Close ad

لا تجربونا وتذهبوا بعيدًا

11-4-2021 | 18:58
الأهرام العربي نقلاً عن

كانت ولا تزال وستبقى أمة، هى (البلد) بألف ولام التعريف كما قال عن حق نابليون بونابرت، شاهد الناس فى كل مكان ملوكها وملكاتها بعد أربعة آلاف عام، شاهدوا اختلاط العصور، قرأوا وسمعوا ترانيمها بلسانها الصافي، ولغتها التى ولدت كل اللغات، بموسيقاها الآتية من ملايين الأيام، المعزوفة بآلات من صناعة أنامل لا تتشابه مع أى أنامل أخرى فى الدنيا، الصناع المهرة أبناء الحنت، والحنت باللغة المصرية القديمة تعنى صاحب الصنعة والمهارة.

بلد صبور، عرف التوحيد، وفجر الضمير، قدس النيل، احترم الكائنات المخلوقة، صاغ خلوده فى تعبير دقيق: يا من تذهب سوف تعود، وجد حكمته فى أناشيد إخناتون، صادفته الأديان السماوية، فجعلها جزءًا عميقًا من حياته اليومية، دون أن يتخلى عن هويته العميقة.

فى جامعاته القديمة تعلم فلاسفة اليونان، والرومان، وبدورهم علموا الناس فى كل مكان، بصماته فى متاحف عواصم الدنيا الجديدة، فى نيويورك، ولندن، وباريس، وروما، وحتى فى بعض عواصم الدول الناشئة، والدول الوظيفية.

بلد صبور ، قد يصاب بالوهن، لكنه لا يموت، سره دساس فى كل عروق الدنيا، وإذا أصابه ضعف، يتحصن بالحكمة حتى يعود سالما، قويا، يطارد الذين تسللوا إليه ساعات المرض، شامتين بأنه لا يستطيع الوقوف، هو البلد الذى قد يخسر معركة أو اثنتين، لكنه لا يهزم فى الحرب.

جبال الصبر تفنيها المراود، مع احترامى لأصل المثل، صبرنا على تسلل الدول الوظيفية إلى عمق الهوية، وعلى الدول التى نشأت على تلال جماجم السكان الأصليين، وعلى الطامعين بماء النيل المقدس، وعلى الدول المختلقة من شعوب لا هوية لها، صبرنا طويلا، لكنهم لا يعرفون أننا فى لحظة نخرج إلى ميادين الرماية، نترك وصايانا لأبنائنا وأحفادنا، لا نعود حتى نقطع دابر المعتدين.

المعتدون لديهم نقص فى معرفة وقراءة التاريخ، مصابون بداء النسيان، أغرتهم الأموال الهابطة دون عمل، أغرتهم تقنية الأسلحة المدمرة، أغرتهم الأساطير، بينما نحن نعزف لحن الخلود، نعرف طريق العودة، نعرف أننا نذهب ونعود.

موكب ملوك وملكات هذا البلد محض رسالة، تحمل فكرة واحدة، هى أن معركة الوجود فرضت نفسها على المصريين، ومادامت المعركة مفروضة، فإنهم قادرون على هزيمة الشر، سواء كان اعتداء على مياه النيل، أم الأرض ، أم الهوية، أم الوجود.

خلال ساعتين اثنتين أصيب العالم من أقصاه إلى أقصاه بالدهشة، سقط فى هوة الولع بالمصريات، اكتشف أنه أوهن من بيت العنكبوت، وأن اختلاقه للقوة والثروة، والعمارة الحديثة لا تضاهى تمثالا صغيرا من صناعة أنامل نحات مصرى مجهول، أدرك أن المعركة المخططة على الوجود المصرى أصعب من خوضها، حتى لو اجتمعت قارات قديمة وحديثة.

هوية مصر المتعددة، الثرية، نسيج تام مع الروح المصرية، وإن كانت مختبئة من السطح، فإن هذا مقصود، فهى لا تظهر إلا ساعة الحسم، وكل الطرق تؤدى إلى هذه الساعة، والأحداث الجارية عند منابع النيل المقدس، وفى الغرب، والشرق، والمتوسط، وفى قلب قناة السويس، وفى غرب آسيا والشام، تجعل الهوية المصرية الخالدة ، تطفو من الأجساد، وتطير فوق الرءوس، تغطى وادى النيل بدرع من فولاذ.

هذه المرة لن نتظاهر بالوهن، لن نختبئ وراء متاريس الحكمة والصبر، ولن نسكت على الذين يدعون أن صناعة الخلود المصرية هبطت مع الهابطين من السماء، بل هى من مهارة أنامل مقاتلين مصريين، وفلاسفة وحكماء، صاغوا الدنيا كما أرادوا، فلا تجربونا، وتذهبوا بعيدًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: