراض البشرية

30-12-2020 | 18:47
توحيد اللغات والعملات والسياسات واندماج الثقافات انفجار «الذكاء الصناعى قد يؤدى إلى انقراض البشرية الذكاء الصناعى
نبيل شرف الدين
الأهرام العربي نقلاً عن

زرع رقائق ذكية بأجساد البشر.. وآلاف الأقمار لبث الإنترنت.. والتخاطر لغة التواصل الكونية

موضوعات مقترحة
سيتم علاج العديد من الأمراض كالخرف والشيخوخة والشلل الرعاش عن طريق الشرائح الإلكترونية
انتهاك الخصوصية أمر بسيط مقابل المنافع الضخمة التى يحصل عليها المستخدم للشرائح الجديدة

أذكر خلال طفولتى جيدًا قبل نحو نصف قرن فى قرية نائية بصعيد مصر، تلك الحشود من الناس التى كانت تطرق منزل جدى لأسباب شتى، فقد كان قاضيًا شرعيًا يفتى فى شئون الحياة والدين، ويؤم الناس فى الجمعة.
لكن كان هناك سببٌ آخر ليكون منزله مقصد أهالى القرية، وهو أنه الوحيد الذى تمكن من إدخال هاتف يتصل عبره المغتربون لطلب الرزق فى شتى ربوع مصر وخارجها، فقط كان ولم يزل صعيد مصر طاردًا لضآلة مساحة الوادى، قياسًا بتكاثر البشر إذ كان حينذاك طبيعيًا أن يكون للرجل عشرة أبناء وأكثر، سواء من زوجة واحدة أم عدة زوجات، وهكذا رسخت فى مخيلتى أهمية ذلك الهاتف.

كثيرًا ما كنت أتصل بأخوالى وأبنائهم المقيمين فى محافظة أخرى أو القاهرة والإسكندرية، وبعد وفاة جدى لسنوات طويلة اتخذ الهاتف مكانة أهم مما كان عليه، خصوصا فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين بدأ مئات من أهل القرية يسافرون للعمل بدول الخليج وليبيا وغيرها، ولا أنسى مشهد السيدات سواء كُنّ أمهات أم زوجات يترقبن اتصالاتٍ من ذويهن المغتربين للعمل خارج مصر، وعندما اقترحت على أبى أن يدفع هؤلاء ثمن استخدام الهاتف وانتهاك خصوصية منزلنا العتيق، نهرنى - رحمه الله - ووبخنى، مستنكرًا: هل تريد أن يصفنا الناس بالاستغلال وهم فقراء اضطرتهم ظروف الحياة للاغتراب؟

الآن حين أزور مسقط رأسى أرى سيدات ورجالاً مسنين يحملون الهواتف الجوالة (الموبايل) للاتصال بأبنائهم المغتربين هنا وهناك، أما عن الشباب فحدّث ولا حرج، فقد أسسوا صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعى لكل عائلة وأسرة، ولم يعد يطرق منزلنا أحد للهاتف الأرضى الذى نحتفظ به كأيقونة من روائح زمن ولى، وسمعت عن علاقات عاطفية نشأت بين صبايا وشباب القرية توجت بعضها بالزواج، وأخرى أفضت لأزمات وصلت لحد القتل ولعنة الثأر وجرائم الشرف وغيرها، بعدما تغير جذريًا نمط الحياة والتواصل بين البشر خلال عمري، فما بالك بعدة أجيال، وماذا لو عاد أحد الجدود للحياة ليرى ما يجرى فى العالم.
هذه المقدمة تمهد لحقيقة مفادها، أنه لم يكن لأحد أن يتخيل قبل قرن ما ستكون عليه حال التطور التكنولوجى الهائل، من هواتف ذكية وشبكة الإنترنت والفضائيات وخلافه، وإذا كان يصعب عليهم حينذاك تخيل حال العالم، ففى العصر الحالى هناك مؤشرات تدل على المقبل بالنظر لما امتلكناه من طفرات تقنية، فباستقراء المعطيات يمكننا توقع تكنولوجيا المستقبل فى ضوء الحاضر الراهن، فلم تعد أفلام وروايات الخيال العلمى مجرد مواد للتسلية، لكنها صارت علمًا قائمًا بذاته يُسمى Futurology، أى التنبؤ بما سيكون عليه الوضع فى المستقبل بناء على معطيات علمية، كما يقول إيان بيرسون (Ian Pearson) المتخصص فى علم المستقبل، مؤكدًا أنه بحلول عام 2050 سنتواصل عبر نمط من التخاطب بتقنية التعرف على الأفكار (التخاطر Telepathy)، بأدوات إلكترونية يمكنها تتبع أفكارنا وربما تتواصل مع سماعة أذن شخص آخر وننقل أفكارنا إليه، وقد تكون لدينا أجهزة متناهية الصغر تحقن داخلنا لتبحر لعقولنا وتنقل منها المعلومات لأجهزة إلكترونية خارجية، وبذلك يتم التواصل عبر التخاطر، ما يؤدى لزيادة معرفتنا بشكل يتجاوز مخيلة أجيال البريد والترانزستور.

والتخاطر مصطلح صاغه فريدرك مايرز (F.W.H. Myers) عام 1882، ويعنى انتقال الأفكار من عقل شخص لآخر، أى أنه يعنى القدرة على اكتساب المعلومات من أى كائن واع آخر، دون استخدام الحديث أو القراءة أو الإشارات، وإذ تبدو بعض هذه التنبؤات لطيفة، لكن ثمة ما يثير الانزعاج بشأن قبول الناس بها، وهنا ينشب صراع بين التطور التقنى الهائل، والمنظومة الأخلاقية والتعاليم الدينية التى تتوافق عليها شتى المجتمعات البشرية، على تنوعها وتباينها فى جميع أنحاء العالم، لكن الدنيا لن تبقى على حالها، فالتغيير قادم لا محالة وبإمكاننا أن نستعد لهذا المستقبل، من خلال المشاركة فى صناعته، أو على الأقل من خلال بحث سبل التأقلم مع المتغيرات، ولعلنا نتذكر مقولة تشارلز داروين بأن «الكائنات الأكثر قابلية للتأقلم مع المتغيرات، هى التى تستطيع البقاء».

«سارية الجبل» وعلوم المستقبل

يعرف المسلمون واقعة تاريخية وثقها التراث عن القدرة على التخاطر، حدثت للصحابى سارية بن زنيم الدؤلى الكنانى ببلاد فارس أثناء خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ويروى المؤرخون المسلمون، أن الحادثة وقعت حوالى عام 645 ميلادية (23 هـ) ويعتبرونها فى يومنا هذا، أنها تشكل مثالاً تاريخيًا على إمكانية التخاطر، وباختصار فقد كان عمر يخطب على مِنْبر النبى يوم الجمعة، فقال أثناء خطبتهِ: (يا سارية، الجبلَ الجبلَ، من استرعى الذئب ظلم) فالتفت الناس بعضهم لبعض، وقال على بن أبى طالب: ليخرجن مما قال، فلما فرغ من صلاته قال لهُ عليّ: ما شيء سَنَح لك فى خُطْبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك (يا ساريةُ، الجبلَ، الجبلَ، من استرعى الذئب ظلم)، فقال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم. قال: وقع فى خَلَدى أن المشركين هَزَموا إخواننا فركبوا أكتافهم، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا، وقد ظفروا، وإن جاوزوا هلكوا، فخرج منى ما تزعم أنك سمعته، قال: فجاء البشير بالفَتْح بعد شهر، فذكر أنه سمع فى تلك الساعة من ذلك اليوم، حين جاوزوا الجبل، صوتًا يشبه صوت عمر: يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ، قال: فعدلنا إليه، ففتح الله علينا، وتواترت تلك الرواية عبر ثقاتٍ منهم: ابن كثير، واليعقوبي، وابن حجر العسقلانى وغيرهم.

وخلال الحرب الباردة تنافست أجهزة الاستخبارات، والمؤسسات العلمية التى أنشأتها، فى أمريكا والاتحاد السوفيتى السابق، وسخرت لأجلها الميزانيات المالية الضخمة، والعناصر البشرية المؤهلة لإثبات القدرات العقلية غير الطبيعية للتخاطر (Parapsychology) دون إعلان النتائج التى ظلت حبيسة أرشيف تلك الأجهزة للآن، ولكن هناك تسريبات تؤكد أن روسيا والولايات المتحدة وعدة دول أوروبية واليابان والصين وغيرها، تعمل على الاستفادة من الأشخاص الذين يزعمون امتلاك قدرات خارقة للطبيعة، كمدخل لتطوير التواصل الإنسانى مستقبلاً، فالمرتقب خلال عام 2050، ليس مجرد فيلم أو رواية خيال علمى أو نبوءة من نبوءات العصر القديم، بل هو تسلسل طبيعى للتطور التقنى الذى نعيشه الآن، وواقع قادم ظهرت أدواته ومؤشراته اليوم، ومنها على سبيل المثال فكرة زرع شريحة ذكية بالدماغ، وهى أحدث تجارب رجل الأعمال الكندى إيلون ماسك Elon Musk؛ إذ كشفت شركة Neuralink المتخصصة فى علوم الأعصاب التى أسسها الثرى المهتم بعلوم المستقبل، عن زرع رقاقة ذكية بحجم العملة المعدنية فى دماغ خنزير طوال شهرين، فى حدث اعتبرته الشركة بمثابة خطوة مبكرة نحو تطبيقه على الإنسان، لدراسة سلوكه وتنمية قدراته ومهاراته والسيطرة على الأمراض الشائعة، وهنا تتكامل عدة علوم معًا كالفيزياء والإلكترونيات وعلوم النفس والأحياء والطب وغيره فى فرق عملٍ متناغمة، لا تبخل على مختبراتها وتجاربها دول العالم الساعية للاستعداد للمستقبل بكل جوانبه ومناحيه، وتطرح هذه الدراسات سؤالاً عما إذا كنا نتاج المعطيات الجينية حصرًا ولا نملك حولا ولا قوة لتعديل ما ورثناه منها؟ وهل سنصبح بتطور علم الجينات أكثر قدرة على تعديل معطياتنا الوراثية؟

وينشط ماسك Musk فى عدة مجالات ففى ديسمبر 2015، أعلن تأسيس شركة (OpenAI) لأبحاث الذكاء الصناعي، كمنظمة غير هادفة للربح تهدف إلى تطوير أنظمة آمنة ومفيدة للبشرية، وتستهدف مواجهة كبرى الشركات، التى تربح الكثير من السلطة التى تمتلك أنظمة ذكاء صناعى تهدف للربح، فضلاً عن الحكومات التى قد تستخدم ذلك الذكاء لتعزيز سطوتها وقمع مواطنيها، وفى 27 إبريل 2016، أصدرت الشركة نسخة تجريبية من (OpenAI gym)، وهى منصة لأبحاث التعليم المعزز، وفى 5 ديسمبر 2016، أصدرت الشركة منصة (Universe)، لبرمجيات قياس وتدريب الذكاء الصناعي.
وفى المقابل أعرب علماء كبار عن مخاوفهم حيال تلك البحوث والتقنيات التى تشكل طفرة معرفية، فمثلاً رأى ستيفن هوكينج وستيوارت راسل، أنه إذا اكتسبت أنظمة الذكاء الصناعى المتقدمة القدرة على إعادة تصميم نفسها بمعدل متزايد، فسيحدث ما يسمى «انفجار الذكاء» الذى لا يمكن إيقافه وقد يؤدى لانقراض البشرية، وأيدهم ماسك Musk بأن ذلك الذكاء يشكل أكبر تهديد وجودى للإنسانية، ونظم شركة (OpenAI) كمؤسسة غير هادفة للربح، حتى يتمكنوا من تركيز أبحاثهم على خلق تأثير إيجابى على المدى البعيد.

تجدر الإشارة إلى تفوق إيلون ماسك Elon Musk، على بيل جيتس Bill Gates، فى قائمة أثرياء العالم للعام 2020، ليصبح ثانى أغنى شخص فى العالم، فقد تجاوزت قيمة شركته «تيسلا» لصناعة السيارات الكهربائية ذاتية القيادة نحو 500 مليار دولار، فضلاً عن شركته العملاقة SpaceX الناشطة بمجال الفضاء والتى تخطط لإطلاق 42 ألف قمر صناعى، لتغطية كل أنحاء العالم بشبكة الإنترنت، وبالإضافة لكل هذا، فلديه اهتمام بعلم الأعصاب، حيث أعلن من خلال شركته Neuralink التى تأسست فقط عام 2016 هذه الشريحة التى ربما تغير وجه الحضارة الإنسانية كما أسلفنا، فى حال نجاح التجارب على البشر بعدما جرى تطبيقها على الخنازير.

وفى هذا السياق قال ماسك Musk فى بث عبر الإنترنت، إن «الأمر يشبه وجود جهاز تتبع فى الجمجمة متصل بأسلاك متناهية الصغر»، وأوضح أن مثل هذه الشرائح لن تتوقف مهمتها على نمط من التواصل لم تعرفه البشرية من قبل، لكنها قد تساعد فى المستقبل فى علاج حالات مرضية مثل الخرف والشلل الرعاش وإصابات الحبل الشوكى وأمراض الشيخوخة، فضلاً عن المشكلات الصحية الوراثية، وتسهم فى علاج الأورام المستعصية وخلافه، وتم اختبار التصميم على نحو 19 حيوانًا مختلفًا باستخدام الروبوتات بمعدل نجاح يبلغ نحو 87 %، وووصف ماسك الأمر بأنه مثل وجود جهاز (Fitbit) فى الجمجمة، مع إمكانية اقتران الجهاز بتطبيق هاتف ذكى عبر البلوتوث المنخفض الطاقة.
سباق التواصل

بالطبع لم تقتصر الدراسات المستقبلية فى بحوث التواصل الإنسانى والاتصالات عبر الحواسيب والأجهزة الذكية على إيلون ماسك Elon Musk وشركته Neuralink ، فقد اقتحمت Facebook فيسبوك ذلك المجال، ويدرس علماء وخبراء متعاونون معها بجدية بحوث خاصة بواجهة الدماغ والآلة مع جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، فالشركة العملاقة تسعى لابتكار طرق للتواصل مع أجهزة الكمبيوتر دون استخدام اليدين، كما اشترت فيسبوك CTRL-Labs، وهى شركة ناشئة طورت تقنية تقيس نشاط الخلايا العصبية، من خلال جهاز يمكن ارتداؤه على الذراع، من أجل التحكم فى النشاط الرقمى وتوجيهه.
لكن هناك فجوة بين خيال ماسك Musk فى أجهزة تنقل كمًا هائلاً من المعلومات والبيانات من وإلى الدماغ وبين الواقع الراهن، لكن تيم مارلر كبير مهندسى الأبحاث فى مؤسسة RAND يعتقد أن فكرة إرسال الأفكار المعقدة لاسلكيًا بعيدة عن حياتنا، لكنها ليست سوى خيال علمي، فقط هى تحتاج للكثير من الوقت والجهد والنفقات.

وتبرز هواجس حول «أخلاقيات العلم»، ففى دول كالصين وروسيا مثلاً لن تكترث السلطات فيها لهذه الضوابط، وهناك معلومات متواترة حول عمليات استنساخ لأعضاء بشرية، بل يذهب بعض العلماء المنشقين الفارين من الصين إلى قيامها باستنساخ بشرى كامل بسرية تامة، وأيضًا تكمن مخاطر كبرى تشكلها هذه الشريحة فى المستقبل تأتى من مخاوف الاختراق والتحكم فى البشر عن طريق الشرائح الإلكترونية، التى قد تحول الإنسان إلى «روبوت» مُسير، قد يرتكب جرائم وأمورًا تهدد سلامته ووجوده، مع ما يعنيه ذلك من فرض رقابة صارمة على سلوكه وأفكاره، كما ورد فى رواية جوروج أورويل George Orwell، الشهيرة (1984)، فضلاً عن سهولة عمليات التجسس واختراق العقل البشرى والتحكم بالأفكار والأعضاء، وبرمجته إلكترونيًا، ناهيك عن أنه ليس معروفًا فى المستقبل مدى تأثير تلك الرقاقة الإلكترونية على المخ فى حال تحللها داخله.

وأوضح العالم بيير ألين ميركير Pierre-Alain Mercier أن علاقات البشر بالعالم سيجرى التحكم بها تدريجيًا بواسطة الرقمنة، فالصوت والصورة والوقت والفضاء والفكر والفعل ورد الفعل، قد تمت رقمنتهم، حتى الجينات الوراثية تحولت إلى كود رقمي، فقد اتضح أن كل الكائنات الحية تشترك فى خمسة أحماض أمينية، وتظهر الاختلافات بين البشر بحسب ترتيب تلك الأحماض.

وبرغم كل تلك المخاطر فلم تتوقف مخيلة العلماء وكتاب الخيال العلمى عن المضى قُدمًا فى رسم ملامح التواصل البشرى مستقبلاً، فقد أشارت مدير برنامج ذاكرة العالم بمنظمة «اليونسكو» جوى سبرنجر (Joy Springer) إلى أن التعددية اللغوية فى العالم ستواجه خطر الانحسار، وقالت إن «دراسات أجرتها المنظمة أظهرت أن نصف لغات العالم ستختفى بحلول العام 2050»، وأوضحت أن منظمة اليونسكو أطلقت برامج متعددةً لتوفير فرص جديدة للتواصل بين أكثر من ستة آلاف لغة فى العالم، بغية التركيز على مسألة التعددية اللغوية، خصوصا على الإنترنت"، حيث أشار الباحثون إلى ضرورة تضمين لغات الأقليات فى مواقع الخدمات العامة، وذلك على ضوء دراسات أكدت أن «التنوع اللغوى من أهم الكنوز التى يتمتع بها العالم، وذلك فى إطار التحدى الذى تواجهه اللغات فى عصر تقدم التكنولوجيا والوسائط المتعددة».

ومازلنا فى سياق استشراف آفاق المستقبل، وهنا تبرز رؤية العالم الألمانى أولريش إيبيرل (Ulrich Eberl) المتخصص فى بحوث المستقبل، وضع نصب عينيه تاريخاً محددًا هو منتصف القرن، العام 2050، وما سيؤول إليه العالم بقضاياه الكبرى آنذاك، وجمع توقعاته فى كتاب بعنوان: «المستقبل 2050» حيث يرصد أنماط الحياة فى مختلف المجالات، ويستهلها بما ورد على لسان العالم الأمريكى آلان كاي، الذى قال: «أفضل الطرق لاستشراف المستقبل، هو أن تخترعه بنفسك» وهى دعوة لمشاركة الإنسان فى صناعة المستقبل، وترك السلبية القائمة على انتظار ما قد تأتى به الأيام، ثم ننظر كيف نتعامل معها، وهذا هو الفرق بين العالم الأول، الذى يصنع المستقبل، والعالم الثالث، الذى يكتفى بالخوف منه، أو يقنع بأن يعيش يومه فحسب

الإنترنت الفضائى 2050

فى العام 2005 لم يكن يتوقع المؤرخ الفرنسى والأستاذ فى معهد العلوم السياسية فى باريس جان- نويل جانينى (Jean Noel jeanneney) فى كتابه «جوجل .. عندما تتحدى أوروبا» أن يكون «الإنترنت نافذة الملايين حول العالم للتواصل، خصوصا فى ظل الحروب والكوارث وأخيرا وباء الكورونا» الذى يجتاح العالم، فحين تكون قيد الحجر الصحى بمنزلك فى مدن خالية من البشر، فإن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، ستصبح المتنفس الوحيد لديك، بل وفرصة سحرية لعدم توقف الحياة فيمكنك أن تشترى عن بعد، وأن تتابع تلقى دروسك التعليمية عن بعد.

والحاصل أن الإنترنت بمختلف معطياته وتوقعاته البحثية والإحصائية، وإتاحته لآليات تفاعلات مرنة بين الأفراد والجماعات فى وسطها الافتراضي، أصبح ينقل مختلف أنماط النظم الاجتماعية والثقافية الطبيعية إلى مقابلها الإلكتروني، بل ويكسب الإنترنت مستخدميه تقاليده الاجتماعية الخاصة، ويساعد على تشكيل المجتمعات المحلية Communities، بشكل منقطع النظير فى السرعة وسعة النطاق الجغرافي، كما يعمل على إذابة الكثير من الفوارق بين الأفراد بتخطيه حواجز الزمان والمكان، والفروق الاجتماعية المختلفة، وينشئ الصلات الاجتماعية المختلفة، كما يطور المجتمع البشرى إلكترونيًا، سواء فى التواصل أم فى التجارة والإدارة والتعليم وغيرها من أنشطة الحياة اللامتناهية.

وتسعى البحوث التى تجريها مراكز الفكر والدراسات حول مستقبل الإنترنت 2050 للكشف، عن أن انتهاك الخصوصية أمر بسيط مقابل المنافع الضخمة التى يكتسبها المستخدم عبر اتصاله بالشبكة، ففى ثمانينيات القرن الماضى اقترح مخترع الإنترنت السير تيم بيرنرز-لى Sir Tim Berners-Lee تحويل العالم لقرية واحدة أكثر تواصلاً وكانت النتيجة ظهور الإنترنت، ونصح حكومات العالم بتعزيز خدماتها فى جميع أنحاء العالم، خشية أن تصبح الإنترنت فى المستقبل القريب نخبويا، بمعنى أنه سيكون متاحا للأثرياء دون الفقراء.

وتفاديًا لتقليص تلك الهوة بين الأغنياء والفقراء، فقد أعلن ريتشارد برانسن (Richard Branson) مدير مجموعة فيرجن (The Virgin Group) إنَّها فكرة رائعة من قِبل المشروع، الذى سيمنح أكثر من نصف سكان الأرض قدرة الوصول إلى الإنترنت بأسعار زهيدة، وفقًا للاتحاد الدولى للاتصالات، علمًا بأن تلك المجموعة مع كوالكوم (Qualcomm) هى أوَّل المستثمرين فيما سماه Branson أكبر شبكة أقمار صناعية فى العالم.
ويستهدف الأمر إطلاق عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية الصغيرة لتدور فى مدار منخفض حول الأرض، لبث خدمة الإنترنت لكل البشر فى مختلف بقاع المعمورة، إحدى الشركات التى تخطط لذلك، تحمل اسم (OneWeb)، وقد أطلقت أول ستة أقمار تابعة لها فى إطار المشروع، وتسعى لبث إنترنت محمول، يمكن لأى شخص فى أى مكان استقباله عبر هاتفه الذكي.

وعلى ذات الدرب تمضى شركة (SpaceX)، إذ تعتزم إطلاق آلافً من الأقمار الصناعية المُوفرة لخدمات الإنترنت، بالتعاون مع شركة «أمازون» وربما يقود ذلك فى نهاية المطاف إلى أن تصبح لدينا أكثر من شبكة أقمار صناعية تتنافس مع بعضها البعض، لتقديم خدمات الإنترنت واسع النطاق فى كل أنحاء الأرض، ويقول كريستوفر نيومان، أستاذ سياسات وقانون الفضاء بجامعة نورث أمبريا البريطانية، إن شركة (OneWeb) تسعى لإطلاق نحو 1900 قمر صناعى، بينما قد تُطلِق شركة (SpaceX) آلاف الأقمار، وتشكل هذه الأرقام زيادة هائلة فى عدد الأقمار الصناعية ذات الأغراض التجارية التى تدور حول الأرض، والتى لا يتجاوز عددها ألفين فى الوقت الراهن، ويعقب على ذلك نيومان: «إننا نتحدث عن اضطراب حقيقى سيلحق ببيئة الفضاء، وأنه ينبغى التعامل بقدر من الواقعية مع الأمر، بالنظر إلى أنه ليس واضحًا حتى الآن، ما إذا كانت تلك الأقمار ستكون فاعلة قياسًا بالأموال التى ستُنفق عليها لإطلاقها وتشغيلها.

قصارى القول إن هذه المنظومة الهائلة من أقمار الاتصالات الفضائية، هى الخطوة الأولى فى مشوار الألف ميل، بل إنها قفزة فى تاريخ الإنترنت وُضعت على درب التحقّق منذ بداياتها، فقد رافق شبكة الإنترنت حلم بأن تكون متاحة لكل الناس، بل لكل فرد على الأرض، مهما كان موقعه جغرافيًّا وعلى مدار الساعة، وبحرية تامة وبأدنى تكلفة، لكن يبقى التحدى الكبير وهو الدول، فمن الواضح أن الاتصال المباشر فرديًا مع الإنترنت، سيصبح هو الأسلوب المقبل فى عمل الشركات التى تقدم خدمات الشبكة، ولم تعد تلك الشركات بحاجة لما تمتلكه الدول من سيطرة على الأمور، بتداعياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى عملها، بل صارت تستطيع التعامل مباشرة مع جمهورها فرداً فردا، لكن كيف ستكون ردود أفعال الدول على تلك الطفرة فى عالم الاتصالات؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة