قد يظل الممثل مقتنعا بما يعرض عليه من أعمال فنية، فيقدمها من قبيل أكل العيش، خصوصا في البدايات، يوافق دون تردد علي أي شخصية، ومعروف مسبقا أجره كام، فهو يكرر نفس الشخصية، طيب، شرير، ببدلة، أو جلباب، هذا نوع يشبه العامل الأجري، خرج من بيته باحثا عن الرزق فقط، وعاد فرحا بما منّ الله عليه، هذا نوع من الممثلين وللأسف، يشكلون قاعدة كبيرة في السوق الفنية، إذا ما جاز أن نطلق عليه "سوق"، ولا تنتظر منه أن يقدم لك جديدا، فهو قد ارتضي أن يكون كذلك، وحتى إن عرض عليه دور به مغامرة، قد يتردد لأنه غير واثق في موهبته.
النوع الثاني هو أشبه بالمقاتلين، وإن عدت لنشأته ستكتشف إنه كان متمردا علي النمط السائد حتى وهو في الجامعة، .. لديه قناعة وإن قدم في مسيرته أعمالا ضعيفة المستوى، هو يعلم أنه سيقلب الصفحة، لكن عليه أن يمارس" الشخبطة" ليعرف نوع الخط..ومن هؤلاء الفنان صلاح عبدالله.
والـ" صلاح عبدالله "مارس الفن بكل "شخبطاته" مثل لـمسرح الجامعة، الكوميديا، وباجتهادات قد لا يلحظها الجمهور العادي، لكنها من صناعته هو، كدوره في "الهمجى" استفاد مما نسميه "لغة الجسد" في الأداء كان يغير في نطقه للحروف، أو يستخدم تركيبة جسمه الممتلئة ليصنع حالة مختلفة تبهر المتفرج، وهو عرف منذ بدايته كيف يخرج سعيدا مبتهجا من العرض المسرحي، وقد شاهده مرات عديدة، ففي مسرحية مثل "حمري جمري" لم يكن الكاتب الراحل محمود أبو زيد ينوي استمرارها علي مسرح مصر بعابدين، لأنها لم تحقق في بداية العرض الإيراد المرضي له وللمنتجين وائل ولؤي عبدالله، لكن إعلانا تليفزيونيا، سجل وأذيع شارك فيه صلاح عبد الله وحسن الأسمر وصابرين، قلب المسرح رأسا علي عقب، وأصبح المسرح كامل العدد، ليعاد اكتشاف كل من شاركوا في العرض.
كان صلاح عبدالله يدرك إنه يمارس فن "الشخبطة" هنا عمل جيد، وهنا أخر عادى، لكنه عندما يمسك بمفاتيح دور ولو حتى مشاهد معدودة كدوره مثلا في "الهروب" "المخزنجي المزور" مع عاطف الطيب، تصدق إنه مزور، أو عندما يمثل مع نور الشريف "دم الغزال" وهو واحد من أمتع أدوار صلاح عبدالله، هنا ممثل من نوع أخر، بالطبع أجاد كيف يقلب الصفحة ثم الصفحة، فهو لديه قناعة إنه في كل مرحلة عليه أن يفكر بروح جديدة، في صفحة جديدة، وهو ما فعله عندما مثل نوعا من السينما أدهش الجميع في أفلام مثل "الشبح" "كباريه" و"المصلحة"وهي بعض أعماله السينمائية، ناهيك عن التجار بالتليفزيونية المتعددة، والتي واكبت التغيير نفسه في الأداء، فالممثل هنا اختيار، وليس إجبارا، أي أنه لا يوجد ما يجبره علي أن يعود للوراء خطوات كما يقول هو "العمل الضعيف يعود بصاحبه خطوات إلى الوراء" والجيد ينقله إلى منطقة أهم، وهو مدرك ذلك تمامًا.
صلاح عبدالله الممثل الموهوب جدًا، الهاوي جدًا الذي كرمه مهرجان الإسكندرية لسينما دول البحر المتوسط، ليس باحثا عن اسم علي تتر أوأفيش بقدر ما هو باحث عن مكانة، ورقم في سجل أهم من قدموا فنا راقيا، تظل السيرة ترصد محمود المليجي، وزكي رستم، وعادل أدهم، وستيفان رستي، وحسن حسنى، وهم أمثلة لمن قلبوا الصفحة مرات عديدة ليبدأوا مسيرات بشخصيات مختلفة وضعتهم في مقدمة أهم نجوم الفن المصري بدون "تترات أو أفيشات" نسيها الجمهور وتذكرهم.