بعد زواج دام أكثر من خمسة عشر عاما يتردد الآن أن ميلانيا ترامب تنوي طلب الطلاق من زوجها رئيس أقوى دولة في العالم بعد خسارته لمنصبه مباشرة، صحيح أنه من المعروف أن زواج ميلانيا وترامب لم يكن في أفضل حالاته قبل خسارة ترامب الانتخابات، وأنه ربما لدى ميلانيا الأسباب الكثيرة التي دفعتها إلى التفكير في الطلاق. إلا أن توقيت الإعلان عنه وارتباطه بفقد ترامب منصبه وسلطته ونفوذه أثارا تساؤلات ملحة: إلى أي مدى تتأثر المرأة بخسارة زوجها أمواله أو منصبه ونفوذه خصوصا إذا كانت الخسارة مفاجئة أو غير متوقعة؟ هل يصل الأمر بها إلى التخلي عنه وطلب الطلاق؟ وهل يعد هذا بالضرورة “قلة أصل” أم أنه أمر طبيعي له دوافعه النفسية؟
“نصف الدنيا» قررت أن تستطلع رأي النساء، وتستعرض بعض تجاربهن، ثم تحمل النتائج للمتخصصين في محاولة لإجابة السؤال.
«استيقظت إلهام ذات صباح من نومها الهانئ على مكالمة تليفونية من زوجها الذي لم تشعر به وهو يتسلل من جانبها في الصباح الباكر على غير عادته، لا تدري لماذا انقبض قلبها وهي ترى اسمه على شاشة المحمول متصلا بها في توقيت غير اعتيادي بالنسبة لها؟ ردت بلهفة على زوجها الذي أخبرها بصوت خائف مضطرب بأنه خسر كل أمواله التي جمعها للمضاربة في البورصة والتي باع من أجلها الشقة والشاليه اللذين كانا يمتلكانهما لتأمين حياة أبنائهما، تهاوت إلهام على أقرب مقعد وهي تشعر بأن حياتها تتهاوى معها، فكرت سريعا في رحلة عيد زواجهما التي كانت تخطط لقضائها خارج البلاد بعد أسابيع وفجأة تذكرت ما هو أهم.. أقساط المدرسة الأجنبية التي حوَّلت طفليها إليها منذ أعوام قليلة حين تحسَّنت أحوال زوجها المادية بصورة سريعة، وماذا عن ابنها الأكبر الذي يراسل الآن إحدى الجامعات في الخارج والتي كان ينوي الالتحاق بها هذا العام بعد تشجيع والده له؟ لم تستطع تخيل أبعاد الكارثة التي ستحل عليها وعلى صغارها عندما تتحول حياتهم من القمة إلى القاع.
توقف عقل إلهام عند مشهد قفز فجأة إلى رأسها، مشهد يجمعها بزوجها وهي تتوسل إليه ألا يغامر بالأموال كلها وأن يكتفي بما يمتلكانه من سيولة مادية للمضاربة ولا يبيع الممتلكات، تراه الآن وهو يقنعها بشراسة بأفضلية الوسيلة التي اختارها لاستثمار الأموال حتى أنه اتهمها بأنها لا تمتلك عقلية تجارية ولا روحا مغامرة، شعرت إلهام بالسخط الشديد على زوجها، شعورها بالغضب منه كان أكبر حتى من شعورها بالخوف من مواجهة الأيام المقبلة.. لا تدري كم مر من الوقت وهي جالسة في مكانها، كانت دموعها قد جفت على خديها عندما سمعت زوجها يفتح الباب وما إن أصبح أمامها حتى رفعت إليه عينين ثابتتين وهي تقول: طلقني».
استطلاع رأي
في استطلاع رأي قمنا به على أكثر من 35 سيدة وفتاة كان السؤال «هل تطلبين الطلاق إذا خسر زوجك أمواله أو منصبه»، لم يدهشنا كثيرا أن ثلاثين امرأة أجبن فورا بـ«لا» قاطعة.. كانت الإجابات من عينة: «يعني أنا اتجوزه في السراء وأسيبه في الضراء؟ لأ طبعا»، «مادام بحبه مش هيهمني الفلوس ولا أي حاجة»، «حصلت معايا وجوزي خسر شغله وبعنا الشقة وبنسدد ديوننا من تمنها وحاليا قاعدين في قانون جديد»، «إحنا اللي بنعمل الفلوس وبنجيب الشغل، يعني نقدر نعملها تاني»، «إتربينا إن الست تعيش مع جوزها على قده، إن كان كتير أو قليل»، «أنا حتى لو كنت كده كده هسيبه علشان أسباب تانية فأكيد لو خسر فلوسه مش هسيبه علشان دي كدة قلة أصل»، «يبقى هو كمان من حقه يسيبني بقى لو خسرت جمالي مثلا أو لو خسرت رشاقتي بعد الولادة، ودة محصلش»، «لأ طبعا.. الفلوس مش كل حاجة والدنيا شوية فوق وشوية تحت».
وحدها نورهان عبدالكريم –فتاة في الثانية والثلاثين، مرت بتجربة خطبة لم تكلل بالنجاح- قالت «سيتوقف قراري حينها على رد فعل زوجي نفسه، فإذا واجه خسارة منصبه أو أمواله بقوة ورباطة جأش وإصرار على التعويض ومنحني إحساسا بالأمان بالتأكيد سأقف إلى جانبه بالقوة نفسها وسأتحمل الظروف مهما كانت صعوبتها، أما إذا انهار ولم يعبر الأزمة بشجاعة واستسلم لها أو أصابه الاكتئاب والانزواء مثلما يحدث أحيانا، فلن أتردد في طلب الطلاق؛ لأن وجودي إلى جانبه لن يفيده وفي الوقت نفسه سيؤذيني شخصيا ويعرض سلامتي النفسية للخطر ووقتها لن ينفعني أو ينفعه بقائي وستصبح الخسارة خسارتين».
تشجعت مروة أحمد بعد حديث نورهان وقالت «قراري لو تعرض زوجي لأزمة أفقدته منصبه أو أمواله سيتوقف على أهدافي من تلك الزيجة في الأساس، فلو كنت تزوجته بسبب منصبه أو ثروته فمن الطبيعي أن أطلب الطلاق إذا انتفت تلك الأسباب أو انتهت ولن أعتبر هذا قلة أصل لأن الزواج عقد له شروطه وأحكامه، أما إذا تزوجته بسبب الحب فسأقبل تغيرات الحياة معه بمرها قبل حلوها».
ماذا يقول الواقع؟
كانت نتيجة استطلاع الرأي متسقة تماما مع ما هو معلوم عن «جدعنة» المرأة المصرية وأصالتها وصبرها وتحملها لأصعب الظروف التي تواجه زوجها، ومتسقة أيضا مع آلاف الحكايات الحقيقية التي تروي قصص كفاح نساء صبرن على تحول أحوال أزواجهن من اليسر إلى العُسر.. لكن الواقع أصبح مليئا أيضا بقصص سيدات تخلين عن أزواجهن في أزمات قوية عصفت بحياتهم.
يروي أحد الأزواج الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه تجربته قائلا «أنتمي إلى عائلة كبيرة حيث كان والدي أحد رجال الأزهر الشريف، وتقلدت في عملي منصبا مرموقا أتاح لي دخلا شهريا كبيرا يتجاوز ما كنت أحلم به كما حققت من خلاله شهرة في مجالي، كنت مستقرا مع زوجتي أم أبنائي إلى أن أصابني مرض عضال فجأة مما أدى إلى تغييرات أصابت جسدي بالوهن وملامحي بالشحوب وبطبيعة الحال تأثر عملي بشدة وتناقصت مواردي المالية، وبدلا من أن تقف زوجتي بجانبي حتى تمر المحنة فاجأتني بطلب الطلاق، لم أتردد في طلاقها لكنها عادت بعد فترة قصيرة تحت سطوة ألسنة الناس من المعارف والأقارب الذين اتهموها بالعيب لتخليها عن والد أبنائها فأعدتها إلى عصمتي بناء على رغبتها لكن الأمر لم يستقم طويلا لأن عودتها لم تكن نابعة من إرادتها فطلقتها للمرة الثانية غير نادم.
القصة الواقعية الأخيرة سنسردها أيضا دون الإشارة لشخوصها حيث كانت لزوجين يعيشان في دولة الكويت حيث يعمل الزوج هناك في منصب مرموق جدا مكنه من اقتناء قصر وسيارات فارهة وكان يودع فائض أمواله في البنوك، وحين اندلعت حرب الخليج كان الزوجان يقضيان إجازتهما السنوية بالقاهرة بصحبة أبنائهما الثلاثة وبالطبع لم يتمكنا من العودة وعلما بعدها أن القصر تم نهبه بالكامل وأنهما خسرا السيارات وكل ممتلكاتهما هناك وبطبيعة الحال خسر الزوج عمله هناك في الوقت نفسه، ولم يكن الغريب أن زوجته طلبت الطلاق وألحت فيه لكن الغريب أنه بعد طلاقها اكتشف أنها استولت على جميع أمواله في البنوك بتوكيل كتبه لها في أيام الرخاء، لكن الحرب انتهت سريعا على عكس توقع الزوجة التي لم تصبر على البلاء فعاد الزوج إلى الكويت وحاول استرداد بعض ممتلكاته بل وحصل على تعاطف الكثيرين فبدأ عملا جديدا وسرعان ما نمت ثروته كأنها تعويض السماء عن أمواله المنهوبة ولم تجرؤ طليقته السارقة على الظهور في حياته مرة أخرى ولو من بعيد.
امرأة انتهازية
يعقب الدكتور شاكر عبدالحميد أستاذ علم النفس بأكاديمية الفنون ووزير الثقافة الأسبق على استطلاع الرأي ونتيجته قائلا «لابد أن ننبه أولا أنه لا توجد أحكام عامة نطلقها على جميع النساء ولا على غيرهن ولابد من مراعاة الفروق الفردية في كل حالة سواء تخلت عن زوجها في مثل هذا الموقف أو تمسكت به، وإن رصد بعض الحالات لنساء تخلين عن أزواجهن بسبب خسارتهم لمناصبهم أو أموالهم لا يجعل منها ظاهرة يعاني منها المجتمع المصري الآن وانطباعي الشخصي أنها ليست في ازدياد. لكن بصفة عامة لا يخفى على أحد أن الأزمات الاقتصادية العامة الضاغطة تجعل من الأزمات الاقتصادية الخاصة صدمة مضاعفة، بمعنى أنه لو تعرض أحد لأزمة اقتصادية تخصه في مجتمع متعاف اقتصاديا فإن تأثير أزمته سيقل كثيرا عن أزمة شخص خسر أمواله في مجتمع يمر كله بأزمة اقتصادية كبيرة، لأن الأول غالبا سيستطيع النهوض سريعا والتعافي من أزمته. أما الثاني فسيصعب عليه ذلك كثيرا.
أما بالنسبة للنساء اللاتي يتخلين عن أزواجهن عند خسارة المال أو المنصب فيجب معرفة ظروف كل حالة على حدة، لأن أغلب تلك الحالات يكون طلب الطلاق فيها للسبب السابق هو كالقشة التي قصمت ظهر العلاقة الزوجية المتآكلة أصلا، أما إذا قامت المرأة بطلب إنهاء علاقة زوجية مستقرة وناجحة لمجرد أن الزوج خسر ماله أو منصبه فهذا يكون بسبب «التوقعات المحبطة» وذلك يعني أن العلاقة الزوجية كانت قائمة أساسا على المصلحة وفي هذه الحالة تكون المرأة انتهازية، ونصيحتي للمرأة التي يتعرض زوجها إلى الإفلاس أو خسارة منصبه أن تركز على الإيجابيات في الزوج وفي العلاقة الزوجية،
الاستقلالية المالية للمرأة
أما د. سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة فيقول: «استطلاع الرأي هذا واقعي ما دام أجري على الطبقة المتوسطة، فتلك الطبقة مازال الزواج يمثل عندها قيمة وضرورة فضلا عن تكلفته العالية التي يصعب إن لم يكن مستحيلا على أفرادها تعويضه أو تغييره فنجد نساء تلك الطبقة يتمسكن بالزوج ويتحملن معه الصعاب. أما الطبقة التي نجد فيها ظاهرة التخلي عن الزوج حال إعساره أو خسارة منصبه ونفوذه فهي الطبقة فوق المتوسطة لأن تلك الطبقة لا يمثل لها الاستقرار العائلي القوي قضية ذات قيمة كبيرة كما أن تكلفة «تغيير» الزواج لا تذكر بالنسبة لهم، فقد أثبتت دراسات اجتماعية أنه كلما استقلت المرأة اقتصاديا كانت أكثر قدرة على اتخاذ قرار الانفصال ومقاومة التقاليد التي قد تتهمها بـ«قلة الأصل» لو تخلت عن زوجها الذي خسر أمواله أو وظيفته.
في النهاية يجب أن نعلم أن الزواج علاقة إنسانية تقوم على عدة أسس مثل الحب والإخلاص والالتزام وأن العنصر الاقتصادي هو عنصر حاكم بين كل تلك العناصر، وأن لكل زوجة «حسبتها» الخاصة التي قد لا يعلم عنها أحد شيئا فقد تتمسك زوجة بزوجها الذي خسر كل شيء ليس بدافع الحب ولا الأصالة ولكن بدافع إحكام سيطرتها عليه مثلا، وقد تتمسك أخرى بزوجها المفلس نظرا لكبر سنها وعدم وجود فرص زواج آخر أمامها، وقد تتمسك ثالثة به لعدم وجود بديل اقتصادي، وفي كل تلك الحالات تبدو الزوجة وفية مضحية.. وقد تتخلى زوجة عن زوجها ليس لأنه أفلس ولكن لأنه شخص لا يطاق وجاء إفلاسه كمسمار أخير في نعش العلاقة الزوجية.