لقد صار ضرورة ملحة وفرضًا وواجبًا أن تشهد المنطقة العربية وحدة لا لبس فيها ولا تلكؤ، وحدة حقيقية تمثل حائط صد منيع لأي تدبير يحاك لهذه البقعة الكبيرة من الكرة الأرضية التي يجمعها رباط الدم والهوية الثقافية والاجتماعية واللغة، ولعلها فرصة عظيمة في هذا التوقيت الصعب الذي تمر به القضية الفلسطينية، حيث لا وقت لخطاب انهزامي يتصور أن فكرة الوحدة والتضامن العربي بات مجرد أوهام.
في حين أنه الأمل الأبقى، بعد سنوات من التخبط بدأت بعد الربيع العربي، خصوصًا في ولاية ترامب، والتي كانت السنوات الأصعب على القضية الفلسطينية، التي انتقلت من وضع سيئ إلى أسوأ، في ظل ضربات موجعة متتالية نالت من الدول العربية، ومن قبل الربيع العربي عاشت المنطقة النكبة، ثم النكسة مرورًا حرب الخليج واحتلال العراق، ثم ثورات الربيع العربي وانهيار عدد من الدول العربية في خضم حروب أهلية وعلى رأسها بالطبع سوريا التي تعد أحد أبرز بلدان المواجهة مع إسرائيل.
فماذا بعد أن عشنا سنوات طوال من الاحتراب الطائفي والصراع الإثني والمذهبي الذي أصبح يهدد النسيج الاجتماعى، واتسعت دائرة الاتجاهات الإقليمية والانعزالية، فكان من نتائج ذلك تجزئة بعض البلدان عمليًا كالعراق، والسودان، وليبيا واليمن، ولم تتوقف الحرب المعلنة على الهوية العربية، وموقف القوى الغربية والصهيونية ومشاريعها الرافضة لفكرة الوحدة العربية، وخلو المنطقة العربية من لاعبين كبار كالعراق وسوريا أتاح المجال لعدد من القوى الأجنبية للتوغل في العمق العربي والسيطرة بصورة غير مباشرة على عدد من العواصم العربية.
واستمر النزيف بوصول دونالد ترامب لرأس السلطة في الولايات المتحدة، ليبدأ بعدها في منح عطايا مجانية لإسرائيل معترفًا بالقدس عاصمة لها، وكذلك اعتبار الجولان أرضًا إسرائيلية، كما قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، كذلك عمل ترامب على تصفية القضية الفلسطينية من خلال ما يعرف بصفقة القرن والتي لم يكتب لها النجاح، فهي عبارة عن مشترٍ بلا بائع، وبعد أن كان المبدأ منح من لا يملك من لا يستحق، ازداد الفجور وتحول المبدأ لمنح من لا يملك كل شيء لمن لا يستحق وعلى المالك القبول والمباركة دون الحصول على أي شيء.
كما ازداد الوضع العربي انشقاقًا فوق انشقاقه، ولجأت بعض الدول العربية إلى الاعتراف بإسرائيل في محاولات لنيل بعض المكاسب وسط حالة من التخبط العربي، فهل ستفي إسرائيل بوعودها وأمريكا بضماناتها لهذه الدول بإيجاد حل دائم وشامل للصراع العربي - الإسرائيلي؟ أشك في ذلك، ما لم يتمسك العرب بفرصة التوحد والتكاتف خصوصًا بعد المصالحة الخليجية، وبدء عودة العلاقات إلى سابق عهدها، أو على الأقل هدوء حالة التوتر، وبداية لملمة الجراح العربية وإعادة هيكلة العلاقات مع الدول الإقليمية في المنطقة، كل ذلك يجعلنا نؤمن يقينا بأن التضامن العربي ووحدة الصف هما المناص الوحيد إذا ما أرادت المنطقة النجاة، وبأن الخطوات الأحادية لن تغني ولن تسمن، فالتحدي في غاية الخطورة، ويجب أن نكون قد تعلمنا من تجاربنا السابقة بأن أمان المنطقة يتمثل في وحدته، وبأن الثور الأبيض قد أُكل يوم أُكل الثور الأسود.
ففي الوقت الراهن تعد القضية الفلسطينية هي القضية الأولى في عالمنا العربي، ولن يلتئم جرح أمتنا دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية،لكن لابد من إعادة التفكير في مواجهة المخاطر بواقعية تتلاءم مع معطيات 2021 وما سيليها، وبعد أن بدأت مصر تحركها بقوة كقائدة للأمة العربية، وأسهمت بنجاح كبير فيما فشل فيه مجلس الأمن والدول الكبرى المساندة للكيان الإسرائيلي، من وقف لإطلاق النار بين الإسرائيليين والمقاومة الفلسطينية ووقف التصعيد في غزة، كما أنها في هذا التوقيت تعمل على ضمان السلام في المنطقة والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، وإتمام المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
وتجري المحادثات والتحرك المصري الدؤوب للم شمل الفلسطينيين جميعًا، بالتوازي مع التحرك الدولي لضمان حقوقهم بعد سنوات من الحروب والاستيطان الذي صار حجرًا ثقيلًا في نعل السلام، تسعى مصر بجهودها ومحادثاتها مع الإدارة الأمريكية والدول الكبرى لوقفه، لذا يجب أن يتم استثمار هذا الجهد الكبير والبارز، وأن يلتف باقي العرب حول مصر لوضع أجندة موحدة قادرة على بناء ما تم تدميره من دولنا العربية، وحماية من لم تطله قوى الشر الخارجية، التي لم تكن لتنجح لولا حالة التشرذم العربي، لأن أساليب المواجهة القديمة قد عفى عليها الزمن، ويجب أن نعيد بناء أهدافنا من جديد وقبل كل شيء وحدتنا.