لم تهدر الدولة مالا ووقتا وجهدا، كما أهدرته على برامج تنظيم الأسرة. منذ عقود، أصبحت الشغل الشاغل للحكومات. يتم حشد المسئولين والإعلام والصحافة ورجال الدين لإقناع الناس بتقليل الإنجاب، ليصبح الحديث عن القضية ملء السمع والبصر. لكن، كما عادتنا المحببة، يتضاءل الاهتمام ويقل التركيز فجأة، ليصحو المصريون على دعوات جديدة وحملات كثيفة للتنظيم.
سقى الله تلك الأيام التى كنا نستمتع فيها برائعة الست فاطمة عيد، حسنين ومحمدين، وحكمة الفنان أحمد ماهر: الراجل مش بس بكلمته، الراجل برعايته لأسرته، ومأساة الست شلبية، اللى مكتوب عليها الشقى، واللى لو راحت الوحدة الصحية مكانتش شافت الدوخة ديا، وصولا لإعلان أبوشنب للفنان أكرم حسنى.. ما النتيجة؟ بعد أن كانت الزيادة عندنا تعادل الزيادة بفرنسا عام 1952، أصبحت حاليا تعادل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا معا، ونستقبل نصف مليون مولود كل 4 أشهر يصرخون: أنا جيت نورت البيت!.
قبل أيام، بدأنا موجة اهتمام جديدة، تمثلت باعتزام الحكومة وضع خطة عمل لتنظيم الأسرة يجرى تنفيذها فورا مع الاستعانة بأدواتنا الناعمة ممثلة بالمنتجات الثقافية والسينما والمسلسلات للتوعية. هنا تتبادر التساؤلات عن مدى ارتباط واستفادة الخطة الجديدة بالخطط السابقة، وهل جرى اكتشاف أخطاء أو ثغرات سيتم تلافيها عند الإعداد والتنفيذ؟ ولماذا هذا الانقطاع المتكرر فى الحملات؟ وهل الأمر متعلق فقط بالتوعية التى لم تتغير تقريبا؟ فباستثناء الممثلين وأماكن التصوير، تبدو الرسالة والمعالجة وحتى الحس الفكاهى واحدة، منذ الثمانينيات. ألم يحن الوقت لمنظور آخر؟.
لماذا فشلت الخطط السابقة؟ هل المشكلة تمويل أم معالجة أم فى الناس؟ القضية ليست صحية فقط بل مجتمعية، ويراد أن تكون دينية من خلال مواقف تستخدم الدين جهلا أو عمدا. هل الفقر سبب زيادة الخلفة أم نتيجة، وهل محاربة الأمية أسهمت بالحل أم لا؟
لست متخصصا لكنى منذ تفتحت مداركى، وأنا أتابع جهود تنظيم الأسرة وأنظر حولى فلا أرى نتيجة، حتى وقر بيقينى أنها كالمستحيلات الثلاثة، بل مثل قضية الشرق الأوسط باقية معنا دون حل.
أرجو الله أن يخيب ظنى!.
[email protected]
* نقلًا عن صحيفة الأهرام