Close ad

خطوات إقليمية ودولية متقاطعة في الأزمة السورية

24-11-2020 | 21:52

كثيرة هى التطورات التى شهدتها الأزمة السورية مؤخراً، والتى تستبق دخول الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، ما يدفع إلى التساؤل حول مدى ما تمثله تلك التطورات من مؤشرات على احتمالية حدوث تغيير فى مواقف القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة، بناءً على التغييرات المحتملة في السياسة الأمريكية تجاه الصراع السوري.

أول هذه التطورات، يتمثل في فتح ملف إعادة الإعمار، وهو الملف الذى تضعه روسيا حالياً فى قمة اهتماماتها بعد أن جمدت طرحه بصورة مؤقتة نتيجة الرفض الأوروبى والأمريكى والأممى للانخراط فيه دون وجود حلحلة فعلية للأزمة. فقد عادت روسيا لطرح الملف باعتباره يمثل اعترافاً دولياً بمجمل نتائج معادلة الصراع التي فرضتها على المستويين السياسي والعسكري.

ومن المتوقع رفض بايدن الانخراط فى أية مشروعات دولية لإعادة الإعمار فى سوريا إلا بعد اتخاذ النظام السوري خطوات جادة وملموسة تجاه إصلاح سياسي شامل لا يستثنى أياً من أطراف العملية السياسية، مصحوبة بسياسة واضحة لعلاج أزمة اللاجئين، ما يعني أن إدارة بايدن قد تتجه إلى تفعيل الموقف الأمريكى الرافض لخطط روسيا لإعادة الإعمار، والعمل على مواجهتها عبر آلية "إشراك الحلفاء" لاسيما الأوروبيين، بهدف تشكيل جبهة رفض دبلوماسية لهذا الطرح.

وتتجه روسيا إلى تبني ورقة عمل سياسية- اقتصادية تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف في سوريا هى: تثبيت خريطة المصالح العسكرية والسياسية الناتجة عن التطورات على الأرض، وإعادة إحياء الاقتصاد السوري من خلال اتفاقات التعاون الثنائي في مجال الطاقة، وعودة اللاجئين السوريين، بما يعني ثبات الموقف الروسي على حاله دون تغيير حاد، بصورة تنفي أية احتمالات توحي بأن موسكو بصدد دعم طرح تشكيل "حكم انتقالي" عبر عملية سياسية بهدف التوصل لتسوية، وإنما هى بصدد إعادة ترسيخ "الانتصار" في سوريا بما يتجاوز الجانب العسكري ليشمل الجانب الاقتصادي والبنية التحتية. وقد يزيد ذلك من وطأة الضغوط الأمريكية على النظام السوري بصورة تتجاوز فكرة الإصلاح السياسي إلى فكرة الانتقال السياسي السلمي للسلطة عبر آلية التفاوض.
ملف شائك:
ثاني تلك التطورات، يتعلق بمؤتمر "عودة اللاجئين السوريين" الذي عقد فى 11 نوفمبر الجاري بدمشق بدعم روسى، والذي شهد اتهامات مباشرة وجهها الرئيس بشار الأسد خلال كلمته لكل من الولايات المتحدة وتركيا بمسئوليتهما عن أزمة اللاجئين نتيجة "خلقهما ظروف مفتعلة أجبرت السوريين على الخروج الجماعي"، رابطاً مسألة العودة بضرورة رفع العقوبات لكونها عاملاً مُقوِّضاً لتلك العملية.
المؤتمر قوبل برفض من الاتحاد الأوروبي الذي رأى أن الظروف الاقتصادية والأمنية لا تشجع السوريين على العودة الطوعية لديارهم، خاصة مع استمرار التهديدات كالاختفاء القسري والانتهاكات الحقوقية والتجنيد الإجباري فضلاً عن تدني خدمات البنية التحتية، بما يعني أن سوريا لاتزال تفتقد الشروط التي تشجع السوريين على العودة.

ويبقى الهدف من المؤتمر هو محاولة روسيا كسر العزلة الدولية والحصار الاقتصادي المفروض على نظام الأسد، ما يشير إلى استمرارية الأخير، بدعم روسى، في إنكار دوره فى أزمة اللاجئين، ويعد ذلك مؤشراً على إعادة طرح نفسه أمام الإدارة الأمريكية الجديدة بأنه صاحب الحق الحصري في تدشين عملية سياسية تحتاج رفع الحصار وإلغاء العقوبات، تسويقاً لفرضية أن تردي أوضاع البنية التحتية يفرض ظروفاً إنسانية واجتماعية واقتصادية تعرقل عودة اللاجئين.

ضربات مستمرة:
ثالث هذه التطورات، ينصرف إلى إعادة طرح إسرائيل نفسها كفاعل رئيسي على الساحة السورية، فبالرغم من كثرة الضربات العسكرية الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا على مدار الأعوام الماضية، إلا أن الاستهداف الأخير في 18 نوفمبر الجاري لأهداف عسكرية سورية وإيرانية في الجنوب السوري له دلالاته المهمة بالنظر إلى تزامن التوقيت مع فوز بايدن بالرئاسة. إذ ترغب إسرائيل في توجيه رسالة للإدارة الأمريكية تفيد استمرارية استهدافها العسكري للوجود الإيراني ولنشاطات حزب الله في سوريا، وقطع مسارات نقل الأسلحة بين سوريا ولبنان. لكن هذه السياسات لم تحجم من نفوذ إيران في سوريا، بل استمرت في دعم حزب الله، وهذا يعني أن الضربات الكثيفة والمتعددة للأهداف الإيرانية في سوريا لم تؤثر بالسلب على الإمكانيات العسكرية الإيرانية فيها، ولا على دور إيران في تزويد حزب الله بالأسلحة.

وفقاً لتلك المعطيات، تسوق إسرائيل نفسها للإدارة الأمريكية المنتخبة بأنها قادرة على إحداث تأثير شامل على الوجود الإيراني في سوريا عبر تلك الضربات، مع ملاحظة أن التأثير الشامل هذا لا يتوقف على آلية الاستهداف العسكري، بل يتجاوزها إلى آليات تتعلق بمجمل الأزمة السورية بأبعادها الدبلوماسية المختلفة، لأن فك الارتباط بين النظامين السوري والإيراني وبينهما وبين حزب الله لا يتوقف على كثافة الضربات العسكرية فقط، وإنما يحتاج مساراًَ دبلوماسياً يهدف إلى تغيير سياسات النظام السوري بشكل عام.

سياسة مزدوجة:
أما التطور الرابع، فيرتبط باتجاهات السياسة الأمريكية المحتملة مع تركيا بشأن سوريا. إذ أن احتمال إعادة بايدن للتعاون مع الحليف الكردي السوري سيصطدم بالضرورة بالموقف التركي الرافض لأى دور لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وهو ما يعني أن العلاقات الأمريكية- التركية بشأن سوريا ستصبح رهينة لتقييم أنقرة لسياسات بايدن تجاه الأكراد السوريين، لاسيما وأنه أعلن رفضه لسياساتها في المنطقة، وهو ما سينعكس بالضرورة على الملف الأهم لتركيا، وهو الوضع في إدلب. فانطلاقاً من فرضية الاهتمام المحتمل لبايدن بالأوضاع الإنسانية المتردية التي خلّفتها الأزمة السورية، لاسيما الوضع في إدلب، فمن المتوقع أن يشهد هذا الملف تفاعلاً ملموساً من جانبه خلال المرحلة القادمة، بما قد يفرض عليه ضرورة صياغة سياسة مزدوجة مع تركيا تقوم على رفض سياستها المُقوِّضة للأكراد السوريين من ناحية، وقبول سياستها فى إدارة ملف إدلب من ناحية ثانية، لاسيما أن ذلك سيمنع روسيا من الانفراد بترتيب الأوضاع فيها، وهو ما ستعمل أنقرة عليه بما يمكنها من اللعب على وتر تناقضات السياسة الأمريكية تجاه ملفات الاهتمام المشترك.

ختاماً، تشكل التطورات السابقة إطاراً عاماً لبعض تفاعلات القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، مستهدفة استشراف طبيعة العلاقات السياسية المحتملة بينها وبين الإدارة الأمريكية الجديدة خلال المرحلة القادمة.

باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

* نقلًا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: