سكان حى الزمالك عاشوا على مدى ثلاثة أيام تجربة غير مسبوقة بسبب ظروف العمل فى محطة مترو الأنفاق بالحى الهادئ والتى تسببت فى اختفاء ماسورة المياه الرئيسية التى تغذى الحى بالكامل فى باطن الأرض على عمق 40 مترا، مما أوجد صعوبات كبيرة فى مسار العمل لعودة المياه، فى الوقت الذى كانت الاستغاثات فيه تتوالى من السكان العالقين فى منازلهم دون مياه وبينهم كبار فى السن وأطفال ومرضى وهو أمر طبيعى ولا يحتاج الى شرح، وتم الاعتماد بشكل كامل على المياه المعدنية فى تمرير متطلبات الحياة الضرورية فى ظل وباء كورونا الذى يمثل رعبا لكل الأسر المصرية، مما دفع البعض من خارج الزمالك إلى التندر على مثل هذه التصرفات الاضطرارية التى يلجأ إليها الإنسان فى مثل هذه الظروف القاسية حتى يستطيع أن يعيش حياة شبه طبيعية، واعتبروا أن قدرتهم على التحمل غير موجودة قياسا بمناطق أخرى تتعرض لظروف انقطاع المياه لأيام، وهى مقارنات لا محل لها من الإعراب وقياس خارج السياق على قاعدة أن لكل مكان ظروفه الخاصة، بعض السكان تركوا الزمالك فى هذه الايام، والبعض الآخر هرع إلى النادى بينما طبيعى أن تبقى الأكثرية فى منازلهم تتابع لحظة بلحظة تطورات الموقف.
الجميع كان يعيش المعاناة بمعناها الواسع، وعكست ذلك التعليقات التى وردت على لسان سكان الزمالك على مواقع التواصل الاجتماعي. ربما كانت السخرية أسوأ ما فى الأزمة حيث شعر سكان الحى بأن البعض يتندر عليهم، من باب السخرية او من زاوية أخرى لها علاقة بطبيعة شهرة الحى ومستوى قاطنيه، بينما كان العاملون فى شركة المياه يبذلون قصارى جهدهم من أجل عودة المياه ويواصلون العمل طوال ساعات الليل والنهار تحت إشراف ميدانى من المهندس ممدوح رسلان رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وهو يتابع مع السكان والعاملين من مهندسين وفنيين لحظة بلحظة الموقف وهم يعملون بكل الإخلاص والتفانى، وفى الوقت نفسه يضع كل الإمكانات التى قد تخفف من حجم المأساة من أجل التخفيف عن السكان ومن بينها الدفع بعدد من سيارات المياه فى بعض الشوارع، وهى جهود تستحق التقديرعلى قاعدة أن كل يد فى هذا الوطن تعمل بإخلاص وهمة، تستحق ذلك وأكثر كونها تمارس وظيفتها لخدمة المواطن والتخفيف عنه، واستمرت الجهود والعمل على مدار الساعة حتى نجحت شركة المياه فى استعادة المياه بتركيب ماسورة علوية جديدة بديلة عن تلك الماسورة التى اختفت فى باطن الأرض وتعذر البحث عنها حتى لا يتعطل مرور الحفار العملاق أسفل البنايات..
كانت الاستجابات سريعة من شركة المياه على الرغم من سوء الحظ الكبير حيث تعرضت الشبكة لكسر جديد أدى إلى استمرار انقطاع المياه 3 أيام فى منطقة أبو الفدا وامتلأ النفق بالمياه، ومع هذا تعاملت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى مع هذه الظروف بصبر وجهد حتى تمكنت من عودة المياه،لجميع المناطق بالحي.
مرت الأزمة الصعبة وغير المسبوقة على حى شهير يصنف على أنه أرقى أحياء القاهرة ويعج بالبعثات والهيئات الدبلوماسية والمتاحف، والقصور التاريخية لكنها تركت خلفها جملة من التساؤلات المشروعة، فحتى تاريخه يخشى سكان الحى المتفرد بخصوصيته من أن تكون المحطة الجديدة سببا فى انتشار مظاهر العشوائيات واستقبال الحى للمزيد من الباعة الجائلين وعتاة التشرد والتسول، كما يعيش السكان فى منطقة الحفر مشاعر من الخوف لا يمكن التعبير عنها بالكلمات خشية أن يحدث ما لا تحمد عقباه جراء الحفر فى تربة تعوم على أنهار من المياه.
سكان الزمالك يشعرون بنوع من الحسرة على ما آل إليه الحى الهادئ، وهم يشاهدون التغييرات التى تطرأ على المكان دون أن يكون فى مقدورهم فعل شيء، توجد جمعية تحمل اسم الزمالك تحاول بكل ما تملك العمل من أجل الحفاظ على هوية المكان، وخصوصيته ومكافحة كل مظاهر العشوائيات التى تسللت إلى المكان، وتكمن فى انتشار عدد لا بأس به من الأكشاك التى توجد على أرصفة الشوارع ذات الخصوصية المعمارية، فضلا عن ظاهرة باعة الخضراوات والفاكهة الذين يفترشون الشوارع ويتركون مخلفاتهم كل يوم، يضاف إلى ذلك كم رهيب من المتسولين المحترفين فى الشوارع خصوصا فى إشارة حسن صبرى مع شارع 26 يوليو، قد تكون هذه رسالة للمزيد من الاهتمام والحفاظ عليه كما كان فى السابق، فلا يوجد مبرر واحد للتفريط فى خصوصيته أو سمعته العالمية؛ حتى يبقى كما كان نموذجًا للحى الراقى الذى تفتخر به القاهرة ويضم أهم المعالم السياحية التى تمثل علامة بارزة للسياحة.