لا أعرفه معرفة شخصية ترقى لمستوى الحكم عليه بأى حال من الأحوال؛ ولا أسعى فى الوقت نفسه لتوطيد علاقتى به، ولا أوافق على طريقته فيما طرحه وكذا أسلوب التعميم الذى اتبعه فى تكييل التهم جزافا، دونما اعتبار لمشاعر البسطاء وجرحا لكرامتهم التى لايمتلكون سواها ثروة ما دونها ثروة ترفع هاماتهم بين الناس، لكننى عرفت والده رحمة الله عليه حق المعرفة، وأشهد له بالوطنية والمهنية، وأنه ممن خدموا هذا البلد بأمانة وشرف ــ الإعلامى الكبير الأستاذ أمين بسيوني.
وأنا فى الحقيقة لا أفهم سر تأجيج هذه الحملة الشرسة التى يتعرض لها حاليا الإعلامى تامر أمين على هذا النحو المنظم؛ لا لشيء سوى لمجرد أن خانه التعبير أيما خيانة فيما كان ينتوى تسليط الضوء عليه ضمن الرسالة التى وجهها للجموع عبر برنامجه؛ إذ لا يخفى على القاصى قبل الدانى أنها رسالة قصد منها الرجل دق الناقوس خوفا على الأبناء من التعرض لحياة غير كريمة، وكيف أن البعض، ليس فقط فى الصعيد، يدفع بأبنائه فى مجالات عمالة الأطفال، فيما تجرمه مواثيق منظمة العمل الدولية فى هذا الصدد، فيعرضهم بذلك مضطرا ودون قصد مُبيَّت لظروف شديدة القسوة لطالما تصدرت صفحات الحوادث بين الحين والحين؛ تحكى لنا عن جرائم بشعة تجرد فى غمارها بعض شواذ البشر من إنسانيتهم وهم يتعاملون مع أبرياء؛ وهى مشاهد نعلمها جميعا علم اليقين وليست أسرارا سينسب التاريخ لتامر أمين يوما أنه اكتشفها مثلا؛ وإنما هى واضحة جلية على مرأى ومسمع من الناس أجمعين فى شتى محافظات مصر؛ اللهم إلا إذا كنا قد أدمنا عبثية خداع أنفسنا بالعبارات الفضفاضة الرنانة نجامل بها بعضنا البعض، تاركين لمشكلاتنا كل الفرصة كى تستفحل وتتوغل إلى المدى الذى سيستحيل معه درء أخطارها وتبعاتها!.
وبغض النظر عما رآه البعض من أن تامر قد ارتكب جرما لا يمكن أن يغتفر حين اقترب دون قصد من تابو الشرف بذكره بنات الصعيد، وبغض النظر عما بدر عنه من اعتذارات تباعا طلبا للصفح مطيبا خاطر سكان محافظات الصعيد كافة، وبغض النظر عن (حفلة) الفيديوهات التى انطلقت تعزيزا للهجوم على الرجل من كل صوب وحدب!، بعض النظر عن كل هذا، دعنا نتصارح بأن هناك حالة تصيد غريبة ورغبة عارمة داخل مجتمعنا فى الانتقام والتنكيل ربما يؤججها من لم يرد لهم ذكرا فى الأمر برمته، وليسوا أصحاب الحق الأصليين. فهذه ليست هى المرة الأولى التى يصفق فيها الجمهور كثيرا لشخص، أيًا كان موقعه، ثم سرعان ما ينقض الجمهور نفسه كالوحوش على الشخص نفسه ما إن تتبدى بارقة سقوط أو زلة من الزلات!.
دعنى أذكرك بأسماء شهدت الساحة زلات لها فانقض عليها جمهور (المعجبين) انقضاضا منقطع النظير لسبب أو لآخر، من بعد طول إعجاب ووله بما قدموه.. إليك: الممثل محمد رمضان مثلا حينما التقط صورة مع مطرب إسرائيلي، فلم تقم له قائمة منذئذ. الإعلامية ريهام السعيد، تارة عندما انتقدت البدينات، وتارة أخرى عندما صورت مشهد اصطياد ثعلب. ومن قبلهما المطربة شيرين عبد الوهاب عقب انتقادها مياه النيل والذى نعلم جميعنا حجم إهمال الشعب المصرى بأكمله فى التعامل معه، ثم الممثلة رانيا يوسف..وغيرهم!.
أما الغريب فى الأمر فهو ليس فى السقطة نفسها، بقدر ما أراه من آلية الهجوم المتشابهة المصاحبة لها، إذ سرعان ما تتلقف السوشيال ميديا السقطة فتهولها تهويلا، فإذا بالإعلام المرئى والمقروء يتلقفها فينقلها إلى مستوى أعظم من التكبير، وحينئذ فلا مناص من أن يستتبعها بلاغ سريع الطلقات (فى كثير من الأحيان) يتزعمه أحد المحامين (الناشطين) إلى السيد النائب العام، فإذا بالأمر برمته يتحول من مجرد حادثة عابرة إلى قضية رأى عام ملحة تتسلط عليها كل الأضواء: ومنها إلى قضية متداولة داخل ساحات المحاكم المثقل كاهلها أساسًا بما هو أخطر وأهم!.
نحن إذن أمام نمط متكرر شديد المبالغة؛ وقوده ما يمكن أن أسميه نوعا من الاحتقان المجتمعى شديد الوطيس، هدفه (الأسمى) الانتظار، كل الانتظار، لتلقف السقطة ثم الانقضاض على الفرائس بلا رحمة. والأمر ليس هنا مقصورا، كما قد يتوهم البعض، على الإعلاميين أو الفنانين، بل إننا شاهدناه بأم أعيننا قد امتد فى ذات يوم كألسنة النار المشتعلة نحو رءوس الدولة نفسها فى غمار أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، ولم تكتف النيران بهذا، وإنما امتدت لعائلاتهم بالتشهير، تبحث بنهمٍ عن أى سقطة تلهمها بمبررات الانتقام. ولعل بعض الناس يجدون أنفسهم مشاركين فى عمليات الانقضاض تلك بوحشية ربما على نحو أكثر ضراوة ممن أشعلوا الفتيل فى البداية دونما تبرير واضح بداخلهم لما هم فاعلوه. ولعل الثورة الفرنسية عام 1789 كانت خير مفسر لمثل هذا السلوك؛ حينما رصد خبراء علم النفس والاجتماع سلوكيات غير منطقية طرأت على تصرفات كثير من النبلاء؛ فيما لم يعتده الناس منهم؛ إذ انخرط هؤلاء الصفوة وسط الجموع يرتكبون فظائع لم يعهدها الناس سوى من الدهماء من القوم، وهو ما كان سببا فى تأسيس فرع فى علم النفس عرف باسم (علم النفس الجماعي)، والذى تيقن خبراؤه من أن سلوك الفرد قد يتحول إلى منتهى النقيض تحت تأثير سلوك الجماعة، مهما تبلغ درجة انحراف سلوك الجماعة، ومهما تبلغ رفعة الفرد وقناعاته ومدى تحضره (منفردا).
وأخيرًا .. أنا لا أدافع عن أحد؛ ولا أبرر لأحد أخطاءه، فلكل امرئ ما نوى، ولكن ما يعنينى بحق هو شيء واحد: ألا وهو شراسة البعض فى النيل من الناس لمجرد أن رأى سقطة استتبعتها هوجة وهو يعلم أنها غير مبررة؛ ويكأن أحدًا منا بلا خطيئة؛ فمن كان منكم بلا خطيئة فليرم كل من يخطئ منا أولا بحجر!
أما عنكن بنات الصعيد الماجدات، فجميعنا نعلم أنكن أشرف وأطهر من أن يمسكن أحد بثمة تلميح أو تصريح، فأنتن جبل شامخ.