Close ad

التركية العثمانية وأنهار الدماء (6)

5-10-2020 | 15:14

فى عهد السلطان العثمانى الطفل محمد خان الرابع ــ الذى تولى وهو في السابعة من عمره، سار قره مصطفى باشا سنة 1088هـ / 1677م إلى بلاد المجر لمحاربة النمسا، بناء على طلب أحد أشراف المجر، الذى أراد التخلص من الاستبداد الدينى للإمبراطور ليوبولد الكاثوليكى الذى جعل يأمر بقتل كل من يلوح عليه أدنى ميل إلى مذهب البروتستانت .

ولكن حملة قرة مصطفى باشا مندوب الخلافة التركية العثمانية العلية، قد باءت بالخذلان، وتورط فى أمر عظيم، بإقدامه على قتل كل من يتخلف من جيشه عن السير، ولما وصلت هذه الأنباء إلى السلطان محمد خان الرابع، وكان قد اشتد عوده واقترب من الأربعين من عمره، أمر بقتل الصدر قرة مصطفى باشا، وأرسل أحد رجال حاشيته للتنفيذ، فقام بقتل الصدر الأعظم، واحتز رأسه وأرسلها إلى القسطنطينية، وعين السلطان مكانه إبراهيم باشا سنة 1683م، وتلاه الصدر سليمان باشا .

ومن سوء طالع الصدر الجديد، أنه أخفق فى هجومه على التحالف المقدس فى سهل موهاكو، الذى سبق انتصار العثمانيين فيه ـ فى هذا السهل ـ على المجر قبل مائة وستين سنة، ولكن الدائرة دارت هذه المرة على الجيوش العثمانية، فانهزموا عن آخرهم، فأشهرت الجيوش الباقية العصيان على سليمان باشا الذى فر إلى بلغراد، فأرسل الانكشارية والسباه وفدًا إلى الآستانة يطلب من السلطان محمد خان الرابع أن يأمر بقتله، وسرعان ما ضحى به وأمر بقتله تسكينًا للثورة، ولكن الدائرة دارت على السلطان، واتحد العلماء مع الوزير الثانى (القائمقام) قره مصطفى على عزل السلطان خوفًا على المملكة، وعزلوه فى 8 نوفمبر 1687م، وبقى فى العزل إلى أن توفى بعد خمس سنوات، ولتتابع من بعده سلسلة السلاطين الغزاة، وإراقة الدماء، وإزهاق الأرواح!

يروى لنا التاريخ أن السلطان آل من بعده إلى الغازى ـ فكلهم غزاة كمـا يقولـون: سليمان خان الثانى، وبدأ عهده بإغداق العطايا على الجنود، ولم يعاقبهم على عصيانهم الذى كان من نتيجته عزل السلطان السابق، وما لبث هذا السلطان أن توفى بعد ثلاث سنوات فى يونيو 1691م، ولحق به السلطان أحمد خان الثانى، الذى ما لبث بدوره أن توفى فى فبراير 1695م، بلا عمل ذى قيمة يمكن أن يذكر له، وتلاه السلطان الغازى مصطفى خان الثانى، وهو ابن السلطان محمد الرابع، وتولى بوفاة سليمان خان الثانى (1106 هـ / 1695 م)، وقيل إنـه كان شجاعًا ثابت الجأش، وقد نجح فى إغارة ثانية بجيوشه علـى بلاد المجر، وفتح حصن لبا وهزم الجنرال فترانى فى موقعة لوجوس، وقتل من جنوده ستة آلاف، وأخذه أسيرًا حيث قتله فى سبتمبر 1695م، ولكنه تعرض للعزل من السلطنة فى أغسطس 1703 م، لفشله فى إبطال المفاسد ومعاقبة المرتشين، وأقاموا مكانه السلطان الغازى أحمد خان الثالث، أخو السلطان مصطفى خان الثانى، وابن السلطان محمد الرابع، ولدى تنصيبه وزع أموالاً طائلة على الانكشارية، وسلم لهم فى قتل المفتى فيض الله أفندى لمقاومته لأعمالهم، ولكنه بعد تحسن الأحوال وعودة السكينة، اقتص من الانكشارية بقتل عدد كبير منهم، ثم عزل ( في سنة 1703م) عزل الصدر الأعظم تشانجى أحمد باشا الذى انتخبه الانكشارية وقت ثورتهم، وعين بدله زوج أخته رامادا حسن باشا بيد أنه سرعان ما تمكن الانكشارية من عزله بعد عام، ولتتغير الصدور تبعًا للأهواء والمآرب، ولتبدأ الدولة فى التراجع أمام مطامع بطرس الأكبر ملك الروسيا. وفى 13 أكتوبر 1727م، انفرد طهما سب بالملك بعد وفاة الشاه أشرف، ولميل السلطان أحمد خان الثالث للصلح وعزوفه عن الحرب، ثار الانكشارية سعيًا للنهب والسلب، وطلب زعيمهم بترونا خليل من السلطان أحمد خان الثالث قتل الصدر الأعظم والمفتى وأميرال الأساطيل البحرية قبودان باشا، واتقاءً لهم وخوفًا من إيذائهم له، سلم لهم السلطان بقتل الوزير والأميرال دون المفتى، فقتلوهما وألقوا بجثتيهما فى البحر، ثم لم يمنع صدوع السلطان لهم من إعلان العصيان عليه، وأسقطوه ونادوا بابن أخيه السلطان الغازى محمود خان الأول خليفة للمسلمين وأميرًا للمؤمنين!، إلاَّ أنه لم يكن له من ولاية الحكم سوى الاسم فقط، بينما النفوذ والصولة لبطرونا خليل، يولى من يشاء ويعزل من يشاء تبعًا للأهواء والأغراض، حتى عيل صبر السلطان من استبداده، وتجمع ضده رؤساء الانكشارية، وغدروا به وقتلوه تخلصًا من شره ونفوذه .

ومن سوء حظ الدولة العثمانية، أن يتوفى السلطان العادل محمود خان الأول فى 27 صفر 1168 هـ/ 13 ديسمبر 1754م، مأسوفًا عليه لاتصافه بالعدل والحلم، والتزامه بالمساواة بين جميع رعاياه.

من بعده بدأت ولاية السلطان الغازى عثمان خان الثالث ـ بتقلده السيف فى جامع الصحابى أبى أيوب الأنصارى طبقا للعادة القديمة، ولكن الأعالى سرعان ما ثاروا ضده لسوء سياسته، ولكنه علم بالصدفة فى أثناء عسه ليلاً متنكرًا ـ بالمظالم التى يرتكبها وزيره الصدر الأعظم تشانجى على باشا، فأمر بقتله فى 22 أكتوبر 1755م، وأمر بوضع رأسه فى صحن من الفضة على باب السراى، ليكون عبرةً لغيره !


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الخلافة ليست من أصول الحكم في الإسلام (7)

من غير المعقول ألا يعرض الأستاذ العقاد، المعروف بموسوعية إطلاعه وموسوعية كتابته ومؤلفاته، ألا يعرض لهذه القضية البالغة الأهمية التى ازداد الاهتمام بها

الخلافة ليست من أصول الحكم في الإسلام (6)

كتاب الشيخ علي عبدالرازق الإسلام وأصول الحكم لا يزال قبلة معظم الناس، بل صفوة المفكرين والكتاب، رغم مضي نحو قرن من الزمان على صدوره سنة 1925، ورغم كتابات

الخلافة ليست من أصول الحكم في الإسلام ! (5)

ليست هذه أول مرة أتصدى فيها للبحث وتكرار البحث والتصدى لفكرة الخلافة، وإثبات أنها لا تنبع من أصل من أصول الإسلام، وسبب معاودتى الحديث فى هذا الموضوع المهم،

الخلافة ليست من أصول الإسلام! (4)

معالم الحكم الواضحة في المبادئ قطعية الدلالة التي استنها القرآن الحكيم، أن الحكومة حكومة مدنية، بمعنى أن القائم على الأمر ليس ممثلاً لله عز وجل، ولا يملك

الأكثر قراءة