Close ad
11-1-2021 | 06:57

منذ حوالي ٤ أسابيع توقفت عن كتابة مقالي؛ حيث كنت مشغولًا برعاية والدي ومتابعة حالته الصحية، بعد أن أجرينا له جراحة "تغيير مفصل" على يد صديقي جراح العظام الكبير د.رامز حليم..

ولأنها كانت تجربة إنسانية لم أعشها من قبل، فإنني قررت أن أتناول في أول مقال أكتبه جانبًا من تلك التجربة.

قد يبدو ما أكتبه الآن موضوعًا شخصيًا إلا أنه في حقيقة الأمر مسألة إنسانية تخص الجميع؛ وخاصة كل شخص لديه أبناء ويحب أن يكون عزيزًا ومكرمًا من أبنائه في "شيخوخته" التي هي آتية لا محالة.

المهم أنني وبعد أن خرج الوالد من المستشفى ليستكمل علاجه في بيتي قبل أن يتوجه إلى سوهاج، استيقظت ذات ليلة قبل أذان الفجر، وكانت إحدى اليالي التي شهدت طقسًا شديد البرودة، فذهبت إلى حيث ينام الوالد لأطمئن إن كان يحتاج إلى المزيد من الغطاء ليقيه من هذه البرودة الشديدة، وبالفعل وجدته في حاجة إلى تدفئة فقد كان يشعر بالبرد، وجلست إلى جواره ووضعت عليه "بطانية" ثانية، وبعد أن بدأ الدفء يتسرب إلى جسده المنهك من المرض، فوجئت به والدموع تنزل من عينيه وهو في شدة التأثر؛ خاصة حينما شاهدني على هذا النحو من شدة الخوف عليه!!

وما إن سألته عن سبب هذه الدموع حتى فوجئت به يقول لي جملة لن أنساها في حياتي؛ حيث قال بالحرف الواحد: "أنت وإخواتك ما تعبتونيش في تربيتكم.. وأنا دلوقت إللي بتعبكم!!" مسحت دموعه و"طبطبت" على كفته ولم أرد عليه؛ لأنني في هذه اللحظة سرحت بعيدًا، ودون أن أشعر فوجئت بأن الزمن قد عاد بي إلى الوراء حوالي ٤٦ عامًا، وبالتحديد حينما كان عمري في حدود عشر سنوات، وقتها كنت مع والدي في سوهاج ورجعنا إلى قريتنا بعد منتصف الليل، وفي ذاك الزمن كانت القرية كلها تنام بعد العشاء، أي أننا رجعنا في وقت متأخر جدًا، دخلنا البيت الكبير وقبل أن نصعد إلى الطابق العلوي قال لي أبي: "تعال لنطمئن على جدك"، وبالفعل ما إن دخلنا عليه غرفته حتى فوجئنا بأنه يرتعد من شدة البرد! فقام والدي بوضع "لحاف قطن" ثانٍ عليه، لحظتها وجدت جدي - الذي كان الجميع يخشونه من قوة شخصيته - الدموع تنزل من عينيه وهو يقول لوالدي: "إنت وإخواتك ما تعبتونيش في تربيتكم.. أنا دلوقت إللي بتعبكم".

وبينما كنت أعيش في تلك اللحظات القادمة من أيام الطفولة والزمن الجميل، أفقت على صوت الوالد وهو يقول: "سرحان في إيه؟" ابتسمت وقلت له: "سرحت فيما فعلته أنت في البيت الكبير منذ ٤٥ سنة".. فهمت من نظراته أن الرسالة وصلت، وقلت له: فعلًا "كله سلف ودين".

في هذه الليلة لم أذق طعم النوم ليس من "وخز الضمير" - كما كان يحدث لبطلة فيلم "لا أنام" - ولكن من كثرة التفكير في رغبة انتابتني لفعل أشياء كثيرة أحببت أن أعيش تفاصيلها فيما بعد؛ وبالتحديد في "شيخوختى" طالما كان في العمر بقية.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
سلاح "الوطنية" وساعة "الخونة"!!

سلاح "الوطنية" وساعة "الخونة"!!

"إللي ما يعرفش"!!

"إللي ما يعرفش"!!

"دفنينه سوا"!!

في عالم السياسة لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم؛ بل هي المصالح الدائمة التي تحكم العلاقات المرتبطة بهذا المجال، ولكن للأسف الشديد فإنه مع التدهور الشديد

حبوا تصحوا !!

تشير جميع الدلائل الى أن الموجة الثانية من فيروس كورونا قد تكون أكثر شراسة من موجته الأولى، وعلى الرغم من ذلك فنحن نعيش حالة من اللامبالاة تصل فى كثير

أصحاب القلوب السوداء!!

ذات يوم وقفت إحدى المدرسات بين تلاميذها، وقالت إنها تريد أن يحضر كل واحد منهم في اليوم التالي ومعه كيس به ثمار البطاطس، وطلبت أن يطلق كل واحد منهم على ثمرة البطاطس اسم شخص يكرهه!!

لعنة "والي عكا"

كلما شاهدت فيلم الناصر صلاح الدين، وهو من كلاسيكيات السينما المصرية، أتوقف كثيرا أمام شخصية والى عكا التى جسدها ببراعة الفنان توفيق الدقن، فمن أين أتى

"تعويذة" هدم الدولة!!

علينا أن نعترف بأننا نعيش الآن ظروفًا معيشية قاسية.. فلا أحد ينكر تلك الحالة الصعبة التى "تعصر" الجميع دون استثناء فى ظل ارتفاع جنونى فى أسعار كل شيء،

"غشاوة" العيون!!

منذ عدة سنوات، وبينما كنت أسير في أحد شوارع مدينة شتوتجارت المعروفة بقلعة الصناعة في ألمانيا، لفت نظري حالة الانبهار التي شاهدتها في وجه صديق صحفي كان

"جريمة" الدكتورة إيناس!

من حق الجماعات الإرهابية ودعاة الفكر المتطرف أن يكرهوا الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة، كرهًا يفوق كراهية "الذئب" لضوء "النار"، فكما هو معروف أن

المرار "الطافح"!!

هل أفرط "البسطاء" في أحلامهم المشروعة بأن الرئيس السيسي، الذي جاء بإرادة شعبية غير مسبوقة سوف ينقلهم ـ وبقدرة قادر ـ إلى دنيا غير الدنيا وإلى مستوى من

"وقاعين الشيل" الجدد!!

كتبت من قبل عن تلك النوعية من الناس الذين كنا نطلق عليهم فى قريتنا بسوهاج أيام زمان اسم "وقاعين الشيل" هؤلاء الناس كانوا من محترفي إيذاء السيدات وخاصة

الأكثر قراءة