ها قد وصلنا إلى الساعات الأخيرة في عداد الوقت الذي يؤذن بانتهاء أيام شهر رمضان لهذا العام، وكلنا رجاء أن يعيده الله على العالمين كما بسطه لنا من قبل للتواد والتراحم والإكثار من فعل الخير، فإن كانت أيام الشهر الكريم المحسوبة بالساعات والدقائق قد ولت إيذانًا باستمرار الحياة، فلا يعني هذا أبدًا أن تولي أنفسنا عن ما ارتقت به درج الخير والمودة وصفاء النيات والتقارب والتراحم ونشر الحب بين الناس والكائنات جميعًا.
فعن أمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: (سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الأعْمَالِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قَالَ: أدْوَمُهَا وإنْ قَلَّ)، حيث يجدر بالإنسان أن يحرص على الثبات فيما قدمه من أعمال صالحة خيرة، وعباداتٍ، وقُرباتٍ في شهر رمضان، اقتداء في ذلك بالنبي - صلّى الله عليه وسلّم، الذي كان حريصًا على أداء الأعمال الصالحة، فالخير لا ينحصر في شهر رمضان، بل هو مُتواصل ومتصل ودائم ما دامت الدنيا.
فالصلاة على سبيل المثال لن تتوقف وتتكرر في اليوم الواحد خمس مراتٍ، ويتكرر الدعاء والاستغفار، ومن ثم فالعبادات والطاعات لا تنتهي بعد شهر رمضان، كذلك الأمر لابد ألا تقل درجات الصفاء الروحي التي اكتسبناها بالأعمال الطيبة وإيثار الآخرين والعطف على المساكين وبذل العطاء، وقول الكلمة الطيبة وعدم التناحر وعدم إعطاء أي فرصة للشيطان لينفذ بيننا ويدعونا للشر والفرقة والضغينة، والاستمرار في تهذيب النفس بالأخلاق الطيبة الحميدة المحببة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي يقول (إنَّ مِن أحبِّكم إليّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا).
لأن جمال الإنسان يزداد ويعلو حين يتحلّى بالأخلاق الفاضلة التي تجعلهُ أكثر قُربًا من ربه أولا ثم من الآخرين؛ لأن الأخلاق منظومة مُتكاملة لا تتجزأ، وعلى الإنسان أن يلتزمَ بكلّ تفاصيلها حتّى يكونَ فاضلًا محبوبًا محمودًا، فلا يليق بمحاسن الأخلاق الكذب أو التنمر أو النفاق أو الفظ من القول أو التجهم، أو التباغض والتناحر، وإنما يليق بالإنسان ومحاسن الأخلاق الكرم واللطف وحسن المعشر.
وعلى من أراد أن يسمو بخلقه أن يتحلّى بجملة من الأخلاق الحسنة معًا، وأحسن الناس أخلاقًا هوَ سيّدنا مُحمّد عليهِ الصلاةُ والسلام، فقد كانَ قُرآنًا يمشي على الأرض، وكانَ خُلُقُه القُرآن كما وُصِف، ففيه اجتمعت كل صفةٍ عظيمة وخُلُق رفيع، وقد قال عنه ربّ العزة جلّ جلاله: (وإنَّكَ لعلي خُلُقٍ عظيم)، إذن التحلي بالخلق الحسن يكون بمتابعة أفعال وأقوال وصفات الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلم كيفية تعامله مع الناس.
ويقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه إن الله جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلًا بيننا وبينه.. ونجده في موضع آخر يكثف أسباب حسن الخلق قي أبيات تقول: تَرَدَّ رِداءَ الصَّبرِ عِندَ النَوائِبِ تَنَل مِن جَميلِ الصَّبرِ حُسنَ العَواقِبِ... وَكُن صاحِبًا لِلحِلمِ في كُلِّ مَشهَدٍ فَما الحِلمُ إِلّا خَيرُ خِدنٍ وَصاحِبِ... وَكُن حافِظًا عَهدَ الصَديقِ وَراعِيًا تَذُق مِن كَمالِ الحِفظِ صَفوَ المَشارِبِ.. وَكُن شاكِرًا لِلّهِ في كُلِّ نِعمَةٍ يَثِبكَ على النُعمى جَزيلَ المَواهِبِ.
ومن كل ما سبق يمكننا بلوغ معنى لاستمرار فضائل الأخلاق، ليس فقط في كل زمان بما يليق بأنفسنا، وإنما أيضًا في كل مكان، خصوصًا إذا كان هذا المكان الذي ننتمي إليه هو الوطن الحبيب مصر، الوطن الذي مهما واجه من أزمات ومؤامرات وتربص فهو بفضل الله وطن كبير وآمن ومتماسك، ويعيش هذه الأيام تحديات كبرى في البناء والتنمية والتماسك ومواجهة الشياطين التي تحاول التكالب عليه، فحباه الله بشعب أبي يعي حجم وطنه وقدره، ويعي معطيات كل ظرف، فوقف كعهده صلدًا صلبًا متحليًا بخلق الرجولة والصبر والعطاء وراء قائده يسانده ليستمر الوطن وتستمر مصر في مسار تنميتها شامخة أبية.