"لم توجد الكنيسة لتدين الناس بل لتضعهم وجهًا لوجه مع المحبة الخالصة النابعة من روح ورحمة الله"
في عظته الثانية وضع البابا فرنسيس منهجه ورؤيته للكنيسة ودورها الوجداني والروحي في علاج البشر (كل البشر) بالمحبة لا بالعقاب ولا بالأحكام على سلوكهم وعقابهم على أخطائهم أو ضعفهم وجراحهم؛ بل بإصلاح نفوسهم وأرواحهم بدواء المحبة.
عن حياة ورؤية وطبيعة شخصية ودور البابا فرنسيس المرسم عند مليار وثلاثمائة مليون كاثوليكي على مستوى العالم في الثالث عشر من مارس في عام 2013، قدم الكاتب والباحث إميل أمين كتابه القيم (البابا فرنسيس .. فقير وراء جدران الفاتيكان)، والعنوان يكشف هنا جزءًا كبيرًا عن صفة الزهد في فطرة البابا حتى قبل أن يصبح بابا للفاتيكان ويصر أن يترك سكن الباباوات في القصر الرسولي وفضل عليه شقة صغيرة في نُزل سانتا مارتا مُكونة من غرفتين، وهذه عادته الأصلية وسلوكه حين كان رئيسًا لأساقفة العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس، قد ردد البابا فرنسيس في مناسبات عدة مقولة "شعبي فقير وأنا واحد منهم"، وهذا بالفعل سلوكه في الظاهر والخفاء، فقد رصد بعض الصحفيين الاستقصائيين تجرده من الملابس البيضاء الرسمي وارتداءه ملابس عادية للغاية والخروج ليلًا بمفرده وبسرية تامة ليوزع بنفسه الصدقات على الفقراء والمشردين في جوار الفاتيكان، ولا سيما في أزمنة البرد القارس.
الكتاب الذي تزيد صفحاته على ثلاثمائة صفحة لا ترسم فقط ملامح شخصية البابا ودوره الروحي لرعيته، لكنها أيضًا تكشف عن تحركاته من أجل الإنسانية شرقًا وغربًا؛ حيث مَثَل الباب جسرًا بين الشرق والغرب ولا سيما بين الإسلام والمسيحية لتكون أيامه علاقة ممتدة ومتواصلة بين الكنيسة الرومانية وباقي الأديان؛ لذلك لا نتعجب أن يصبح البابا فرنسيس محبوبًا في العالمين العربي والإسلامي.
وتوجت جهوده في تلك السنوات القليلة بوثيقة تقدمية ووجدانية "وثيقة الأخوة الإنسانية" التي وُقعت في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة في الرابع من فبراير عام 2019، ذلك اليوم الذي أعدته الأمم المتحدة بداية من العام 2021 يومًا عالميًا للأخوة الإنسانية.
في بداية رحلتنا مع الفقير خلف جدران الفاتيكان يصف الكاتب شخصيته الأثيرة على الصفحات بأنها تحمل ثورة كاملة وليست مجرد مسيرة شخص، فثورة فرنسيس هنا على الكراهية والأحقاد، على الجدران العالية التي تفصل البشر عن بعضهم البعض، على الاقتصاد الإقصائي الذي يهمش المستضعفين في الأرض، على أولئك الذين يرون في الحياة صفقة مادية، ويعدون الأرض دار مقر إلى الأبد، على الذين يُسخرون الأديان لتضع العقبات من أجل الافتراق لا الاتفاق.
الكتاب بما يحمل من تقديم واع ومختلف وعميق ومحب لشخصية البابا فرنسيس الشخصية المسيحية الأهم في العالم كله، قد يحمل دعوة من كاتب مصري يعبر بقلمه عن محبة شعب ودولة لقداسة البابا ودعوته قريبًا لأم الدنيا التي اتسعت دومًا لأهل المحبة والخير والسلام من كل العالم.