Close ad

بايدن وقيادة العالم (2/1)

11-2-2021 | 12:13
الأهرام اليومي نقلاً عن

زار الرئيس الأمريكي وزارة الخارجية في ٤فبراير وألقى كلمة شكلت مع جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ مع وزير الخارجية الحالي قبل تثبيت تعيينه أساساً لفهم التوجهات الخارجية للإدارة الجديدة، وبينما كان بلينكن في الكونجرس يجيب عن أسئلة متناثرة فإن بايدن قدم رؤيته الشاملة للدور القيادى لبلاده ومواقفها الدولية.

وقد بدأ كلمته بالقول بأن أمريكا عادت للعالم، وهو بالطبع يقصد أنها عادت للمسار الطبيعى الذى قلبه سلفه رأساً على عقب، فعلى الرغم من انسحابه من التزامات دولية كاتفاقية المناخ والاتفاق النووى مع إيران ومنظمة الصحة العالمية وغير ذلك فإن الولايات المتحدة كانت حاضرة عالمياً بثقل العقوبات التى أسرف فى فرضها على خصومه والارتباك الذى أحدثه فى التحالفات الأمريكية، وبالذات مع أوروبا وتحركاته غير المألوفة كمحاولة الاتفاق مع زعيم كوريا الشمالية والاتفاق مع طالبان - التى كانت السبب أصلاً فى الهجوم على أفغانستان- على تسوية للصراع فيها، وهى -أى أمريكا- تعود وفقاً لبايدن فى وقت تتسارع فيه التحديات التى ذكر فى مقدمتها صعود النظم السلطوية وهو الإطار الذى اختار أن يضع فيه أهم تحديات القيادة الأمريكية للعالم النابعة أساساً من الصين ثم روسيا، وهى تعود للقيادة بقوة نموذجها وليس بنموذج قوتها، أى أن الأولوية لديه فى أدوات القيادة الأمريكية تنعقد أساساً للدبلوماسية دون أن يعنى هذا غياب القوة، لكن القوة العسكرية يجب أن تتلاءم مع الأهداف الدبلوماسية، وهو ما يفسر إشارته للمراجعة التى يقوم بها وزير الدفاع للتأكد من ملاءمة الأوضاع العسكرية لأهداف السياسة الأمريكية، وإشارته فى هذا السياق لوقف انسحاب كان ترامب قد خطط له للقوات الأمريكية فى ألمانيا، وقد يفسر أيضاً التصريح الأخير لبلينكن بأن القوات الأمريكية فى سوريا لن تتولى من الآن مهمة حماية آبار النفط.

وتستند الدبلوماسية لدى بايدن إلى القيم الديمقراطية التى تمثل بالنسبة له بوصلة سياسته الخارجية والمعين الذى لا ينضب للقوة الأمريكية، وهو يلمح إلى ما تعرضت له هذه القيم من ضغوط فى السنوات القليلة الماضية بل الأسابيع الأخيرة تاركاً مستمعه يستنتج أنه يقصد ممارسات ترامب فى آخر أيامه بدليل إشارته إلى أن الشعب الأمريكى فى طريقه للخروج من هذه اللحظة على نحو أقوى وأكثر تصميما لتوحيد العالم من أجل الدفاع عن القيم الديمقراطية والتصدى للتهديدات التى تمثلها الصين وروسيا لهذه القيم.

وقد يتصور البعض للوهلة الأولى أن هذا الموقف سوف يفضى إلى قطيعة مع هاتين الدولتين غير أن ركيزة العلاقات الدولية التى يتعلمها دارسها المبتدئ تبقى راسخة، فقد حرص بايدن على أن يؤكد أن بلاده ستكون مستعدة للتعامل مع الصين عندما يصب هذا فى المصلحة الأمريكية، وهو نفس ما أكده عند الحديث عن العلاقة مع روسيا، فقد أشار إلى أن القيادة بالدبلوماسية تعنى الانخراط فى علاقات مع الخصوم والمنافسين عندما يحقق هذا المصلحة الأمريكية ويعزز أمن الشعب الأمريكي.

وهذا هو السبب الذى قدمه لموافقته على تجديد معاهدة ستارت مع روسيا لخمس سنوات للحفاظ على المعاهدة الوحيدة الباقية بين البلدين لحماية الاستقرار النووى بينهما، ولا يمنع هذا من إدانته الشديدة ممارسات صينية وروسية عديدة، لكن الدرس القديم يبقى صحيحا وهو ألا مثالية فى العلاقات الدولية وأنه عندما تصطدم الأيديولوجية والمصلحة تكون الأولوية دائماً للأخيرة، ويعنى هذا أن الحديث عن بناء إدارة بايدن التعامل مع الدول على أساس احترامها للديمقراطية وحقوق الإنسان لن يؤتى آثاره إلا بالنسبة للدول الضعيفة والتى لا يوجد لها تأثير على المصالح الحيوية الأمريكية، وفى إطار إعلاء بايدن القيم الديمقراطية تحدث عن النزعات العنصرية وأفكار سمو العرق الأبيض فى بلاده وضرورة مواجهتها مواجهة شاملة حتى تكون هناك مصداقية للسياسة الأمريكية عندما تستضيف قمة الديمقراطية التى ينوى عقدها لحشد دول العالم للدفاع عن الديمقراطية والتصدى لصعود السلطوية، وهى قمة أتصور أنها ستتسبب فى حساسيات لا أول لها ولا آخر للسياسة الأمريكية بقدر ما ستضع إدارة بايدن فى حرج تحديد من هم أنصار الديمقراطية وأعداؤها، والواقع أن التركيز على الديمقراطية وحقوق الإنسان كمنطلق للسياسة الأمريكية سيبقى موضوعاً ملتبساً طالما أن بعضاً من أهم حلفاء الولايات المتحدة وعلى رأسهم إسرائيل أصحاب ملفات مخزية فى حقوق الإنسان.

وقد حرص بايدن على أن يشير إلى أن بلاده لا تستطيع مواجهة التحديات المتعاظمة الراهنة وحدها ومن هنا أهمية إصلاح الضرر الذى لحق بالتحالفات الأمريكية، ونوه فى هذا السياق باتصالاته مع أقرب أصدقاء الولايات المتحدة من قادة كندا والمكسيك والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والناتو واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا كخطوة على طريق ضخ الدماء فى عروق هذه التحالفات التى ضمرت فى السنوات الماضية (أى سنوات ترامب) بسبب التجاهل والإساءة، واعتبر هذه التحالفات المقوم الأعظم للقوة الأمريكية، وكأنه أستاذ جامعى يدرس لطلابه المحاضرات الأولى فى مبادئ العلاقات الدولية راح يؤكد أهمية العلاقة بين الداخل الأمريكى والسياسة الخارجية، وكيف أنه بتقوية الداخل تتعزز القدرة الأمريكية على المنافسة العالمية ولن تكون هناك قوة قادرة على منافسة الولايات المتحدة، وهو أمر محتمل لكنه ليس أكيداً إلا إذا تعثرت لسبب أو لآخر رحلة القطار الصينى السريع، كما أخذ فى شرح أهمية التواقف (الاعتماد المتبادل) الدولى فعندما نقوى حلفاءنا نزيد قدرتنا على درء التهديدات قبل أن تصل إلينا، وعندما نستثمر فى التنمية الاقتصادية لبلدان أخرى نفتح أسواقاً جديدة لمنتجاتنا ونقلل احتمالات عدم الاستقرار والعنف وتدفق الهجرة وعندما نقوى النظم الصحية فى البلدان المختلفة فإننا نقلل المخاطر المستقبلية لأوبئة جديدة وهكذا، غير أن بايدن لم يركز فى كلمته على قضايا صراعية كثيرة مهمة، وقد كان هذا منطقياً لو أن كلمته اقتصرت على رؤية عامة لكنه اختار أن يتحدث عن انقلاب ميانمار الأخير وهذا مفهوم لجدته، لكنه خص الصراع فى اليمن بالحديث لسبب غير مفهوم لى حتى إننى حاولت ربطه باهتمامه بالملف الإيرانى الذى لم يتناوله بحرف كما لم يتناول قضايا بالغة الأهمية كالصراع العربي-الإسرائيلى والسياسة التركية فى شرق المتوسط والصراعين فى سوريا وليبيا وسد النهضة وقضية الصحراء الغربية التى تجاوز اعتراف ترامب بالسيادة المغربية عليها القرارات الأممية، ولنا محاولة لاستكمال الفهم فى المقالة القادمة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
خواطر وحدوية «1/2»

مرت منذ ثلاثة أيام الذكرى الثالثة والستون للوحدة المصرية-السورية التى بدت فى حينه خطوة جبارة على طريق تجسيد حلم الوحدة العربية باندماج أكبر وأقوى دولة

بايدن وقيادة العالم (٢/٢)

استعرضت المقالة الماضية رؤية الرئيس الأمريكى لدور بلاده فى قيادة العالم بقوة نموذجها المستند إلى القيم الديمقراطية وإعلائه من ثم لدور الدبلوماسية مع الإبقاء