Close ad
24-6-2021 | 17:44

شهادة محمد حسين يعقوب، أمام محكمة "خلية داعش إمبابة"، أصابت جماعة الإخوان الإرهابية والتيار السلفي ودراويش دعاة اغتصاب منابر المساجد بالأحياء الشعبية عنوة وبالإجبار، بصدمة عنيفة هزت كيانهم، لكشفها المستور عنهم وعن ضحالتهم وجهلهم بشئون وأمور وحقيقة ديننا الحنيف، الذي شوهوا صورته وجعلوه مرادفًا للتشدد والعنف.

صدمتهم جعلتهم يهرعون للبحث عن ورقة توت تستر عورتهم التي انكشفت، وهداهم تفكيرهم المعوج إلى إطلاق فرية أن الدولة المصرية تحارب الإسلام وتعاديه، آملين أن تكون فريتهم طوق إنقاذهم ونجاتهم من الجُب العميق الذي سقطوا فيه، وتحفظ لهم في الوقت نفسه ماء وجههم وقاعدتهم الجماهيرية العريضة، التي تمنحهم عطايا ومزايا ومنافع لا حصر لها من أموال وهدايا وقصور شاهقة وخلافه، وهم لا يودون خسارة كل ذلك، ويريدون أن يواصلوا بيع بضاعتهم الفاسدة والمسرطنة في أسواق مدننا وقرانا تحيطهم الطمأنينة والسكينة، وادعاء كاذب بالمظلومية والاضطهاد.

وحسبوا أن فريتهم تلك ستجد صداها لدى البسطاء من الناس خارج حدود أتباعهم، الذين يسيرون بلا هدى على منهج السمع والطاعة العمياء، وأخذوا يشددون عليها ويعيدون ويكررون فيها عبر منصاتهم الإعلامية، ولم ينتبهوا إلى أنهم هم مَن يحاربون الإسلام حقًا، ويعتدون عليه اعتداء سافرًا وفجًا يستحقون عليه العقاب الأليم، كيف؟

ابتداء أليسوا هم مَن استباحوا الدين وسمحوا لأشخاص كل حظهم ونصيبهم من المعرفة الدينية عدة كتب عكفوا على قراءتها في سويعات معدودات، وانتقوا منها ما يلائم أفكارهم وتوجهاتهم الخبيثة وغير الحصيفة ويخدم سعيهم الحثيث للثروة والشهرة، وداسوا في طريقهم عن عمد على ثوابت وقواعد تحدد من الأحق بإصدار وإطلاق الفتاوى، ومارسوا عبر سنوات أساليب كانت رافدًا رئيسيًا لتنامي التشدد والتكفير وحمل السلاح في وجه الدولة وأبناء وطنهم.

الجزئية الأخيرة عليها شواهد كثيرة عاصرناها جميعًا سابقًا وحاليًا، منها إرسال خيرة شبابنا لأفغانستان للقتال مع جماعات عرقية احترفت الاقتتال فيما بينها، خلال الاحتلال السوفيتي لبلادهم، لاحتكار الزعامة والسلطة، أي أن هدفهم الأول والأخير لم يكن الدفاع عن الإسلام ومقاومة المحتل، بقدر ما كان الحكم وصولجانه، وبعدما رحل السوفيت انخرطوا في حرب أهلية دامية لا تزال مستعرة ليومنا هذا، وبعدها عادوا للوطن ليوجهوا أسلحتهم لصدور إخوانهم من المصريين.

وحديثًا دفعوا بشباب غض لسوريا للالتحاق بجماعات مسلحة صنعتها أجهزة مخابرات أجنبية لتدمير الدولة الوطنية السورية، وأصبحوا مرتزقة يخدمون من يدفع أكثر نظير خدماتهم القذرة المدمرة للأوطان تحت لافتات وشعارات نصرة الدين والمسلمين المضطهدين، ومنِ بين الذين احترفوا تصدير الشباب لسوريا واحد ممن ذاع صيتهم بين السلفيين في السنوات الماضية، انطلاقًا من مسجد يخطب فيه بإحدى محافظاتنا، وخرج نجل هذا الرجل معلقًا على شهادة محمد حسين يعقوب، مستشهدًا بحديث نبوي ملخصه ومعناه أنه يجوز للمؤمن الكذب وقول ما يخالف قناعاته، لينجو بنفسه من الضغوط الواقع تحتها.
 
وأنعش ذاكرة حضراتكم بواقعة جرت في أثناء عام حكم الإخوان الأسود لمصر، عندما اعتلى منبر مسجد عمرو بن العاص إخواني خليجي شهير تحدث عن وجوب "الجهاد في سوريا"، وحمس الحضور على الذهاب للأراضي السورية من فورهم، وخرجت بعض وسائل إعلامنا تمتدحه وتعدد مناقبه، وفي اليوم التالي غادر القاهرة متوجهًا إلى لندن للاستجمام بعاصمة الضباب، وقضاء عطلته الصيفية فيها، فهو يرسل آخرين لحتفهم ويزهق أرواحهم بدون سند شرعي يُعتد به، بينما يستمتع هو بجمال الريف الإنجليزي والهواء العليل فيه، بدون أي شعور بندم أو تأنيب ضمير، وذاك نموذج من نماذج لا حصر لها تدلل على ازدواجية هؤلاء الذين ما إن تقع الواقعة حتى يقولوا ما لنا ذنب فيها، وهم يرتدون قناع البراءة والمسكنة ويتكلمون عن وسطية الإسلام الغريب بين أهله، ويحاربه الأمريكيون والأوروبيون والأنظمة الحاكمة في المنطقة.

ولم تكن هذه وحدها جريرتهم وجريمتهم النكراء، إذ إنهم سعوا جاهدين للقفز فوق مؤسسات لها شرعيتها ووزنها، مثل الأزهر الشريف وهيئاته، ودار الإفتاء المصرية، ووزارة الأوقاف، وحاولوا إقامة كيانات ومؤسسات موازية، إن لم تكن بديلة لتحل محلها، وتأتمر بكلمتهم، وتصبح مرجعية لها قولها الفصل فيما يتعلق بما يهم المواطنين من تساؤلات واستفسارات يومية، وفقًا لأهوائهم ومفاهيمهم الغارقة في التطرف، واختزال الإسلام على رحابته في جوانب متعلقة بالمظهر الخارجي للإنسان، ونبذ الآخر، وتحريم التعايش بين الثقافات والحضارات المختلفة، والتعاطي بعقليات منغلقة تخاصم التجديد والتطوير والأخذ بالجديد في مناحي الحياة المتنوعة، ولنا مثال في تشكيك بعض الجماعات السلفية والمتطرفة في جدوى لقاح فيروس كورونا، والتحريض على عدم أخذه، وهو ما يتعارض كلية مع تعاليم الدين الحنيف لدرء المخاطر وتجنب الوقوع فيها.
 
وأزمتنا الحقيقية والخطيرة ليس فقط في هذه النوعية من البشر الذين أرفض رفضًا قاطعًا وباتًا وصفهم بالدعاة، بل أيضًا في ذريتهم من غير أصلابهم، وهم الأفراد والجماعات التي تشربت تعاليمهم ومعتقداتهم غير السوية وغير المتسقة مع شرع الله عز وجل في علاه، وبدورهم سينقلونها بحذافيرها، وربما يضعون لمساتهم السحرية عليها للتفوق على أساتذتهم في الشطط والإغراق في التطرف، وتكون النتيجة الطبيعية والمتوقعة إفراز مزيد من المتطرفين والإرهابيين.
 
ومَن يسترجع سير ومسارات إرهابيين كالظواهري وغيره لن يشق عليه اكتشاف تأثرهم وافتتانهم بشخصيات محدودة الثقافة والتعليم العام والديني، وتحولهم على أيديهم لقنابل تناصب المجتمع العداء والكراهية، وقرروا إقامة مجتمعات تتوافق مع تصوراتهم وخيالاتهم المريضة، ونجحوا في استقطاب آخرين واتسعت دائرة محترفي الإرهاب والقتل واستباحة الأموال والأعراض ودور العبادة الإسلامية والمسيحية، وتجاوز خطرهم الحدود المحلية إلى العالمية.

لذلك فإنه من الواجب التصدي بكل قوة لمن يتجرأ على الدين، ويحترف تشغيل ماكينة الفتاوى بلا حسيب ولا رقيب دونما اعتبار للجهات المنوط بها الإفتاء ومسئولة عنها مسئولية كاملة، وفقًا لضوابط شرعية صارمة لا يحيدون عنها قيد أنملة، وأظنكم عرفتم الآن مَن هم الذين يحاربون الإسلام ويضربونه في مقتل بالجهل والعنتريات الجوفاء، ودغدغة مشاعر الناس باللعب على الوتر الديني الحساس.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: