شعرت بأننى فى كوكب آخر.. هكذا وصفت قريبة لى قادمة من العاصمة البريطانية لندن أحساسها، وهى تخرج من مطار القاهرة فى طريقها إلى منزلها... لا تصدق أنها أخيرا رأت أضواء وسيارات وبشرا يسيرون فى الشوارع... فلندن التى تعيش فيها منذ سنوات أصبحت مدينة أشباح... اختفى السياح وتوارى السكان داخل بيوتهم بعد أن فرضت الحكومة حظر التجوال... فأصبح غير مسموح لك بأن تفتح باب بيتك، وتخرج إلا فى حالتين...
إذا رغبت فى ممارسة رياضة الجرى أو المشى حول منزلك أو فى حديقة قريبة... لكن لا تفكر فى أن تجلس على مقعد بداخلها لتستريح قليلا... سيأتى رجل شرطة، ويطلب منك أن تعود فورا إلى دارك... أيضا تستطيع أن تخرج إذا احتجت إلى طعام أو دواء... فالصيدليات ومحال بيع الطعام مازالت مفتوحة، بينما أغلقت الحكومة المطاعم والمقاهى والنوادى الرياضية والمسارح والسينما ودور العبادة والبنوك.. وأمام محال الطعام لن تجد طوابير طويلة... وبداخلها لن تجد كل ما تطلبه.. وستكتشف أن هناك رفوفا خالية من البضاعة... ولا تفكر وأنت عائد إلى بيتك فى أن تدعو مجموعة من اصدقائك لتناول وجبة العشاء معك.. تذكر أن الحكومة منعت الزيارات.. وستجد رجل الشرطة يدق بابك بعد أن سجلت الكاميرات أن هناك أشخاصا دخلوا المبنى وهم غير مقيمين فيه... وقرار منع الزيارات جاء بعد ارتفاع عدد الإصابات فى الشهر الماضى ليصل إلى أكثر من ستين ألف إصابة يوميا مما دفع الحكومة إلى الاستعانة بطلبة كليات الطب لمساعدة الأطباء فى المستشفيات..
أيضا ارتفع عدد المتوفين بمرض السرطان بسبب تأجيل إجراء العمليات الجراحية، وجلسات الإشعاع والكيماوى إلا فى الحالات الحرجة جدا بعد أن تبين أن كثيرين ممن دخلوا المستشفيات لإجراء فحوصات دورية أو لعلاج كسور قد اصيبوا بهذا الوباء.. والوباء ليس هو فقط الكارثة الوحيدة فى بريطانيا... فسوء الأحوال الجوية، وسقوط الأمطار والثلوج بغزارة جعل المملكة المتحدة مكانا كئيبا لا يطاق.. بالإضافة إلى شبح البطالة الذى أصبح هاجس العاملين فيها... ومخاوف الإفلاس التى باتت تطارد أصحاب الأعمال.
إذن فى الوقت الذى يعيش فيه البريطانيون تحت سماء مظلمة ووسط أجواء مخيفة... نعيش نحن المصريين تحت سماء مشرقة... ننعم بالدفء وبرؤية مشاريع كبرى تنفذ فى كل المحافظات... كما ننعم بممارسة الحياة والتسكع فى الشوارع والجلوس فى المقاهى والنوادي... لكن حذار.. مازال الفيروس الغامض يتحول ويتحور ويتطور ويعربد عبر القارات... وإذا كان الله جل جلاله قد سترها معنا حتى الآن... فلنحافظ على تلك النعمة، ونلتزم بالتعليمات حتى لا يأتى وقت نرى فيه ما رآه سكان دولة كانت فى يوم من الأيام دولة عظمى.