قد نراه بعيدًا ويراه الكثير مستحيلًا، وهو أن يصدر حكم دولي يدين مسئولين بالكيان الصهيوني وعدد من قادة جيشه، وبزغ بريق ضوئه حين أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية "فاتو بنسودا" قرارًا بالبدء في فتح تحقيق رسمي في جرائم وقعت على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعد نقطة فاصلة في الصراع العربي الإسرائيلي.
وقالت المدعية بنسودا إن هناك جرائم ارتكبتها قوات الدفاع الإسرائيلية خلال الحرب على غزة، وتشير المدعية بصفة خاصة إلى مجزرة حي الشجاعية في غزة، وأسفرت عن سقوط عشرات الشهداء وتهجير الآلاف، ويشمل قرار الإدانة جرائم أخرى شهدتها الأراضي الفلسطينية خلال هذه الفترة، وكذلك قضايا الأنشطة الاستيطانية بالضفة الغربية.
والسبب فيما نراه بعيدًا هو الرفض الإسرائيلي لهذه الخطوة الأممية، وحجة إسرائيل التي تستند إليها أنها ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، ونلاحظ اشتعال قادة إسرائيل غضبًا بمجرد صدور القرار، خشية من مواجهة مسئولين سياسيين وعسكريين خطر الاعتقال، وتعقب تحركاتهم في أكثر من مئة دولة حول العالم.
والسبب فيما يراه الكثير أن أمل الإدانة مستحيل هو دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط وإعلانها معارضتها الشديدة عن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية، ثم ما أكده "ريتشارد مايلزم" ممثل السقيرة الأمريكية في الأمم المتحدة في نيوريوك، وقال فيه أن بلاده مستمرة في الدفاع عن إسرائيل، والعمل ضد استهدافها، وأشار إلى أن عودة انضمام أمريكا لمجلس حقوق الإنسان أساسه الدفاع عن إسرائيل.
ومن ناحية أخرى تعتبر السلطة الفلسطينية قرار المحكمة انتصارًا للحق، برغم أنه ما زال قرارًا لم يخرج إلى حيز التنفيذ، وفي نفس الوقت تعتزم وزارة الخارجية الإسرائيلية مخاطبة عشرات الدول الكبرى لمطالبتها بتوقيف المدعية العامة بنسودا عن الاستمرار في التحقيق.
ويكون الحلم في أمر المستحيل بشكل قطعي إذا نجحت إسرائيل في مساعيها بالضغط على الدول الكبرى لعرقلة إجراءات تحقيق المحكمة الأممية، وحينها يصبح المنتصر هو نفسه المغتصب لحقوق الشعب الفلسطيني، وأن الطريق صار مغلقًا أمام العدالة، حتى حين ظهور إشعار آخر.
وما تنظره بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية من جرائم للكيان الصهيوني غيض من فيض، ومنذ سنوات يرى المجتمع الدولي تطهير متعمد وممنهج للأراضي الفلسطينية، وهدم متواصل للمساكن وتهجير قسري للفلسطينيين، والجيش الإسرائيلي لا يهدأ عن ممارسة انتهاكاته في حقهم، ويمارس عليهم مختلف الأساليب الإجرامية، وتجريف لمزارعهم وإذلالهم.
وإذا كان حلم الإدانة قد يستحيل تحقيقه، فهل على الفلسطينيين التمسك بحبل الأمل في تنفيذ وعد المجتمع الدولي المعلق منذ عقود بحل الدولتين؟
Email: [email protected]