يصعب على أى فرد أو جهة أن تحدد توصيفًا شاملًا وجامعًا لمفهوم الدولة الرقمية، وحتى وإن اقترب البعض من تحديد الملامح واجتاز الحواجز الجدلية التى يتبناها كل من يمتلك وجهة نظر يرى من خلالها أنه لا يمكن أن يتحقق الوجود لهذه الدولة إلا بتحقيق ما يراه هو مناسبا من منظور خبراته وثقافته ومصالحه الشخصية ورؤيته للمصلحة العامة.
الدولة الرقمية ليست مجرد بنية تحتية للاتصالات ولا للتشريعات ولا للقرارات ولا القوى البشرية التى دعت لقيام كل هذا، وهى أيضا ليست تطبيقًا أو حلولا أو قرارات، بل هى مجموع لكل هذا، وهى تستوعب الجميع لكى يكون له مكان فى هذه الدولة سواء مقدم الخدمة الذى يستخدم الشبكات والأجهزة والبرمجيات ومنظومات الدفع والتوصيل، أو المتلقي لخدمة أو لسلعة، سواء كان مواطنا أو حاكما أو مؤسسة أو جهة وسيطة، بل تمتد إلى الشركات والهيئات فى الدول الأخرى.
ومن خلال الحوارات والمتابعات والمقابلات التى تتاح لنا من خلال عملنا الصحفي والإعلامى، فإن المؤكد والحتمي أن مفهوم الدولة الرقمية شيء شامل وجامع لكافة هذه الرؤى والتصورات بل والأحلام.
فالمطلوب من الجميع أن يتفرغ للعمل فى مجال خبراته وتخصصه، دون أن ينظر للباقى فيما يفعلون، فالمنظومة شاملة وتستوعب الجميع، وهناك قيادة سياسية مقتنعة وتتخذ القرارات الصعبة التى لم يكن يتجرأ البعض بالحلم بها، فأصبحت مؤسسة الرئاسة والحكومة والسلطات التى تتكون من الدولة تتسابق فى إنهاء المطلوب منها لتحقيق مفهوم الدولة الرقمية التى يرعاها رئيس قوى وقادر على اتخاذ القرارات دون تردد طالما كان ذلك للصالح العام.
لقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته التى وجهها لاجتماع القاهرة الافتراضى رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والمحاكم العليا والمجالس الدستورية الإفريقية، على ضرورة وأهمية التحول الرقمي في مجتمعاتنا، والعدالة الإلكترونية، وتنظيم التعاملات والتفاعل الرقمي للأفراد والكيانات الخاصة، وضبط الإطار القانوني المنظم للتعامل مع الأمن المعلوماتي، والحوكمة القانونية لوسائل التواصل الاجتماعي ومحتواها الذي يؤثر بصورة كبيرة على الداخل والخارج، وعلى نفس نهجه نجد السلطة التشريعية والقضائية فى كل يوم تتحدث عن مشروعات وقرارات وقوانين جديدة لوضع لبنات فى بناء هذه الدولة.
لذلك أرى أن الدولة الرقمية هى الدولة التى لا يوجد لأى فرد أو جهة فيها دور أهم من الآخر، بل هى منظومة متكاملة، إذا تعطل ترس فيها عن القيام بواجباته تتعطل باقى التروس، وتقل كفاءتها ويضيع ما تم استثماره فيها.
فى النهاية.. الدولة الرقمية ليست "رأس الدبوس" الذى يتصارع البعض على الوقوف عليه، بل هى أرض واسعة وفسيحة، حتى من يحاول استبعاد عنصر منها سيجد المواطن الرقمى المستوعب للمعنى الحقيقى لها يقول له: عملت كل شيء؛ لكن ينقصك كذا وكذا!. فيضطرك لاستعادة من تم استبعاده من الساحة بحجة عدم الاحتياج له؛ ليقوم بدوره المنوط به خلال المنظومة الرقمية، فلا مجال في مصر الرقمية لتضييع الوقت والجهد والطاقة، فالكل سواء فى مختلف المجالات، لأنه لا مجال فى الدولة الرقمية للانفراد بـ"رأس الدبوس".