Close ad

أبحاث دولية تطرح هذا السؤال : هل أصيب المصريون بـ «كوفيد 19» قبل إعلان ظهوره ؟

29-7-2020 | 16:36
أبحاث دولية تطرح هذا السؤال  هل أصيب المصريون بـ «كوفيد  قبل إعلان ظهوره ؟المصريون
تحقيق ــ هاجر صلاح

< لاحظنا حالات عديدة مصابة بـ «التهاب رئوي غير معلوم المصدر» في نهاية 2019

< احتمال قائم.. وأي فيروس لا يمكن اكتشافه إلا بعد فترة من ظهوره خاصة إذا كانت أعراضه معتادة

< منظمة الصحة العالمية: لا يمكن تحديد بداية الفيروس بدقة إلا بإجراء مزيد من الأبحاث.. ومصر لديها نظام ترصد جيد للأمراض التنفسية
 

 

هل مررت بـ «نزلة» برد شديدة الوطأة وبأعراض كتلك التي تنسب لكوفيد 19، وذلك في الفترة التي سبقت الإعلان الرسمي عن ظهور إصابات في مصر؟! وهل دفعك ذلك للاعتقاد بأنك أصبت فعلا بالفيروس المستجد ؟ كثير من المصريين باتوا يعتقدون ذلك بالفعل، وترسخ اعتقادهم خاصة بعد تداول عدد من الأخبار، يشير إلي ظهور «كورونا المستجد» في ووهان في أغسطس الماضي، أي قبل أن تعلن الصين رسميا عن اكتشاف المرض في ديسمبر، هذا فضلا عن الاتهامات «الأمريكية» للصين بتأخير إعلانها اكتشاف الفيروس في نهاية نوفمبر. علي جانب آخر، كشف المعهد الوطني الإيطالي للصحة عن عثوره علي آثار للفيروس المستجد في مياه الصرف الصحي منذ ديسمير الماضي، أي قبل الإعلان عن ظهور إصابات بإيطاليا في فبراير 2020، وكذلك الأمر في إسبانيا والبرازيل. ومن المعروف أن حركة الطيران كانت لا تزال قائمة خلال الشهور الاخيرة من 2019، ومطلع 2020..

وأخيرًا؛ صرح أحد علماء جامعة أكسفورد البريطانية بأنه يعتقد أن فيروس كورونا المستجد كان خاملا في جميع أنحاء العالم وظهر عندما أصبحت الظروف البيئية مناسبة له، مستدلا بالأمثلة السابق ذكرها، بالإضافة إلي استشهاده بظهور حالة في إحدي الجزر دون أن يكون هناك اختلاط مع آخرين خارج الجزيرة.

كل ذلك دفعنا لنتساءل عن مدي صحة الاحتمال بإصابة المصريين بالفيروس في الشهور الأخيرة من 2019 وبداية 2020، وكيف يمكن لمن يساورهم الشك بإصابتهم «المبكرة» أن يتأكدوا من ذلك فعلا؟!

الفيروس لا يظهر فجأة

يكشف لنا د. تامر حسن ــ طبيب الأمراض الصدرية ومدير العيادات الخارجية بأحد المستشفيات الخاصة -عن أنه بالفعل كان من الملاحظ في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019 ظهور إصابات بالتهاب رئوي «غير معلوم المصدر». صحيح لم تكن هناك زيادة «مرعبة» ولم يكن هناك ضغط علي المستشفيات، لكن عندما تم إجراء كل التحاليل الفيروسية المعروفة لأصحاب تلك الحالات، كانت النتيجة سلبية. إذن فقد يكون السبب كورونا المستجد أو ربما غيره، فلا يمكن القطع بالإجابة، لأن الادوات المعملية حينها لم تكن متوافرة بعد، إذ لم يكن قد تم الكشف عن الشفرة الجينية لكورونا المستجد وبالتالي لا توجد تحاليل للكشف عنه. ومن هؤلاء المرضي من شفي ومنهم من توفي.

ويضيف د.تامر أن أي فيروس عموما، أيا كان نوعه، لا يمكن علي الإطلاق تحديد متي ظهر بالضبط وبدقة، فقبل اكتشاف أول اصابة التي يطلق عليها خطأ الإصابة «زيرو»، يكون الفيروس قد أصاب عددا من الناس لكن لم يتم اكتشافهم، خاصة أن كوفيد 19 أعراضه معتادة ومماثلة لنزلات البرد، وبالتالي من الصعب أن يشك أحد في وجود فيروس جديد، ولذلك قد يستغرق الأمر وقتا لاكتشافه.

سألناه: هل لعب الإعلام دورا في «بث الفزع»، وربما كان من الممكن ألا يزيد الضغط علي المستشفيات كما كان الوضع عليه من قبل الإعلان عن الفيروس؟ أيد د. تامر هذا الطرح، مؤكدا أن الإعلام لعب علي فكرة "التخويف" أكثر مما لعب علي عنصر «التوعية»، وزاد الأمر تعقيدا ذلك البيان اليومي (المحلي والعالمي) الذي كان ينتظره معظم الناس بقلق بالغ وكأنه «نهاية العالم»، رغم أن الأمر لم يكن يستوجب سوي التركيز علي نشر سبل الوقاية من العدوي. يتابع د. تامر: لا يمكن إعفاء منظمة الصحة العالمية أيضا من نشر هذا الهلع، خاصة مع تصريحاتها المتناقضة بشأن ضرورة ارتداء الكمامات، وتوصياتها بفرض حظر التجوال الكلي والجزئي والذي اتضح أنه لا يمنع انتشار فيروس وإنما ارتداء الكمامات أيا كان نوعها هو العنصر الأهم، وللأسف الحكومات لا تملك من أمرها شيئا، وترضخ لتوجيهات المنظمة، لكن في النهاية، فإن إطلاق الإعلام علي كورونا المستجد بأنه «الفيروس القاتل» كان له أثر سلبي مخيف علي الناس أكبر من تأثير الفيروس نفسه، وكان الأمر سيمر بسلام إلي حد ما لولا ما حدث من ترهيب، وإذا لم تثبت التوجهات «المغرضة» لمنظمة الصحة العالمية في هذه الأزمة، فعلي الأقل يمكن اتهامها بسوء الإدارة.

من ناحيته، لا يستبعد د.أحمد الجندي ــ أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة الإسكندرية ومتابع جيد للأبحاث الدولية المتعلقة بالفيروس المستجد - أن يكون بالفعل أصيب البعض بالفيروس، وقد لاحظ هو فعلا أن كثيرين من المحيطين هاجمتهم نزلة برد شديدة قبل الإعلان عن كورونا المستجد، ومن المحتمل أيضا- وفقا لتقديره ــ أن تكون بسبب فيروس H1N1، إذ كان منتشرا في أواخر 2019، وهو قد يتسبب أيضا في الإصابة بالالتهاب الرئوي، وله أعراض مشابهة لكورونا المستجد. أما فيما يتعلق بكيفية التأكد من حدوث الإصابة من عدمها، فهو تحليل الأجسام المضادة، وإن كان لا يتمتع بدقة عالية، والسبب هو تماثل الأجسام المضادة لكل سلالات فيروس كورونا، أي قد تظهر نتيجة التحليل إيجابية، لكن لا يجزم ذلك بأنها أجسام مضادة لكورونا المستجد.

يتابع د.الجندي: في ألمانيا، اتخذت الحكومة قرارات بتحليل الأجسام المضادة لكورونا بحيث من تظهر إيجابية تحليله يمكنه التنقل والعودة للعمل، خاصة في المهن الضرورية، بالاضافة إلي الأطباء الذين يعملون في الصفوف الأمامية، علي أساس أنهم اكتسبوا مناعة ضده، ثم عادت الحكومة وتراجعت عن قرارها بعد أن اتضح عدم دقة النتائج، خاصة أنه يدفع صاحبه للتخلي عن إجراءات الحماية والحذر. ويشير الجندي إلي أن تحليل الأجسام المضادة سيكون أكثر مصداقية إذا تم إجراؤه في بداية الشعور بالاصابة، حيث يظهر نوع من الأجسام المضادة في بداية الاصابة (IgM) ثم يختفي بعد التعافي ويظهر نوع آخر هو (IgG) ، فإذا تم تتبع الأمر يتم الجزم بالإصابة، أما عمل التحليل الأخير فقط فدقته لا تتجاوز 50%. وينصح د.الجندي أن من يعتقد بإصابته ألا يتخلي عن حذره، صحيح أن الإصابات السابقة بالفيروسات بشكل عام ، وفيروسات كورونا بشكل خاص، يقوي جهاز المناعة، لكن هذا لا يعني أيضا التخلي عن الإجراءات الوقائية.

الحذر مطلوب

ويؤكد د.عبد الهادي مصباح ــ أستاذ المناعة والميكروبيولوجي ــ هو الآخر أن احتمال إصابة المصريين بكورونا المستجد قبل إعلان الحكومة المصرية عن اكتشاف إصابات وارد وغير مستبعد، مدللا علي أن كثيرين مروا فعلا بأعراض كورونا المستجد في الشهور الأخيرة من عام 2019. مدللا علي حديثه بفيروس «الإيدز» الذي لم يتم اكتشافه إلا في ثمانينيات القرن العشرين، لكن بعد أبحاث عديدة، تم التوصل إلي أن أول إصابة به حدثت في إفريقيا عام 1959، وأن هناك من أصيب به بالفعل وتوفي دون أن يعلم أحد بإصابته، وبالتالي فإن وقت اكتشاف الفيروس لا يكون أبدا هو وقت ظهوره. أما بالنسبة لتحليل الأجسام المضادة لكورونا المستجد، فمن يظهر أنه يحمل الـ IgG، فمن المحتمل أن يكون قد أصيب بالفعل، وهي تبقي في دم المتعافي، لكن هذا لا يعني أنه غير معرض للإصابة بالفيروس من جديد، لكن الإصابة تكون مسجلة في ذاكرة الجسم المناعية.

أعراض متشابهة

طرحنا افتراضنا علي د.عمر عبد العزيز - مسئول برامج الاستعداد والترصد في المكتب الإقليمي لشرق المتوسط - فكان رده بأنه من الصعب حتي الآن تحديد بداية حدوث الإصابة بالفيروس المستجد بشكل محدد ودقيق، خاصة أنه يتسبب في أعراض مشابهة لأعراض الأمراض التنفسية بشكل عام، ولذلك فإن فرضية إصابة المصريين بالفيروس من قبل اكتشافه رسميا في مصر تظل قائمة ومحتملة، خاصة أن حركة تنقل الأفراد من وإلي الدول التي ظهر فيها الفيروس كانت لاتزال مستمرة. (أول حالة تم إعلان إصابتها في مصر كانت في 14 فبراير الماضي لأجنبي).

يتابع د.عمر: من المعتاد أن يصاب المصريون بنزلات الأنفلونزا والالتهابات الرئوية في الفترة بين نوفمبر ويناير من كل عام، وقد يكون سببها هذا الموسم كوفيد 19، لكن حتي يمكن تحديد ذلك بدقة، فلابد أن تقوم السلطات الصحية من خلال نظام الترصد المتاح لديها، بالعودة لأي عينات تم اتخاذها خلال تلك الفترة من المرضي الذين ترددوا علي المستشفيات، وغالبا ما سيكونون من الحالات التي عانت من أعراض تنفسية حادة - فأصحاب نزلات البرد العادية عادة لا يترددون علي المستشفيات - ويتم تحليل تلك العينات، خاصة بعد أن توفرت الأدوات المعملية لتحليل كورونا المستجد.

ويستطرد: مصر لديها نظام ترصد جيد للأمراض التنفسية، وبالمناسبة، فإن وزارة الصحة المصرية تقوم سنويا من خلال ما يعرف بالترصد المخفري بمتابعة كل العينات المسحوبة من المترددين علي المستشفيات ويعانون أعراضا تنفسية حادة، وتحلل تلك العينات لمعرفة نوع الأنفلونزا الموسمية، وبالتالي تحديد نوع «الفاكسين» المناسب، ففيروس الأنفلونزا الموسمية يختلف من عام لآخر. وهناك دول بدأت في عمل أبحاث بالفعل على العينات المسحوبة من المرضي الذين أصيبوا بالتهابات رئوية في موسم الشتاء الماضي لتعرف بدقة متي ظهر الفيروس لديها.

بسؤاله عن مدي فعالية إجراء تحاليل الأجسام المضادة للمواطنين بشكل عام، للتأكد من تلك الفرضية، أوضح د. عمر أن هذا النوع من التحاليل يساعد بالفعل في معرفة الوضع الوبائي للفيروس في كل دولة، بحيث يمكن أن نعلم إلي أي مدي انتشر بين السكان، وهناك دول بدأت في عمل تلك التحاليل بالفعل، وتوفر منظمة الصحة العالمية بروتوكولا لإجراء تلك البحوث، لكن المشكلة حتي الآن أن دقة وحساسية تلك التحاليل ليست بالجودة المطلوبة، ونتائجها ليست دقيقة، ولذلك توصي المنظمة بأن تقوم الدول بعمل أبحاث عديدة علي الفيروس الموجود لديها للوصول الي أدق خريطة جينية له، وبالتالي تطوير الادوات المعملية بحيث تمكنها من تشخيص الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم بعد التعافي من الفيروس بدقة عالية.

فجوات بحثية

وفي هذا الإطار، لا تزال تجري البحوث لتحديد المدة الزمنية لبقاء الأجسام المضادة في جسم المتعافي، من ناحية أخري، يوجد تقاطع كبير بين الأجسام المضادة التي تنتجها فيروسات عائلة كورونا بشكل عام، وهي بالمناسبة من أكبر العائلات الفيروسية.

وبالطبع فإن الأبحاث المستمرة تمكن كل دولة من مقارنة الوضع الوبائي لديها علي مدي فترات زمنية مختلفة، بالاضافة إلي مقارنة وضعها مع غيرها من الدول، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن كوفيد 19 من المرجح أن يكون فيروسا موسميا، وبالتالي لا يجب أن تنقطع الأبحاث بشأنه، فحتي الآن توجد فجوات بحثية كثيرة.

ويعتقد د. عمر أن أسوأ ما حدث في أزمة "كوفيد ـ 19" هو انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة وما ترتب عليها من إشاعة لحالة من «الذعر»، وقد اعتقد البعض أن إشاعة الخوف هي السبيل لحماية الناس، وهو أمر غير صحيح علي الاطلاق، مشيرا إلي أن منظمة الصحة العالمية لم يحدث أن وصفته بالفيروس «القاتل « أو المميت» بل الإعلام من فعل للأسف، وهو ماترتب عليه أن كثيرا من أصحاب الأمراض المزمنة توقفوا عن الذهاب الي المستشفيات لمتابعة حالتهم الصحية خوفا من العدوي، فكانت الخسائر في الأرواح بينهم بسبب تدهور حالتهم الصحية، لا بسبب كورونا.

 

  • د.عوض تاج الدين: وزارة الصحة قامت بتحليل عينات تعود لنهاية 2019 ولم يثبت بها وجود كورونا المستجد

 

طرحنا سؤالنا علي د.محمد عوض تاج الدين ـ مستشار رئيس الجمهورية لشئون الصحة والوقاية، مستندين على نتائج الأبحاث التي أجريت في إيطاليا وإسبانيا وغيرهما، فكان رده مبدئيا أنه لا يمكن البناء علي تلك الأبحاث التي تتداولها المواقع الإخبارية، خاصة أن نشر تلك الأخبار لا يكون مدققا أو موثقا علميا كما ينبغي. ومع ذلك ـ والكلام للدكتور تاج الدين ـ فقد كان هناك احتمال مطروح بأن يكون من ضمن الحالات التي أصيبت بأمراض تنفسية في شتاء 2019 ، أن يكون سببها كورونا المستجد، ولذلك قامت وزارة الصحة بتحليل عينات «قديمة» لديها تعود لتلك الفترة، لكن أثبتت التحاليل خلوها من كوفيد 19، وبالتالي فقد يكون سبب الإصابات فيروسات الإنفلوانزا الأخري التي عادة ما تنشط في موسم الشتاء.

ويشير د.تاج الدين إلي أنه يمكن لمن يريد التأكد إذا ما أصيب فعلا بفيروس كورونا المستجد في أشهر الشتاء الماضية، أن يقوم بتحليل الأجسام المضادة (IgG)، فإذا كانت نتيجته إيجابية، فهذا يعني أنه أصيب وتعافي منه بالفعل، وهذه الأجسام المضادة التي كونها الجسم تستمر لمدي العمر، وبالتالي يمكن إجراء التحليل حتي بعد مرور أشهر علي التعافي.

بالطبع لم يكن حديثنا ليغفل الخطة التي وضعتها الدولة المصرية بمجرد اكتشاف الفيروس في الصين، والتي كان هدفها محاصرة الفيروس حتي لا ينتشر، وهو ما دفع الدولة في المراحل الأولي لعزل كل من تثبت إصابته بالاضافة إلي المخالطين له في مستشفيات العزل، خاصة أن الوضع في العالم كان ينبئ بخطر داهم، ومع تزايد الإصابات أصبحت الأولوية في المستشفيات لأصحاب الحالات الحرجة، وبالتأكيد ــ بفضل الله وكرمه ــ استطاعت مصر أن تمر من الأزمة بشكل معقول مقارنة بدول أخري عديدة كان الوضع بها كارثيا.

سألناه إذا ما كان كورونا المستجد سيصبح فيروسا «موسميا» ويتجدد ظهوره من حين لآخر، أوضح مستشار الرئيس لشؤون الصحة أن هذا الأمر لا يزال خاضعا للدراسة ومن السابق لأوانه الجزم به. وفي ختام حديثه؛ لم يخف د.تاج الدين ضيقه من بعض الممارسات الإعلامية التي جنحت في تغطياتها بعيدا عن الدقة والموضوعية بهدف الإثارة ولفت الانتباه، وهو ما لا يجوز عموما، فضلا عن أن يجوز في أوقات الأزمات.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة