Close ad

النموذج الأمثل لنصرة الفقراء

2-11-2020 | 06:20

في مثل هذا التوقيت منذ سبع سنوات زرت بنجلادش بدعوة من أكبر الصحف اليومية وأكثرها انتشارًا، "بروثوم آلو"، وحظيت بمقابلة حصرية مع البروفيسور محمد يونس، الفائز بـجائزة نوبل للسلام عام 2006، صاحب لقب نصير الفقراء.

أذكر أن البروفيسور يونس كان متأثرًا جدًا بدعاية مغرضة وخبيثة، عانت منها مصر- بشدة وقتها - بعد نجاح ثورة 30 يونيوعام 2013، لذلك فقد حاصرني الرجل بسيل من التساؤلات، مستوضحًا مسيرة ثورة 25 يناير من بدايتها، وتآمر تنظيم الإخوان الإرهابي لاختطاف ثمارها، واستماتته لتغيير هوية الدولة المدنية، وصولا إلى نزول المصريين للشارع وانحياز جيش مصر العظيم للإرادة الشعبية.

شجعني ما بدا على البروفيسور يونس من إصغاء واهتمام وتفهم لحقيقة ما حدث في المحروسة، لدعوته لزيارة مصر، والاقتراب أكثر مع ما جرى ويجري من تحولات عظمى على أرض الواقع تستهدف القضاء على مخلفات الفساد والاستبداد.

فور عودتي للقاهرة من دكا، نقلت فحوى استفسارات البروفيسور يونس، وحرصه لسماع إجابات مصرية شافية وافية عليها، إلى السفير هاني صلاح، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، وقتها، ومبادرتي الشخصية بتوجيه الدعوة لـ يونس لزيارة مصر، وكتبت مقالا في "الأهرام" بتاريخ 23 نوفمبر عام 2013، مناشدًا الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزراء، وقتها، بتوجيه الدعوة للرجل، وقد قام بتلبيتها - فعليا في وقت لاحق - في شهر فبراير من عام 2015.

أعود لبعض مما جاء في الحديث المطول، الذي أجريته مع البروفيسور محمد يونس في مكتبه بالعاصمة البنجلاديشية دكا منذ سبع سنوات، والإطلالة على تجربته التنموية المتفردة، التي اتبعها منذ إنشاء بنك جرامين، بـنظام إقراضي متناهي الصغر في عام 1983، لـتمكين فقراء بلاده، وهم كثر، من القيام بأعمال، تدر عليهم دخلًا معقولًا، ولتصبح هذه الفكرة مسوغًا لفوزه بجائزة نوبل للسلام.

بدأ البروفيسور يونس حديثه محذرًا من أن الاقتصاد الرأسمالي الحالي سيقود لانهيار العالم، مطالبًا بإقامة ما أسماه بـ عالم الأصفار الثلاثة وهي: صفر للفقر، صفر للبطالة، وصفر للنسبة الصافية لانبعاث الكربون، وقال: عندما ننجح في إقامة هذا العالم بأصفاره الثلاثة سننتقل إلى حضارة جديدة.

يوضح يونس مبادرته المتفردة في تطوير القروض الصغيرة، مؤكدًا أنه بحكم خبرته كأكاديمي يرى أن علم الاقتصاد يبدو مختلفًا في التطبيق عن الاحتياجات الفعلية للناس، لذلك فقد تعامل كشخص عادي مع ظاهرة الفقر، ساعيًا لمواجهته.

ضرب مثلًا تطبيقيًا على نفسه قائلا: لنفترض أن لدي فائضًا من المال، وما يحتاجه الفقير هو قدر ضئيل جدًا من النقود، فماذا لو قمت بإقراض هذا الفقير بمبلغ محدود لكي يعمل وتتحسن ظروفه المعيشية؟

وقال: نجحت الفكرة مع عدد من الأشخاص ووجدت اقبالًا واسعًا في القرية التي بدأت مشروعي فيها، ولم يخطر ببالي على الإطلاق أن المبادرة ستستمر في التوسع في القرى والمدن المحيطة، مما دفعني لإنشاء مصرف مخصص للقروض الصغيرة لخدمة نحو 80 في المائة من سكان بنجلاديش الفقراء.

ويوضح قائلًا: أعطيت اهتمامًا خاصًا لإقراض المرأة البنجلاديشية الفقيرة التي لا تملك أية ضمانات للسداد، وقد لاحظت أن نسبة 97% في المائة من النسوة المقترضات، تقمن بإعادة المال المقترض.

وقد اتسعت أعمال بنك جرامين تدريجيًا، وانتقلت من حدود بنجلاديش إلى أكثر من ألفي فرع للبنك، وقدم البنك قروضًا صغيرة لمئات الملايين في مختلف أنحاء العالم.

ظلت إدارة البنك عند التزامها الأساسي وهو التأكد من أنها لن تعاقب أي مقترض عند تعثره في السداد، وكلما كان المقترض أكثر فقرًا، حصل على المزيد، على عكس النظم المتبعة في البنوك التقليدية، التي لا تقرض إلا الأغنياء.

يقول البروفيسور يونس: لقد تسببت الرأسمالية في إحداث الكثير من المشكلات باستنادها إلى فكرة أساسية خاطئة ألا وهي: أن البشر يتصرفون وفقًا لمبدأ المصالح الشخصية، وبالتالي تذهب الثروة إلى فئات قليلة مما يتسبب في حدوث عدم استقرار اجتماعي في العديد من الدول.

يقول البروفيسور يونس: قام البنك بإنشاء شركة مستقلة لبناء المراحيض، لأن هذه المسألة قد لا تحظى بالأولوية في بعض الدول، أو قد لا تتوافر لها المخصصات اللازمة، في الوقت نفسه، قد لا تروق الفكرة لأصحاب رؤوس الأموال، وبعد نجاح الفكرة أنشأ البنك الكثير من الشركات المماثلة بمسمى مشاريع الأعمال الاجتماعية.

يحذر البروفيسور يونس من أن الحضارة الراهنة تتجه نحو الكارثة، مطالبا بالانتباه قبل أن ينتهي بنا الأمر إلى زوال، ويقول إن العالم يتجه نحو النهاية، فكبار السن يتجهون نحو تحقيق المزيد من كسب المال، وكسب المال قد يحقق قدرًا من السعادة، غير أن إسعاد الآخرين لابد أن يكون هو الهدف الأسمى في عالم اليوم.

تحذيرات، البروفيسور يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام، من إمكانية حدوث اضطرابات اجتماعية، لقيت أصداء واسعة في مختلف أنحاء العالم، وهنا تجدر الإشارة إلى تجربة، مماثلة لتجربة بنك جرامين، ظهرت في مصر، وأخرى دولية رأيتها بعيني في أقصى شمال غرب الصين.

التجربة المصرية عاصرت نشأتها منذ سنين في محافظة الإسكندرية، وكانت تتبناها جمعية رجال الأعمال في الإسكندرية برئاسة الراحل محمد رجب، حيث جرى الإعلان في وقت سابق عن توفير قروض ميسرة وبسيطة للفقراء، وحظيت التجربة بالترحاب الشديد من مختلف الأوساط، غير أنني لا أدري أين هي الآن؟!

في منطقة شينجيانج الويجورية الصينية، ذاتية الحكم، قررت الحكومة المركزية في بكين القضاء على ظاهرتي البطالة والفقر، التي يعاني منهما السكان، بإنشاء مراكز للتعليم والتدريب، ونجحت التجربة إلى حد كبير، واقتربت الصين من تحقيق صفر بطالة وصفر فقر في هذه المنطقة.

المؤشر الأهم هو القضاء نهائيًا على العنف والإرهاب، وتمتع سكان منطقة شينجيانج الويجورية بدرجة عالية من الأمن والأمان والاستقرار، فضلا عن تحقيق معدلات تفوق الخيال من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد دفعني الأعجاب بالتجربة الصينية في القضاء على البطالة والفقر في منطقة شينجيانج الصينية، ذاتية الحكم، للبحث في إمكانية نقلها وتعميمها في عدد من الدول النامية.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة