ها هو الشهر الكريم قد انتصف، ومرت أيامه بسرعة، ولم نشعر بمروره وتسربه من بين أيدينا، فكل الأيام الحلوة تمضي سريعًا، وطوبى لمن اجتهد مع الله ومع نفسه في تلك الأيام المباركة، وزاد من الأعمال الصالحة، والغافل هو من ضيع تلك الأيام هباءً ولم يغتنمها، أو قصر فيها.
وللأسف نرى كثيرًا من الناس يصيبهم الفتور في وسط رمضان، فيغفلون عن هذه الأواسط، وما فيها من الفضل العظيم، فيغفلون عن استحضار النية بشكل مستمر، وقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال "صلى الله عليه وسلم" أيضًا: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه).
فهذا الاحتساب وهذه النية ليست مقتصرة على أول رمضان فحسب؛ بل في أوله ووسطه وآخره، فعلى المسلم أن يشحذ همته؛ لأنه قد يعتريها فتور وكلل وملل في وسط الشهر، وقد يقل عدد المترددين على المساجد، وخاصة في صلاة التراويح.
ويجب علينا ألا نضيع على أنفسنا هذه الفرصة العظيمة؛ لأن أبواب الجنة كما فتحت في أول رمضان فهي ما زالت مفتوحة في منتصفه، وكما أن أبواب النار أغلقت في أول رمضان فهي ما زالت مغلقة في وسطه، وكما أن لله في أول رمضان عتقاء من النار، فالله عتقاء من النار في وسط رمضان، وكما أن هذا الصيام سبب لتكفير الذنوب في أوله وفي وسطه وفي آخره.
ولقد خسر وخاب من أدرك أي يوم من أيام رمضان ولم يغفر له، ولا بد من اغتنام جميع أيامه ولياليه؛ فكما جاء في الحديث الصحيح ينادي منادٍ: (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة).
إذن لابد من الاستمرار في شحذ الهمة وتجديد العزيمة والقيام، وإطالة الصلاة والدعاء والذكر والالتجاء إلى الله تعالى، واستحضار القلب عند قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه، والاستمرار في العمل، وإياكم والتواني، في هذه الأيام المعدودة، فقال الله تعالى في كتابه العزيز: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) سورة البقرة184.
وكما انتهى نصف الشهر الأول فسينتهي نصفه الآخر، وهكذا تمر الأيام وينقضي العمر، فماذا فعلنا في نصف الشهر الكريم الأول؟ وأي شيء استودعناه في تلك الأيام، فهل زدنا من الأعمال الصالحة، وهل زادت حسناتنا، وهل ما زلنا مستحضرين الأجر والثواب في الإفطار والسحور، وتجديد العهد مع الله على الاستمرار على طاعته، والتوبة مما مضى؟!
فالله نسأل أن يعيننا على طاعته وعدم التراخي أو التفريط في كل لحظة وكل ثانية من أيام شهر رمضان المبارك، وأن يبلغنا ليلة القدر.. وكل عام وأنتم بخير.