لن أكون مبالغا لو قلت إن «فيزيتا» بعض الأطباء، خصوصا فئة «الأساتذة» تجاوزت أعراض الوجع، وأصبحت من أهم أسباب الوفاة. صحيح هناك نماذج من الأطباء، يستحقون الاحترام ويراعون ظروف المرضى، وهناك أبطال يخوضون معارك وبطولات فى مواجهة آهات وأوجاع الأمراض والأوبئة وآخرها كورونا، دون انتظار مقابل، إلا أن هناك أطباء كثيرين يبالغون بصورة مرعبة فى تقدير قيمة وأتعاب الكشف الطبي.
أقول ذلك، وقد فاجأنى أحد أقاربى الذى طلب منى ترشيح اسم طبيب لجراحة المخ والأعصاب، فأرشدته إلى أستاذ يشهد له كثيرون بالتميز، وبالفعل ذهب للحجز وبمجرد وصوله العيادة كانت المفاجأة التى وقعت علينا كالصاعقة؛ فقد وضع الأستاذ لافتة مكتوبا عليها أن قيمة الكشف 1200 جنيه والاستشارة خلال الشهر 600 جنيه.
ترحمت فى البداية على أستاذ أساتذة الكبد ياسين عبد الغفار الطبيب والإنسان الذى لم يمنعه علاجه لمشاهير المجتمع بمصر والوطن العربى من الاستمرار خادما للمرضى الغلابة، وحتى وفاته لم يتجاوز كشفه 20 جنيها، وهناك غيره من الأسماء التى تضيء بوهج إنسانيتها سجل الطب بانتصارهم لرسالته قبل عائده.
وتساءلت: أين نقابة الأطباء ووزارة الصحة والبرلمان من تلك القضية؟
فنقابة الأطباء تردد أنها تراعى حقوق المريض والطبيب معا، وتفاخر أحيانا بأنها تضع أولوية لحق المريض، وتزايد بوجود لجنة لذلك الحق، إلا أنه بمجرد أن تلوح فى الأفق المصالح الانتخابية يذهب المريض إلى الجحيم ويكون البقاء للطبيب وخدماته وحقوقه.
أما «الصحة» فقد حاولت - قبل نحو 5 سنوات - من خلال «العلاج الحر» تنفيذ مقترح بوضع حد أدنى وأقصى للكشف الطبى فى العيادات والمستشفيات الخاصة، إلا أن هذا المقترح واجه هجوما عنيفا من نقابة الأطباء التى اتهمت الوزارة باختلاق معركة وهمية لتشويه أعضائها.
ومع تزايد الغضب قام وزير الصحة فى ذلك الوقت بعرض المقترح على مستشار الوزارة القانونى وجاء الرد بأنه لا يوجد نص قانونى يلزم الطبيب بسعر محدد.
وما بين الوزارة والنقابة استمر ضياع حق المريض وتوالت حالات استنزافه، فلا «الصحة» كوزارة نجحت فى الوصول إلى تسعيرة استرشادية للكشف، ولا «الأطباء» كنقابة قبلت أى اقتراح بتنفيذ قانونها الذى لا يمنع وجود حد أقصى لأتعاب أعضائها.
وبدا البرلمان فى تلك المعركة متابعا لمنطقة الفراغ بين الوزارة والنقابة التى يتعرض فيها المريض للاستنزاف، واقتصر دوره على بيانات تحث الطرفين على مراعاة ظروف المريض دون أن يكون هناك اتجاه لإلزام النقابة بتطبيق قانونها أو الصحة للقيام بدورها الرقابى على العيادات أو إلزامها بحد أدنى وأقصي.
ولا يعقل بأى حال أن ينظر البعض إلى تدنى رواتب ومزايا الأطباء أو قيامهم بدفع ضرائب للدولة، كمبرر لمحاولاتهم المتكررة لزيادة «فيزيتا» الوجع؛ إذ إن المزايا تتحسن تدريجيا، ولا يحصل المريض على إيصال أو فاتورة بما يدفعه للطبيب من أتعاب، وقد يكون التقدير الضريبى بعيدا كل البعد عما يدفعه المرضى فى العيادات والمستشفيات.
وأرى أن حل تلك الأزمة لن يتحقق إلا بقانون ملزم أو قرار متكامل أو لائحة ووثيقة شرف ملزمة للأطراف الثلاثة النقابة والوزارة والمرضي- بأسعار للكشف الطبى بحد أدنى وأقصى يتمشى مع التخصص ودرجة الطبيب من ممارس إلى مقيم فأخصائى واستشارى وأستاذ، وهذا الأمر معمول به فى نظم التأمين الطبي، ومنها التأمين الشامل، وتعاقدات النقابات والهيئات والشركات والمؤسسات مع مقدمى الخدمات الطبية للمنتفعين.
أما استمرار الوضع الحالى فيعنى تزايد المغالاة والخطر؛ لاسيما وسط حالة السعار التى أصابت الجهات المقدمة للخدمة الطبية، وجنون مستثمرى الوجع والآهات، والأساتذة الذين يتعاملون مع المريض كفريسة على مذبح الألم.