بتوجيه ورعاية من الرئيس عبدالفتاح السيسي، تتولى الدولة تنفيذ المشروع القومي لتطوير جميع القرى المصرية اجتماعيًا واقتصاديًا وعمرانيًا، والبالغ عددها نحو 4741 قرية، فضلا عن العزب، والكفور، والنجوع، ويعيش فيها 56% من السكان، خلال ثلاث سنوات، باستثمارات تبلغ 515 مليار جنيه، ويهدف المشروع إلى التطوير الشامل للبنية الأساسية وللخدمات العامة، فضلا عن المشروعات الاقتصادية والصناعات الريفية التي من شأنها توفير فرص العمل، وتحسين دخول المواطنين الريفيين.
ويشرف على المشروع بشكل مباشر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء. كما يشارك فيه العديد من الوزارات الخدمية والهيئات العامة، بما فى ذلك الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. ويأتى هذا المشروع فى إطار المشروعات القومية التى تتبناها الدولة منذ فترة والتى تهدف إلى وضع مصر قى مكانها الصحيح بين الدول المتقدمة التى ما كان لبعضها أن تسبقها، لو أن القائمين على شئون مصر قد اهتموا بهذه المشروعات منذ عقود مضت. وينطلق المشروع من الإيمان بأهمية التنمية المحلية والريفية المستدامة التى أصبحت تمثل هدفا رئيسيا تسعى إلى تحقيقه جميع الحكومات فى الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
فالتنمية المحلية والريفية تأتى على رأس اهتمامات العديد من الدول الصناعية مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، وغيرها من الدول فى إطار سعيها إلى نهضة وتقدم شعوبها. ولما كان هناك العديد من الدول التى لها خبرات وتجارب رائدة فى مجال التنمية المحلية والريفية، فإن الواجب يفرض علينا أن نتعرف على أهم الدروس التى يمكن أن نستفيدها من هذه التجارب والخبرات الدولية، حتى يحقق المشروع الأهداف التى تبتغيها الدولة من وراء تنفيذه. ومن أهم هذه الدروس:
أولا:أهمية وجود قاعدة معلومات وبيانات عن الوضع الحالى فى كل قرية بجميع جوانبه، بما يشمله ذلك من الموارد الطبيعية، والسكان، وحالتهم التعليمية والصحية والخدمات الموجودة بكل صورها، والمنظمات والمؤسسات القائمة ونشاطها، والقيادات المؤثرة فى أفكار الناس والقادرة على إقناعهم. ولن يؤثر ذلك فى المدة المقدرة لتنفيذ المشروع، لأن المفترض أن هذه القاعدة موجودة بالفعل.
ثانيا: أن يكون المشروع فى إطار خطة قومية تتضمن تصنيفا للقرى المصرية، ويتم من خلالها تحديد مستوى التنمية فى كل قرية (متقدمة، ومتوسطة، ونامية..إلخ)، بحيث يتم توجيه المشروعات التى تتناسب مع كل مجموعة منها، وعلى أن تكون لهذه الخطة خطط فرعية على مستوى المحافظات.
ثالثا: مراعاة التكامل فى عملية تنمية القرى، بحيث تغطى جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، فالتنمية الريفية المتكاملة أصبحت أمرًا لا مفر منه، بحيث تدعم الزراعة والبنية التحتية والصناعة بعضها البعض، وتعزز بعضها البعض. فالحاجة إلى ربط الزراعة بالصناعة والتعليم والصحة والبنية التحتية، من أجل تحقيق أهداف التنمية الريفية والتنمية الشاملة / المتوازنة لها أهمية قصوى. كما لابد من الاهتمام بالصناعات الريفية، خاصة تلك التى تعتمد على استخدام الخامات الأولية المتوافرة فى البيئة الريفية.
رابعا: يجب أن تكون هناك جهة مركزية تتولى التنسيق بين مجالات وأنشطة المشروع التى تتداخل فيها وزارات عديدة، كالإسكان، والكهرباء، والصحة، والتعليم، والصناعة، والتضامن الاجتماعى، وغيرها من الوزارات التى تمتد فروعها وهيئاتها العامة وشركاتها المختلفة إلى المحافظات ووحداتها المحلية. ويمكن أن تكون هذه الجهة وزارة التنمية المحلية، باعتبارها الوزارة المسئولة عن التنمية المحلية، بما فيها التنمية الريفية، والمرتبطة مباشرة بالمحافظات. كما يمكن أن تكون هذه الجهة عبارة عن هيئة أو لجنة قومية يتم من خلالها تمثيل هذه الوزارات والهيئات العامة، وتتبع رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء مباشرة، لتسهيل عملية التنسيق.
وتأتى أهمية دور المحافظات والوحدات المحلية (بجناحيها التنفيذى والشعبى)، ليس فى توليد الحافز وتشجيع المواطنين، باعتبارها الأقدر على ذلك والأقرب إلى سكان الريف، ولكن باعتبارها أيضا الأكثر قدرة على المراقبة وتنسيق أنشطة المشروع على مستوى القرية، وربط المسئولين الحكوميين وسكان القري، ولرفع تقارير عن مستويات الإنجاز إلى المستويات الحكومية الأعلى.ويشمل التنسيق أيضا أنشطة المنظمات غير الحكومية، لتحقيق أهداف تنفيذ المشروع، ولتحقيق نتائج مستدامة.
خامسا: تأكيد حوكمة المشروع، بحيث يشارك فى تنفيذه جميع مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية ورجال الأعمال والمواطنين، لأن التنمية الريفية عملية مستمرة لن تنتهى أو تتوقف بالانتهاء من تنفيذ المشروع فى الفترة الزمنية المحددة.
سادسا: أهمية مشاركة المواطنين الريفيين فى المشروع والتي يمكن أن تختلف صورها وأشكالها من قرية إلى أخرى أو من محافظة إلى أخرى، وفقا لإمكانيات وقدرات المواطنين ورؤاهم، ووفق الجدول الزمنى للتنفيذ. فلقد أكدت الخبرات الدولية أن مشاركة السكان المحليين فى مشروعات التنمية الريفية كانت هى العامل الرئيسى الذى أسهم فى نجاحها، من خلال زيادة تعبئة الموارد، وتوفير الضوابط والتوازنات، والربط بين مخرجات التنمية واحتياجات سكان الريف.
سابعا: إشراك مؤسسات المجتمع المحلى غير الرسمية فى تنفيذ المشروع، خاصة فى برامج التخفيف من حدة الفقر، حيث تتمتع هذه المؤسسات عمومًا بجذور قوية داخل مجتمعاتها، ويمكنها تنظيم الفقراء بشكل أفضل. ففى دراسة عن عشرين حكومة محلية فى إيطاليا، تبين أن برامج التنمية كانت أكثر نجاحًا، وأن النمو الاقتصادى كان أعلى فى شمال إيطاليا منه فى الجنوب. وكان من أهم العوامل التى أسهمت فى نجاح شمال إيطاليا فى تنمية المجتمع هو المشاركة المجتمعية النشيطة فى المنظمات الاجتماعية فى شمال إيطاليا التى أدت إلى توثيق العلاقة بين المجتمع والحكومة، مما أدى بدوره إلى تحسين الحوكمة، وذلك على العكس من جنوب إيطاليا، حيث العضوية المؤسسية أقل نشاطًا.
ثامنا: تقييم أداء الأعمال التى يتم تنفيذها، والتأكد من أن المشروع والتكاليف التى خصصت له أدت إلى تحقيق الهدف الذى تنشده الدولة، وأبناء الريف، على أن يكون التقييم متصلاً ومستمراً طوال مراحل المشروع، حتى يتم كشف الأخطاء أولاً بأول وتصحيح المسار عند الحاجة، مع المتابعة الدورية المستمرة لضمان كفاءة التنفيذ ومواصفاته والالتزام بالجدول الزمنى دون تأخير. وفى إطار عملية التقييم، تأتى أهمية مشاركة المواطنين وإعطاء أولوية عالية لأصواتهم فى إطار من الشفافية التى تسمح لهم بأن يكونوا على دراية بكل جوانب المشروع ومراحل تنفيذه.
إن نجاح مشروع تطوير القرى المصرية سوف يمثل نقلة كبيرة بالنسبة إلى الريف المصرى، وللتنمية المحلية التى أصبحت تلعب دورا مهما فى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة فى جميع الدول، خاصة فى ظل توافر أهم شروط نجاح المشروع، وهو الالتزام والدعم السياسى من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسى.
> أستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية