رغم حدوث انفراجة في أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد بظهور أكثر من لقاح، إلا أن الحماية الكاملة والأمان الأكبر يتحقق بالتزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية التي تؤكدها الدولة، وكذا القطاعات الطبية من ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي وتنظيف اليد باستخدام الماء والصابون، ومع دخول مصر في الموجة الثانية للفيروس يتساءل الكثير حول موقف المساجد، خاصة، وقد توجهت الدولة لإغلاقها في بداية الجائحة تحسبًا من انتشار الفيروس بين المصلين .
باتت أمور كثيرة مصيرها مرتبطًا بمدي انتشار الفيروس وحجم الإصابات والضحايا التي يخلفها وراءه يومًا بعد يوم، وتأتي المساجد ضمن هذه الأمور فالفيروس يهدد حياة من يصاب به، ومن منطلق الحفاظ علي الأرواح يري وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة غلق أي مسجد لا يلتزم بإجراءات مكافحة العدوى المتمثلة في الكمامة والتعقيم والتباعد الاجتماعي .
ويترجم الوزير حرصه علي حماية الأرواح ووقاية المصلين من وصول العدوى إليهم بحث الجمهور علي مخاطبة المديريات كتابة في حال رصدهم لأي مسجد لا يلتزم المصلون فيه بالإجراءات الاحترازية المقرر تطبيقها للوقاية من الفيروس، مؤكدًا تفويض الأوقاف جميع مديري المديريات باتخاذ إجراءات غلق المساجد حال حدوث ذلك .
المساجد وكافة المنشآت التي تشهد تجمعات للجمهور بات فتحها متطلبًا التزامًا شديدًا بتطبيق كل التدابير الاحترازية والوقائية مع استمرار التنظيف والتعقيم المتواصل لمنع تواجد الفيروس فيها ومن ثَم حماية العاملين بها والوافدين إليها وبات الالتزام بتلك الإجراءات في الوقت الحالي وإلي أن تزول الجائحة أمرًا لا تهاون في تطبيقه وهو ما أكده وزير الأوقاف قائًلا :"لا تهاون في اتخاذ اللازم تجاه أي مسئول أو عامل بمساجد يقصر في أداء واجبه تجاه تطبيق هذه الإجراءات".
ويرى أساتذة الشريعة الإسلامية بحسب حديثهم لـ"بوابة الأهرام" أن المتراجع عن تطبيق إجراءات مكافحة العدوى هو آثم وشريك في انتشار المرض أو نقله إلي غيره إذا كان مُصابًا في الأصل، مؤكدين أن التزام الإنسان بهذه الإجراءات في الوقت الراهن يعد مطلبًا شرعيًا فضلا عن أن تطبيقه يحمي كلا من الإنسان والأوطان .
ويختلف بعضهم مع إغلاق المساجد حال عدم تطبيق الإجراءات الاحترازية بها، فيقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن العقاب هنا للمسجد وليس لغير الملتزمين بهذه الإجراءات.
ويوضح في حديثه لـ"بوابة الأهرام" أن بعض رواد المساجد يقصرون في التدابير الاحترازية الوقائية ولا يجب أن يُعاقب بذلك الآخرون المطبقون للتدابير الوقائية وإلا فستكون المحاسبة هنا للمسجد: "ممنوع شرعًا غلق المسجد لاستهتار مُصلٍ".
ويرى من وجهة نظره أن هناك بدائل.. مقترحًا الجمع ما بين الصلوات، أي أداء صلاة الظهر 4 ركعات ثم إقامة الصلاة وأداء صلاة العصر 4 ركعات، وفي وقت المغرب يتم أداء صلاة المغرب 3 ركعات ثم صلاة العشاء 4 ركعات، موضحًا أن هذا الجمع يجوز في الأزمات كالبرد الشديد والظلام، والأولي في ذلك أوقات الأوبئة حيث يقلل "الجمع بين الصلوات" من فترات فتح المساجد لتصبح في أوقات صلاة الصبح وصلاة الظهر مع العصر وصلاة المغرب مع العشاء، مضيفًا:"لكن ليس للاستدامة وإنما في أوقات الطوارئ والأزمات".
ويقول أستاذ الشريعة الإسلامية إن الجمع بين الصلوات سنة ولكن مهجورة، لافتًا إلي أن صلاة الجماعة في المساجد سنة أيضًا وليست فرضًا ولا واجبًا، لافتًا إلي عهد الرسول، صلي الله عليه وسلم، حيث كان في أوقات البرد الشديد والرياح والعواصف يُنادي المنادي بعد الأذان :"ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم" فهذا جائز أن نسمع الأذان ونصلي في البيت.
ويضيف:"إما يتوجه المصلين للجمع بين الصلوات لتقليل فترات فتح المساجد أو يصلون في منازلهم ويعلمون أن ما كان يفعلونه في الظروف العادية "الصلاة في المسجد" سوف يجازيهم الله بثوابه في الظروف الاستثنائية وهي عدم المقدرة علي الذهاب للمسجد مخافة العدوى سواء أن يتسبب المصلي في عدوى الغير أو أن يأخذ العدوى من غيره.
والأصل في كل هذا أن المحافظة علي النفس البشرية من أعلي الواجبات لقول الله تعالي :"ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" وقوله عز وجل :"ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة" كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم :"الآدمي بنيان الرب .. ملعون من هدم بنيان الرب" والقاعدة الفقهية تقول :"دفع المفاسد مُقدم علي جلب المصالح".