وصف رئيس إحدى الشركات الفرنسية، فى مقابلة له خلال شهر فبراير الماضى، أن «قطاع الطاقة المتجددة العالمى يعيش فقاعة اقتصادية كبيرة»، تعقيبًا على إقبال المستثمرين للاستحواذ على مشروعاتها، صدور تلك المقولة من رئيس أحد أكبر عشر شركات عالمية فى مجالى البترول والغاز تستحق التوقف عندها، نبحث دوافعها، وحقيقتها، فإن صحت فالسوق تسير إلى ركود علينا أن نتحسب له، وإن كانت غير ذلك، فما الذى تحتاجه الأسواق لتحافظ على معدلات نموها.
يصف خبراء الاقتصاد تجاوز القيمة الجوهرية للأصل قيمته السوقية بالفقاعة، ويقصد بذلك تسعير الأصل على أساس وهمى غير مقبول، مثال ذلك، ركود السوق الأمريكية خلال الفترة من 2007 2009 جراء فقاعة عقارية بلغت ذروتها عام 2006، تلاها انهيار الأسعار، وعدم قدرة الكثير من مالكى العقارات سداد التزاماتهم البنكية، لتتداعى المنظومة كقطع دومينو؛ انهيار قيمة المنازل، الرهن العقارى، ومنافذ بيع مستلزمات المنازل بالتجزئة، وصناديق التأمين والاستثمار، مما اضطر الحكومة الأمريكية لضخ قرابة تريليون دولار فى شكل قروض، فى مَسلَك مشابه لما قامت به الحكومة اليابانية فى الفترة من 1985-1989، لوقف تدهور عملتها الوطنية، الين، بعد فقد 50% من قيمتها، عاود بعدها الاقتصاد صعوده الإيجابي.
على مستوى الطاقة المتجددة، شهدت الأسواق العالمية أداءً قويًا توج ثلاث سنوات من النمو الإيجابى، طبقًا لتقرير أحد المكاتب فى المتوسط يتجاوز عدد عمليات الدمج والاستحواذ فى مجال الطاقة والمرافق، 800 صفقة سنويًا، حافظت فيها الطاقة المتجددة على أداء مرتفع قياسًا بباقى القطاعات.
بعد تباطؤ الإجراءات خلال ربيع 2020، جراء جائحة كورونا، استمرت مبيعات أسهم مشروعات الطاقة المتجددة بذات الوتيرة، مما حقق تدفقًا ثابتًا لرأس المال المعاد تدويره.
كعادتها راحت شركات النفط والغاز الكبرى تلتهم منافسيها الأصغر، استحوذت شركتا بترول على مشروعين كبيرين لطاقة الرياح البحرية، بمرحلتيه الأولى والثانية بقدرة إجمالية 2400 ميجاوات، شرق مقاطعة يوركشاير الإنجليزية، والآخر بقدرة 1140 ميجاوات، بالقرب من شاطئ أنجوس باسكتلندا، على الترتيب.
لمثل هذه الصفقات عدة معان، أولها أن جاذبية الطاقة المتجددة ومرونتها جعلتها موضع طلب مقارنة بسوق بترول تتقلب أحواله على جمر الأسعار. ثانيها نوعية المستثمرين، شركات عالمية فى قطاع النفط والغاز، تبحث عن فرص استثمار منخفضة المخاطر، تخطت عائدات توتال 120 مليار دولار، وإينى 59 مليار دولار خلال عام 2020، ثالثها الدور الكبير المنتظر للطاقات المتجددة فى دفع التقنيات الجديدة مثل شحن السيارات الكهربائية والهيدروجين إلى الواجهة.
أيضًا، استحوذت شركة إسبانية على عدة مشروعات لطاقة الرياح والطاقة الشمسية بنظام منتج الطاقة المستقل خلاف مشروعات أخرى يجرى تطويرها، فى المقابل باعت أسهمها فى شركة لتصنيع توربينات الرياح، كما استحوذت شركة ألمانية على مشروعات طاقة رياح يجرى تطويرها بقدرة إجمالية 2700 ميجاوات من شركة أخري.
كما أجرت العديد من الشركات العالمية عمليات بيع وشراء بعض الأصول، خلاف شركات أخرى ضخت أموالًا فى صناديق استثمارية وأسهم خضراء منخفضة المخاطر.
فى السياق نفسه، تكتنف الأسواق نظرة تفاؤل تنعكس فى استمرار نشاط الأسواق العالمية عامة، والأوروبية خاصة، وإن واجه مطورو المشروعات بعض الضغوط بسبب توابع الجائحة، مثل انخفاض أسعار الطاقة، وإن ترافقت مع جلب أصول إضافية إلى السوق.
[email protected]