يثير حديث الرئيس الأمريكى جو بايدن عن خطة لإنشاء مشروع منافس لمشروع طريق الحرير الصينى الكثير من الجدل حول جدية وتوقيت هذه المبادرة الأمريكية، وهل هى مجرد عنوان عريض يعبر عن تصعيد المواجهة مع الصين، أم أنه مشروع مدروس وجدي، وكان بايدن قد أعلن عن المشروع عقب اتصاله مع رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، ودعا فيه إلى أهمية اشتراك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لإنشاء مشروعات بنية أساسية من طرق وموانئ وغيرها فى البلدان التى تحتاج إلى مساعدة، وعدم ترك الصين تنفرد بإنشاء «طريق الحرير الجديد، الذى يتضمن بناء شبكات مواصلات برية وبحرية وبنية أساسية لتعزيز نفوذها فى العالم.
وإذا كانت معالم مشروع طريق الحرير الأمريكى غير محددة، لكن التواقت بين إعلان بايدن عن طريق الحرير الأمريكى وإعلان أردوغان عن شق قناة أسطنبول يثير بعض التكهنات عن ترابط الخطوتين، وما يزيد من احتمال وجود روابط بين طريق الحرير الأمريكى وقناة أسطنبول دعم أردوغان لحرب ناجورنى كراباخ ضد أرمينيا لربط تركيا بدول القوقاز جنوب روسيا ووسط آسيا، لتكون تركيا معبرًا لطرق موازية لطريق الحرير الصيني، كما يدعم أردوغان أوكرانيا فى بسط السيطرة على إقليم دونباس وشبه جزيرة القرم فى مواجهة روسيا، فى وقت تراجعت فيه أوكرانيا عن تنفيذ اتفاقية مينسك الداعية للتفاوض حول العلاقة بين إقليم دونباس وأوكرانيا، لتشتعل الأزمة الأوكرانية مجددًا، وتحتشد الأساطيل الأطلسية والروسية فى البحر الأسود، وهو ما رأته روسيا محاولة جديدة لتطويقها ومعها الصين، باعتبارهما القوتين الأخطر على النفوذ الأمريكى فى العالم، وكان الرئيس الأمريكى بايدن قد عزز الحملة على مشروع الحزام والطريق الصينى «طريق الحرير»، ويرى أنه خطوة صينية كبيرة للتمدد نحو أوروبا وإفريقيا، وتمارس الولايات المتحدة ضغوطًا كبيرة لوقف تقدم المشروع الصينى الكبير.
ويصفه الغرب بالمشروع الاستعمارى والفاسد، وأن الاستثمارات الصينية فى عشرات الدول الآسيوية والإفريقية ستثقل تلك الدول بالديون، بينما ترى الصين أنه أكبر مشروع تنموى فى العالم، ويحقق المكاسب لكل البلدان، ويحسن فرص التنمية والتبادل التجاري، ويأتى الإعلان الأمريكى عن «طريق الحرير الديمقراطي» ليزيد من حدة الاستقطاب بين تكتلين كبيرين، الأول بقيادة الولايات المتحدة ومعه الاتحاد الأوروبي، والثانى بقيادة الصين وروسيا ومعهما إيران وكوريا الشمالية وبعض بلدان أمريكا الجنوبية، ويرفع التحالف الأول راية التنمية والتعددية القطبية واحترام التنوع الثقافي، بينما يرفع التحالف الثانى راية الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنظومة القيم الغربية.
ويبدو أن الإعلان عن طريق الحرير الأمريكى خطوة جديدة فى الشق الاقتصادى من الحرب الباردة بين التحالفين، بالتوازى مع الشق العسكرى المتمثل بتفعيل دور حلف الناتو، الذى كان قد وصفه الرئيس الفرنسى ماكرون بأنه يحتضر فى عهد الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، ويتبادل الطرفان الاتهامات وفتح الملفات، وبينما تركز الولايات المتحدة وأوروبا على ما تصفه بانتهاكات الصين لحقوق الإيجور وسكان هونج كونج وإقليم التبت، ترد الصين بأن الولايات المتحدة وأوروبا ارتكبتا أكبر الفظائع، وتفتح ملفات انتهاكات حقوق السود والآسيويين فى الولايات المتحدة ومجازر فرنسا فى الجزائر والهند الصينية، وما فعلته ألمانيا النازية، وهو سلوك جديد للصين التى كانت تحرص دومًا على تجنب الصراعات الدولية، لكن يبدو أن الحرب الباردة دخلت طورًا أكثر سخونة.