Close ad

العدل والعدالة البيئية عند قدماء المصريين

11-4-2021 | 00:10

يثار من حين لآخر جدل حول الحضارة المصرية القديمة (الحضارة الفرعونية)، ويردد البعض أنها قائمة على الظلم والسخرة وعدم العدل، لكن للأسف كل هذه الأقاويل بعيدة عن الحقيقة والآثار المؤكدة القائمة..

وبعيدًا عن التناول المباشر عن ديانة التوحيد منذ عصر إخناتون سنتناول باختصار مفهوم العدل والعدالة البيئية عند المصريين القدماء لأهميتها، سواء في الحياة الدنيا أو مردود ذلك عند المولى الكريم يوم الحساب، حيث نجد أن ماعت هي رمز العدل عند المصريين القدماء وهي على شكل ميزان، ويوجد ملكان أحدهما يحسب الحسنات والآخر السيئات.

ونشر المصريون القدماء رمز الميزان في جميع محاكم مصر القديمة ثم انتقل هذا الشعار فيما بعد لجميع أنحاء العالم، نقلًا عن الحضارة المصرية القديمة، فمصر القديمة هي التي علمت العالم مفهوم وأهمية العدل والعدالة البيئية.

حيث إن فكرة العدالة في مصر القديمة مرتبطة بنشأة الدولة حيث يظهر ذلك من خلال خطاب تكليف الوزير الأعظم بمهام وظيفته، حيث تشير إلى ضرورة الالتزام بالقانون (عليك أن تطمئن بأن كل شيء يجري وفقا للقانون)، وكانت العدالة دائمًا تأتي بالمفاهيم التالية:

العدالة هي الحق؛ حيث إن معنى كلمة ماعت - وهي رمز العدالة عند المصريين القدماء - تعني الحق والصدق والعدل والاستقامة، ويلاحظ هنا التقارب الشديد مع المفهوم الإسلامي للعدالة؛ حيث يقول المولى الكريم (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة الحج الآية 6، ويقول المولي الكريم (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) الحج الآية 62، وقال تعالى (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ)، سورة ص الآية 26.

وكان رمز العدالة في مصر القديمة هو الميزان، وجاء الإسلام بعد آلاف السنوات ليربط العدل بالميزان؛ حيث يقول المولي الكريم (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ) سورة الأنعام الآية 152، وفي سورة الرحمن (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) الآية 9.. وفي سورة الإسراء (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ) الآية 25.

ولذلك يرى بعض العلماء أن ديانة التوحيد في مصر القديمة هي أقرب الديانات إلى الإسلام؛ سواء من حيث الحساب والجنة والنار والحياة الأخرى، أو من حيث المنظور الشامل للعدالة البيئية، وهذا ليس غريبًا لأن المولى الكريم ذكر في كتابة الكريم (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر 24..

ويقول الولى الكريم في سورة غافر (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ ) الآية 78..

ثم هناك المنظور البيئي الشامل لقضية العدالة؛ حيث يتناول الكثيرون العدالة من منظور العدالة الاجتماعية والاقتصادية فقط، ولكن المنظور الشامل للعدالة من خلال دراستي لم أجده سوى في حضارة المصريين القدماء وفي الإسلام، فمثلاً النصوص القديمة للمصريين تقول: "صنعت مياه الفيضان لكي يكون للفقير فيها حق كالعظيم"، وكان المصري القديم يقسم (لم ألوث نهر النيل طوال حياتي).

ويقول المصريون القدماء عن الهواء (لقد صنعت الرياح لكي يتنفس منها الإنسان.. وكل إنسان طوال حياته ويحافظ عليها)، ويقول حاكم مصر القديمة (لقد أعطيت الأرامل أولًا ثم اليتيم وأعطيت الفقير قبل العظيم ولم أميز الرجل العظيم ولم أقس على الفقير ولم أخسر الميزان ولم أجمع الضرائب في السنين المجدبة التي يشح فيها الفيضان).

هذه باختصار العدالة البيئية بمفهومها الشامل عند المصريين القدماء من آلاف السنوات.. وهذا لا يتعارض مع المبادئ الأساسية لجميع الأديان، ولذلك مصر فرعونية عربية إسلامية.. حضارة متفردة تجمع بشكل فريد بين عدة حضارات، تمثل في النهاية مصر أم الدنيا، الفريدة في موقعها وتاريخها وحضارتها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: