Close ad

الحديد والصلب فى ضمير مصر

4-2-2021 | 13:47
الأهرام اليومي نقلاً عن

أثار قرار الجمعية العمومية لشركة الحديد والصلب بتصفيتها موجة واسعة من التحفظات والاعتراضات أثبتت أن حلم التنمية المستقلة مازال راسخا فى الضمير المصرى رغم كل ما جرى، ولم يكن صحيحا ما ذهبت إليه إحدى المقالات من أن رمزية الحديد والصلب تخص جماعة ضيقة من الرومانسيين المتحمسين الذين أدمنوا التعايش مع الخسارة الاقتصادية والتخلف التكنولوجي، فقد شمل الاعتراض مجلس النواب المصرى وأحزابا سياسية وقطاعا واسعا من قادة الرأى فى الصحافة المصرية ورجال صناعة ناجحين فضلا عن أصحاب المصلحة المباشرين من عمال المصنع وتنظيمهم النقابي، وقد كانت حجة متخذى قرار التصفية واضحة، فقد بلغت الخسائر فى ٢٠عاما ١٥٫٦مليار جنيه وتقادمت تكنولوجيا المصنع مما رفع تكلفة الإنتاج على نحو أفقد الصناعة جدواها الاقتصادية، وبالمقابل كانت حجة المتحفظين والمعترضين أيضا واضحة، فالصناعة ذات طابع استراتيجي، وقد لعب المصنع منذ إنشائه في١٩٥4 دورا رائدا فى عملية البناء المدنى والعسكرى لعل هذه الأزمة تكون حافزا لكتابة تاريخه الحقيقى والدور الذى لعبه فى تنمية القدرات الصناعية والعسكرية المصرية، وإذا كانوا يعيبون على المصنع تقادم التكنولوجيا المستخدمة فيه فقد كان لحظة إنشائه يمثل ذروة التكنولوجيا الألمانية آنذاك، ولذلك فإنه بدلا من القول بتقادم تكنولوجيا المصنع يجب أن يكون السؤال عن السياسات التى وصلت به وبغيره إلى هذا الحال، وأدت إلى تصفية قلاع للصناعة المصرية كما حدث مع شركة المراجل البخارية وغيرها وكما يمكن أن يحدث لا قدر الله مع صرح عملاق آخر كمجمع الألومونيوم.

لا جدال فى شبهة العمد أو على أقل تقدير الإهمال الجسيم الذى أفضى إلى هذا الوضع، ويضيق المكان بسرد ما وقع للصناعة المصرية ومنها قلعة الحديد والصلب منذ سبعينيات القرن الماضي، لكنى أكتفى هنا بتكرار تصريحات وزير قطاع الأعمال عن سنوات أربع حاسمة (٢٠١٤-٢٠١٧)، ففي٢٠١٤ كان واضحا أن حال المصنع بات يحتاج إنقاذا فتمت الاستعانة بمجموعة تاتا العالمية للصلب التى كُلفت بعمل دراسة حددت المطلوب لتطوير الشركة، وتم إعداد كراسة الشروط في٢٠١٥، لكن الطرح تأخر حتى منتصف٢٠١٧! ولم تفتح العروض إلا فى نهاية السنة، وفى بداية٢٠١٨  تمت الاستعانة بذات المجموعة لتحديث دراستها لمرور ٤سنوات عليها فأشارت إلى حدوث أضرار كبيرة نتيجة سوء التشغيل خلال هذه المدة، ويبدو أن الأضرار كانت جسيمة حقا لأنه عندما طلبت المجموعة تشغيل الأفران بالطاقة القصوى لثلاثة أشهر متصلة مع رصد النتائج لم يمكن التشغيل إلا لمدة١٢يوما، وتكفى هذه الوقائع التى أنقلها عن الوزير فى بيانه أمام مجلس النواب لإثبات ما أقول، فقد ضاعت ٣سنوات ثمينة منذ أعدت المجموعة دراستها ووضعت كراسة شروطها فى التلكؤ على النحو الذى أوصل الشركة إلى حالة الموت السريري، فإذا ما عدنا إلى سنوات تسبق هذه الوقائع لوجدنا أن الشركة كانت تحقق أرباحا فى بعض الأعوام كما فى سنوات (١٩٩٧-٢٠٠٣) و (٢٠٠٥-٢٠١٠)، وهى أرباح وُصِفت بالهامشية وبأنها غير حقيقية لأنها ترتبت على إيرادات عَرَضية أو إعادة تقييم الأصول وهى حيلة محاسبية معروفة، لكن المهم أن الشركة صمدت لقرابة أربعة عقود رغم كل سياسات التدمير التى اتُبِعت إزاءها إلى أن وصلنا إلى قرار التصفية الذى يبدو حتميا بلغة الأرقام الصماء، فماذا عن سؤال البدائل؟

لست خبيرا اقتصاديا لكى أطرح بدائل للتطوير ولن أعتمد على رؤية خالد الفقى ممثل العاملين فى مجلس الإدارة والذى يرى أنه يمكن فى ٣سنوات انتشال الشركة من أزمتها والوصول بها إلى نقطة التعادل أى لا مكاسب ولا خسائر، ولكنى أعتمد على المقالة الرائعة التى نشرها الأهرام للدكتور نادر رياض رجل الصناعة ورئيس مجلس الأعمال المصري-الألماني، والتى أحدثت أصداء إيجابية واسعة لدى كل المخلصين المهتمين بإنقاذ الصناعة الوطنية، وأُذَكر بأنها تضمنت رؤية علمية شاملة لأبعاد المسألة كافة، فتحدثت عن أهمية بقاء المصنع لأن أسعار منتجاته هى رمانة الميزان فى توازن أسعار الصلب فى مصر وأن شركات القطاع الخاص دون استثناء تنتظر تصفيته لتعمل فى أجواء احتكارية تمكنها من إطلاق أسعارها دون قيد علما بأنها تستورد خاماتها بالكامل من الخارج، أى أن تصفية الحديد والصلب الذى يشكل منظومة محلية متكاملة للإنتاج بداية بالمواد الخام وانتهاءً بالمنتج المُصَنع ستكون ردة إلى الوراء تعيدنا إلى التجارة فى المواد الخام وليس تصنيعها بما يحقق قيمة مضافة وهو عكس مسار الدولة المصرية الآن، كذلك تحدث الدكتور نادر بالتفصيل عن القيمة النوعية المتفردة لمنتجات المصنع، وقدم حلولا عملية لمشاكل المصنع كمشكلة نسبة التركيز فى الخام المصرى مقترحا إضافة ١٠-١٥٪‏خامات مستوردة، ورؤية للتطوير للوصول إلى نقطة التعادل ثم الربح، أى أن الأمانى مازالت ممكنة.

 وعلى المهتمين مراجعة مقالته، ثم يصل الدكتور نادر إلى بيت القصيد بقوله أما وقد رأينا تحقيق المعجزات فى كل مناحى الاقتصاد والبنية الأساسية بأسرع مما يمكن استيعابه أمام دهشة وإعجاب العالم فلنا رجاء أن يُعامل مصنع الحديد والصلب بهذه الروح ليقوم هذا العملاق من كبوته، وأضم صوتى إليه بأن الحديد والصلب بحاجة إلى الروح التى شقت تفريعة القناة وأنجزت كل هذه المشاريع فى أزمنة قياسية، وعلى الشعب أن يساعد قيادته فى إحياء الحلم كما اقترح الأستاذ أحمد الجمال وآخرون بعملية تمويل شعبي، صحيح أنها ستكون أصعب من تمويل تفريعة القناة حيث لا عوائد مرتفعة مضمونة فى البداية لكن ثقتى مطلقة فى أن الشعب المصرى الأصيل لا يمكن أن يخذل حلمه فى الوصول إلى التقدم الذى يليق بمصرنا العزيزة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
خواطر وحدوية «1/2»

مرت منذ ثلاثة أيام الذكرى الثالثة والستون للوحدة المصرية-السورية التى بدت فى حينه خطوة جبارة على طريق تجسيد حلم الوحدة العربية باندماج أكبر وأقوى دولة

بايدن وقيادة العالم (٢/٢)

استعرضت المقالة الماضية رؤية الرئيس الأمريكى لدور بلاده فى قيادة العالم بقوة نموذجها المستند إلى القيم الديمقراطية وإعلائه من ثم لدور الدبلوماسية مع الإبقاء

بايدن وقيادة العالم (2/1)

زار الرئيس الأمريكي وزارة الخارجية في ٤فبراير وألقى كلمة شكلت مع جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ مع وزير الخارجية الحالي قبل

الأكثر قراءة