* الإخوان والسلفيون وجهان لعملة واحدة في تهديد أمن الدولة
* الزيادة السكنية عائق صعب أمام تحقيق التنمية الشاملة
* الثقافة هي حائط الصد الأول لمواجهة الفكر المتطرف
هو أحد علماء مصر في مجال الثقافة من خلال امتلاكه لرؤية إبداعية ثقافية فريدة من نوعها، لذلك كان لنا هذا الحوار مع الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، للكشف عن المشكلات الحالية داخل المجتمع المصري، خاصة فيما يتعلق بالزيادة السكانية والنهضة الثقافية أو في الطفرة التي حدثت في مجال التعليم، الذي قال إنه لابد من تشريع عدة قوانين، ومنها الحد من الزيادة السكانية التي تلتهم كل عائد للدولة.
وأكد ضرورة حذف مادة ازدراء الأديان من الدستور المصري، ووضع قانون ضد التمييز الديني والعرقي والجنسي بكل أنواعه، كما أشاد بدور الحكومة الحالية وخاصة الوزارات، مضيفًا أن مصر تخطو على الطريق الصحيح في مجال الاهتمام بالثقافة والفكر والعقل المصري من الشباب وذلك لمحاربة الأفكار المتطرفة بقيادة سياسية واعية.
وتابع مصر تسير علي الطريق الصحيح بالاهتمام بالثقافة، مؤكداً على إنه لابد من تشريع عدة قوانين ومنها الحد من الزيادة السكانية، كما طالب بحذف مادة ازدراء الأديان من الدستور المصري.
فإلى نص الحوار الذي كشف خلاله العديد من الأسرار منها مشروعه الذي تقدم به لوزارة الثقافة وتم محاربته من قبل جماعة الإخوان والسلفيين لذلك لم يخرج إلى النور.
في البداية نريد التعرف منك على أسباب تدهور الثقافة في مصر من وجهة نظر وزير الثقافة الأسبق؟
الثقافة المصرية لم تتدهور ومازالت بخير، وعلي مستوى الإبداع، فمازال هناك كتاب ومؤلفون يبدعون بشكل جيد، كل ما حدث أن هناك حالة ارتباط بين الثروة والثقافة، فحدث نوع من استقطاب العقول المصرية لدي المجلات الخارجية، بحثًا عن المزيد من المال، خصوصًا وإننا نمر بظروف اقتصادية صعبة، ومن الطبيعي أن يبحث المثقفون المصريون عن مصادر دخل جديدة أو حتى عن الجوائز، وعلى سبيل المثال جائزة، "النيل الثقافية"، وقدرها نصف مليون جنيه، إذا تحولت إلى دولارات سنجد القيمة قليلة جدًا مقارنة بالجوائز الخارجية التي تترواح ما بين مائة ألف دولار ومائتي ألف دولار.
أما بالنسبة المواطن البسيط، فهناك تقصير من أجهزة الدولة في تثقيفة مع العلم أن التثقيف ليست مسؤولية وزارة الثقافة وحدها، ولكنها مسؤولية كل الوزارات التي تتصل بالعقل والوعي المصري، كوزارة الأوقاف، والتربية والتعليم، والجامعات المصرية، ووسائل الإعلام بمختلف أجهزتها، فضلًا عن المجتمع المدني، وأعتقد أنهم مقصرون في حق الثقافة المصرية.
هناك اتهام بأن قصور الثقافة لا تؤدي دورها التفاعلي مع مشكلات المجتمع وقضاياه، فما صحة ذلك؟
يجب أن نعلم أن قصور الثقافة هي خط الدفاع الأول للثقافة المصرية، لأنها ملتحمة بالناس البسطاء بشكل مباشر، ومن ثم فإن دورها بالغ الأهمية والتركيز سواءً في الثقافة المرئية او المسموعة أو المقروءة، وهناك أيضًا فنون تشكيلية مختلفة، وأرى أن رئيس قصور الثقافة الحالي هو شخص ذكي وجيد، وأعتقد إنه سيحقق نتائج إيجابية في الفترة القادمة، ولكنه يحتاج إلى خطة بين قصور الثقافة والوزارة أيضا مع الدولة، ونأمل أن يكون هناك استثمار قوي وحقيقي في عقول البشر، ولابد أن يكون هناك إستراتيجية قوية للنهوض بهذا القطاع.
من خلال تجربتك هل تعطي الدولة اهتمامًا كافيًا لمجال الثقافة والمثقفين للمواطن العادي؟
التجربة أثبتت في الواقع العملي أن الدولة ظلت لفترة طويلة بخيلة فيما يتصل بالثقافة، برغم من إنها هي التي تشكل حالة الوعي للمواطن المصري، وهي لا تقل أهمية إطلاقًا عن السلاح الذي ندافع به عن أنفسنا ضد الإرهاب، فإذا كان السلاح نستخدمه بشكل مباشر للدفاع به عن الوطن، الثقافة هي الدفاع غير المباشر، كما أنها تصنع الأجسام المضادة للفكر المتطرف، لأنه يبدأ بفكرة ثم تتجسد هذه الأفكار علي أرض الواقع وتتطور إلى حمل السلاح، إذا لابد وأن يتم التخطيط لنشر الثقافة بشكل صحيح، وهي التي ستقضي علي التطرف وسوف ينبذ العقل المصري تلك الأفكار الغريبة عليه.
ولابد من المساهمة في خلق العناصر الفعالة لمقاومة تلك الفيروسات الإرهابية، ولابد من وضع خطة جيدة لذلك وهي مهمة كل الوزارات والمؤسسات فهي مسئولية الجميع بدأ من رئيس الجمهورية إلى أصغر شخص في الدولة للحفاظ علي البلد، وأرى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي مهتم بشكل شخصي وقوي بالثقافة، وأعتقد أننا سنشهد طفرة قوية خلال الفترة المقبلة.
هل ترى أن الدراما المصرية في الوقت الحالي ذات تأثير على المجتمع؟
يجب أن نعرف أن دراما وحيد حامد والسبكي موجودون في كل زمان ومكان، هناك من يرى أن الفن لابد أن يكون راقيا وجميلا ورسالة وهدفا ساميا، وهناك من يرى أن الفن مكسب مادي فقط، نحن لدينا النوعان وعلينا للمشاهدين أن نختار نتوجه إلى أيهما، أنا لا أطالب بـ التشدد في الرقابة، ولابد أن نحرص على الحريات كمجموعة آلات متناغمة مع بعضها البعض، ولا يمكن العزف بشكل منفرد لأنه لا يخرج لحن متكامل، على سبيل المثال كانت الكنائس في أمريكا تنتج برامج تلفزيونية وكان هناك مسلسل تلفزيوني شهير the little house وكان يحمل كل القيم ومنها الحب، والإخلاص، واحترام الكبار، الصدق، الأمانة، فلماذا لا تقوم بالاستعانة بشخص مثل "وحيد حامد" لصنع عمل يحمل كل القيم الفاضلة وينبذ العنف والاضطهاد الجنسي والعرقي والعقائدي ويقوم على احترام المرأة، يبث الثقافة وبدون خطب دينية.
هل مقاومة الفكر المتطرف مسئولية الأزهر من خلال عملية تجديد الخطاب الديني فقط؟
فى البداية لابد أن نعترف وبصدق أن مسئولية تجديد الخطاب الدينى ليست مسئولية الأزهر فقط، بل مسئولية جماعية تقع على عاتق عدة جهات ووزارات تتصل بالمنظومة الثقافية، من بينها الأزهر والثقافة والتعليم والأوقاف، وأرى أن تجديد الخطاب الدينى جزء من تجديد الخطاب الفكرى والاجتماعى، وللأسف كلنا يظن خطأ أن هذه مسئولية الأزهر بمفرده، لكن فى الحقيقة المسئولية واقعة على كل أجهزة الدولة.
بمناسبة الحرب على الإرهاب ماذا تحتاج الدولة لمواجهته بجانب الحل العسكرى؟
أعتقد أن السلاح الذى نحارب به الإرهاب لا يقل أهمية عن السلاح الفكرى الذى ينبغى أن نحارب به العقول المتطرفة، فالعقل الذي يولد الفكر الإرهابى ماذا فعلت الدولة لمقاومته؟ أظن أننا مقصرون فى هذا الجانب إلى أبعد حد، أرى أن الحل العسكرى لا يجدى بمفرده إطلاقا نفعا كبير باعتباره حلًا وحيدًا، ونحتاج معارك أخرى يجب على الدولة أن تخوضها، وأقصد هنا معارك ثقافية واجتماعية وسياسية، والدولة بدأت تسير على الخطى الصحيح.
المركز القومي للترجمة قام بترجمة أكثر من ألف كتاب، ما الفائدة التي تعود على المواطن العادي من ترجمة ثقافات أخرى وتأثيرها عليه؟
الثقافة درجات تراكمية حتي الوصول الي مرحلة الترجمة التي تفيد الطالب الجامعي وتفيد الشاب الذي يرغب في القراءة المتقدمة والتعرف على الثقافات الأخرى، الثقافة ليست كتلة واحدة نحن لدينا مستويات عمرية مختلفة ومستويات ثقافية وعلمية مختلفة.
تقدمت بمشروع للنهوض بالثقافة المصرية خلال توليك مسئولية وزارة الثقافة فما هي أهم بنوده؟ ولماذا لم يطبق؟
الإخوان والسلفيون قاموا بمحاربة هذا المشروع لذلك ظل حبيس الإدراج، ومن أهم بنوده أن تتولى الدولة مسؤولية الثقافة بوجه عام بالدرجة الأولى، وتشارك فيها كل الوزارات بالإضافة إلى التنسيق بين أجهزة الوزارات والمجتمع المدني ومؤسساتها الثقافية، المشروع لم يلق نجاحًا أو رواجًا لعدم وجود إرادة سياسية وإدارة مالية، والمشروع كان قائما على الاستنارة، والإخوان والسلفيون آنذاك كانوا ضد مشروع الاستنارة، للأسف نحن حتى الآن مازال هناك كتب تكفير كثيرة ومنها على سبيل المثال كتب لـ"ياسر برهامي"، تقوم على تكفير "الأشاعرة"، وهؤلاء هم المذهب الرسمي لمؤسسة الأزهر فكيف للدولة الممثلة في وزارة الداخلية والأزهر والأوقاف السماح لمثل هذه الكتب والترويج لها، نحن دولة مدنية ديمقراطية حديثة وللأسف لا يوجد أي مظاهر تدل على ذلك.
على سبيل المثال، هناك موقف حدث للدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، فقد نشر كتاب في الشعر الجاهلي عام 1926، وتقدم الأزهر بشكوى ضده في مجلس النواب واجتمع المجلس وقرر إنه ليس من اختصاصه الحكم على إصدار كتاب ومناقشته، وقام بإحالة الشكوى إلى النيابة العامة وقام النائب العام وقتها بالتحقيق مع طه حسين، وقد أصدر قراره بأن هذا الكتاب كله جاء على سبيل الاجتهاد وكان ذلك في ضوء دستور 1923.
أظن أن هناك تضييقا على الحريات الفكرية، بسبب حالة التكفير والمادة الدستورية الخاصة بازدراء الأديان وما شبه ذلك، ولابد من تشجيع الناس على الحرية الفكرية لأن هي السلاح الأقوى أمام انتشار الفكر الإرهابي، ولابد من حذف مادة ازدراء الأديان من الدستور والقوانين، بماذا نفسر كلمة ازدراء الأديان، هناك السلفي المتعصب مثل ياسر برهامي يزدري العقائد الفكرية ضد "المعتزلة" مثلا مع إنها إسلامية عقلانية، ولكنه يحاربها والسلفية نفسها قائمة على مبدأ معلن أمام الجميع وهي "الخلافة"، فهل نحن نريد مصر خلافة؟
هل تتفق مع الشيخ محمد عبده الفقيه الإسلامي حينما قال إن التعليم هو البداية الحقيقية للنهوض وليس الثورة؟
اتفق معه تمامًا، لأن التعليم فكر ونحن نعمل على تطوير أفكار وعقول البشر للتقدم وتحقيق التنمية الصحيحة للأسف نسبة الأمية والتسرب من التعليم يزداد باستمرار، ولابد أن يكون لدينا خطط لتلك الظاهرة، ولابد من تشريع قانون يحد من الزيادة السكنية، فنحن في زيادة سكانية مستمرة هناك زيادة بنحو 2 مليون وأكثر، وإذا أصبحنا علي هذا المعدل المستمرة فذالك يعني أن كل عوائد التنمية سيتم القضاء عليها، ونحن نريد أن تصل نسبة التنمية إلى 9% فكيف تتحقق إذا كانت الدولة تنفق هذا العائد على الزيادة السكانية، نحن أمام خطر أكبر من خطر العدو الإرهابي لأنه يلتهم كل عوائد الدولة وإذا لم نواجه تلك المشكلة للأسف من الممكن أن تعلن الدولة إفلاسها، فعل سبيل المثال دولة الصين طبقت قانون الحد من الزيادة السكنية من قبل، كما أنه لابد من إصدار قانون ضد التمييز الديني والعرقي والجنسي بكل أنواعه.
كيف يرى وزير الثقافة الأسبق حال التعليم في ظل الحكومة الحالية؟
وزير التعليم الحالي الدكتور طارق شوقي، يحاول أن يستفيد من تجارب الآخرين لكن النتيجة لن تظهر خلال عام أو عامين، فعلى سبيل المثال تجربة المدارس اليابانية هي مدارس ممتازة جدًا، ولابد أن تشارك فيه الأسرة ويجب أن تكون لديها قدر من التعليم، ولكن هناك أسر غير متعلمة ماذا يفعل معهم الوزير، وأرى إنه مجتهد ويحاول ويستحق كل الشكر ويكفي إنه يحاول ويجتهد، هناك وزراء لا يفعلون شيئًا.
ما تقييمك لأداء الحكومة الحالية؟
أرى أن أغلب الوزراء يجتهدون للخروج من عنق الزجاجة نحن نمر بأصعب الأوقات على كافة الأصعدة، لقد شاهدت حوار وزير الآثار ،"خالد العنانى" بالفرنسية خلال معرض توت عنخ أمون في باريس، حقًا إنه فخر لنا جميعًا، وأيضا وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، فهي نشيطة جدًا، ووزيرة الاستثمار ممتازة وهناك أعمال رائعة تقوم بها، أري أن الوزيرات حققن نتائج جيدة جدًا في الفترة الأخيرة لم يحققها رجال من قبل، وأتمنى أن تأتي امرأة حديدية تتولى حقيبة الجامعات المصرية لتحقق النجاح الكبير، هناك انتشار واسع للجماعات السلفية يقومون بنشر الأفكار المتشددة في عقول الطالبات، وهناك قاعدة كلما زاد عدد المنقبات كلما زاد وانتشر الفكر السلفي المضاد للدولة المدنية.
من وجهة نظر سيادتك أيهما أكثر خطرا ويعوق تقدم الدولة جماعة الإخوان أم السلفيون؟
أعتقد أن الاثنين أخطر من بعض على الدولة، للأسف السلفيون يتظاهرون أنهم في حالة تحالف مع الدولة وهذا غير صحيح، والإخوان يحاربون الدولة في العلن بالتحالف مع قوى خارجية.
هل هناك استخدام لمواردنا البشرية بالشكل الصحيح؟
لا أعتقد ولابد من استخدام العقل بالشكل الأمثل الذي يتماشى مع حجم مصر، لقد بدأت الدولة وقررت أنها لا تقوم بتعيين أي شخص جديد لأن جهاز الدولة به 7 ملايين موظف وهي لا تحتاج سوي 2 مليون، فقررت أن توقف التعيين، لابد عليها أن تقوم بتشجيع باقي الشباب لإقامة مشروعات خاصة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بحيث إنها لا تمثل عبئا على الدولة، ولابد من الاهتمام بالمدارس الفنية وعلى الدولة أن تحفزهم من خلال دفع مرتبات وعمل حملات إعلامية لتحفيزهم على الالتحاق بالمدارس الصناعية والفنية.
هل ترى أن الثقافة تستطيع أن تغير الخطاب الديني؟
بالتأكيد من خلال إعمال العقل واستخدامه، علي سبيل المثال الأخذ ببعض الأحاديث الصحيحة وتكون في حكم المتروك، مثل وما ملكت أيمانكم لا يوجد قانون يمنع هذا، ولكن مع تغير العصر وتغيير الخطاب الديني، كنا ندرس حاجة اسمها، "الناسخ والمنسوخ"، على سبيل المثال هناك نص قرآني ينص على أن السارق والسارقة تقطع أيديهم هل يطبق هذا النص بالطبع "لا"هذا هو الناسخ والمنسوخ بمعنى أن الحكم نسخ بتغير العصر، ولابد عدم الأخذ بأحاديث الآحاد، كحديث إذا بلغت المرأة المحيض لا يظهر منها إلا كفيها ووجهها وهذا حديث أحاد لا يأخذ به إذا طبق هذا الكلام سوف نحارب الفكر المتطرف.