استكمالًا لمقالنا السابق؛ ونحن نتحدث عن انحدار الذوق العام لدى سواد كبير من الناس؛ ببزوغ أغنية "هاتي بوسة يا بت" وغيرها من الأغاني الهابطة في كل أشكال العمل الفني، من كلمات وموسيقى وأداء؛ يحض على استعمال العنف؛ لأنه يأتي بمظاهر عجيبة من حيث الملبس والحركة.
كانت مصر الرائدة في المنطقة العربية؛ رغم أن التليفزيون المصري لم يكن الأول؛ فإنه كان المعلم للجميع وكان نجومه الأشهر والأبرز في جميع أنحاء العالم العربي من المحيط للخليج؛ وكان له منهج محدد بكيفية احترام وتقاليد الأسرة المصرية؛ وكان يسعى جاهدًا للحفاظ عليها من خلال البرامج والمسلسلات المختلفة؛ أعتقد أن جيلي بالكامل ترعرع ونهل من التليفزيون المصري بدءًا من برامج الأطفال الشهيرة للنجوم أمثال عفاف الهلاوي ونجوى إبراهيم وغيرهما؛ ممن شكلوا بحرفية ورقي وجدان هذا الجيل.
أتتذكرون برنامج على الناصية الإذاعي الأشهر في وقته؛ وكيف كان محط اهتمام كل المستمعين وعشرات البرامج الأخرى في كل المجالات السياسية والاجتماعية والدينية؛ الإذاعة المصرية كانت سببًا رئيسيًا في انتشار التلاوة المصرية في أنحاء الأرض؛ ولأنها كانت تعمل وفق منهاج منضبط وصارم؛ حازت إعجاب الجميع ومن قبل الثقة.
ستقول إن الزمن تغير؛ وتغيرت مفاهيمه ومؤثراته؛ سأتفق معك؛ ولكن رغم اختلاف الزمن واختلاف عناصر الإعلام؛ فلم يعد قاصرًا على الصحافة والإذاعة والتليفزيون، كما الماضي القريب؛ مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي حيز الوجود؛ أضحى وصول المعلومة أسرع كما سرعة البرق؛ بل أحيانا نشاهد انتحارًا يحدث على الهواء مباشرة!!
ورغم ذلك ما زال الإعلام في الدول المتقدمة في مكانته؛ لأنه حافظ على قيمته وقامته؛ وطور من نفسه ليصبح فاعلًا في مجالات المنافسة الجديدة؛ الناس في حاجة للمعلومة؛ ولكنها في نفس الوقت في حاجة أشد لفهمها.
وهذا ما يقوم به الإعلام الواعي المتمرس؛ فهل هذا يحدث عندنا؟
أثق أنني أكاد أشاهد علامات التعجب على وجوه حضراتكم؛ عقب قراءة السؤال؛ وهذا يعني أن إعلامنا بات منفصلًا عن الواقع؛ بمسافات كبيرة؛ بعد أن فقد ثقة نسبة ليست بالقليلة من المواطنين.
باتوا يبحثون عن كثب عمن يشرح لهم ويحلل لهم المعلومات؛ فظهرت على الأسطح قنوات اليوتيوب؛ تبث من المعلومات ما لا حصر له؛ وتتفنن في إقناع الناس بها عبر تحليلات تؤكد بها وجهات نظرها؛ فبين عشية وضحاها وجد المتلقي نفسه أمام عشرات المنصات تنشر معلومات؛ ليس لديه القدرة على نفيها أو تأكيدها؛ وهو عكس ما كان يحدث بالماضي من وجود ثقة راسخة في إعلامنا.
كل ذلك مع وجود إعلام بلا طعم أو لون؛ فكل القنوات شبيهة بعضها البعض؛ تكاد تكون نسخًا متكررة؛ حتى الأعمال الدرامية تحض على نفس الفكرة؛ تصدير الفتوة والبلطجي؛ إنه النموذج المقالي للشخصية المصرية؛ إلا ما رحم ربي من أعمل محترمة؛ مثل "الاختيار" ؛ "القاهرة كابول"؛ "هجمة مرتدة".
وهكذا تركنا المواطن فريسة سهلة يقتنصها من يستطيع؛ ليملأ عقله بما يحب ويرغب؛ فتنتشر أفكار غريبة؛ أو عجيبة؛ وتطغى العادات البالية على المنضبطة؛ وفق قيم جديدة!!
وللحديث بقية نستكملها في مقالنا القادم.
[email protected]