Close ad

سد النهضة ... جريمة استعمارية أخرى

9-8-2020 | 16:05

عادت جرائم التاريخ الأسود للاستعمار فى بلادنا تفرض نفسها على قلمى ولكن هذه المرة فيما هو أخطر من إعادة تمثال الأفاق ديلسبس إلى مدخل قناة السويس ... فإقامة سد النهضة هو استكمال لتاريخ استعمارى أبشع للصراع والسيطرة على القارة السمراء والتفاف من الجنوب لتحقيق ما فشلت جميع مخططاتهم فى إلحاق مصر بما جرى للدول الوطنية فى العالم العربى بقطع شريان الحياة الاساسى ومصدر 85% من مياهها ففى دراسة عن أزمات المياه فى الشرق الأوسط أن اثيوبيا اذا نفذت السدود التى سبق واقترحها مكتب استصلاح الأراضى الأمريكية فسيؤدى ذلك إلى نقص مياه النيل بمقدار 6 مليارات متر مكعب!! وتبدت أوضح النوايا الاستعمارية والاستخدامات السياسية للمياه فيما أعلنه البنك الدولى فى الثمانينيات من انه يتوقع أن تصبح المياه سلعة تباع وتشترى وأطلقوا عليها الذهب الأزرق ـ كما يباع ويشترى الذهب الأسود البترول وفى ثمانينيات القرن الماضى أيضا توقعوا أن تزداد حدة الأزمات الغذائية والاحتياج إلى مضاعفة المساحات الخضراء بما تستلزمه من مضاعفة كميات المياه للرى وأن حدة الأزمات الغذائية ستكون أشد فى الدول النامية وبالتحديد التى تستورد النسب الأكبر من غذائها ولم تكن كارثة فيروس كورونا قد أطلت بوجهها القبيح على العالم وما ترتب عليها مما يمثل رعبا للمجتمعات الإنسانية من انتشار عالمى للفقر والجوع ونقص الغذاء يتحمل عبئه الأكبر الاقتصاديات الأكثر ضعفاء والأكثر اعتمادا على الآخرين!

> الاثنين الماضى تجدد ما أطلقوا عليه جولة ثلاثية جديدة لمفاوضات سد النهضة وبعد أن أصبح حقيقة مفروضة وانتهت المرحلة الأولى من ملئه وما تقاطع مع مراحل تنفيذه من مراوغات وادعاءات وأكاذيب ولا مبالاة بالقوانين الدولية للأنهار وما يجب أن يقوم بين أبناء شريان الحياة الواحد من روابط حميمة وثقة وترابط تتحول إلى واحدة من أهم مصادر قوتهم وأن يدركوا حقيقة ما تدعيه القوى الكبرى التى لا تهتم إلا بمصالحها على حساب هذه الشعوب المستضعفة والتى لن يتحقق أمنها المائى إلا بالتعاون والتكامل والرعاية المشتركة لمصالح الدول التى يمر بها النهر خلال رحلته التى طولها 6825 مترا وبمؤسسات وطنية من اكبر خبراء هذه الدول لتعظيم مواردها من المياه وعلاج مشاكلها خاصة إذا عرفنا أن نسبة وفرة المياه فى إفريقيا حسب وحدة المنطقة بالملليمتر هى أقل نسبة فى العالم ومعدل التبخر فى إفريقيا أعلى من جميع القارات الاخرى وأن معظم الأمطار الإفريقية لا تصل الأنهار والبحيرات وتفقد بالتسرب أو البخر وأن إفريقيا تمتلك من الأراضى أكثر مما تمتلك من الموارد المائية ـ وبالمثل فإن جميع معطيات النهر يمكن تعظيمها بالتعاون والتكامل بين دول النهر وبخبرائه الوطنيين وفق ما يحقق هذه المصالح ولا يسمح باستخدام المشروعات التى تقام فوقه للوقيعة والصراع بين أبنائه كما يريدون أن يحدث الآن.

> يرجع بناء سد النهضة إلى الاضطرابات التى مرت بنا بعد ثورة 25 يناير2011 وتم بالفعل استغلال هذه الاضطرابات للمسارعة بتنفيذ المخطط الاستعمارى لتركيع مصر بحرمانها من أهم مصدر لحياتها ووجودها ومعجزة أبنائها منذ فجر التاريخ الانسانى فى تحويل صحاريها إلى جنات خضراء فإذا كانت مصر هبة النيل كما قال هيرودت فهى أيضا هبة وإبداع من زرعوا وأقاموا أول وأعظم حضارة إنسانية .. إعجاز لم يحققه كل من كان يجرى النيل فى أراضيهم لم تمنعهم مصر فهى دولة المصب الأخيرة .. كان وراء مأساة جميع دول القارة الاستعمار للاستيلاء على كنوزها.

> فى الخامس من نوفمبر 1927 كان العنوان الرئيسى لصحيفة الأهرام «خطر كبير على مصر.. حكومة الحبشة تتفق مع شركة أمريكية على إنشاء سد على بحيرة تانا» وتوضح تفاصيل الخبر أن بحيرة تانا هى منبع النيل الأزرق مصدر 85% من مياه النيل خلال فصل الصيف .

التاريخ الاستعمارى لتحويل ماء النيل المقدس كما أسماه أجدادنا العظام من المصريين القدماء من مصدر لحياة ووجود المصريين الى تهديد لهذا الوجود تناوله ونبه إليه وحذر منه مفكرون وعلماء وخبراء مياه وفقهاء قانون ومنذ ثمانينات القرن الماضى ودكتور على الغتيت أستاذ القانون الدولى والاقتصادى يبعث برسائل تنبيه وتحذير ويطرح رؤى قانونية لتناول الأزمة وإيقاف توابعها الكارثية وقبل أن أقتطف ـ سطورا من بيان حديث للفقيه الكبير لابد أن أسجل عظيم تقديرى للدعم القانونى الذى قدمه لى وسط عواصف فساد واستبداد قبل ثورة 25 يناير اقتلعتنى من وجود لم أعرف لى وجودا ولا أرضا غيره وهو الكلمة والكتابة وهو ما بدا لى كالحكم بإعدام وجودى الحقيقى .. وجعلنى الخالق عز وجل الذى لا تضيع عنده صرخة مظلوم أشهد ما كنت أحب ألا أشهده وهم يخضعون لمحاكمات للأسف غاب عنها الأخطر من الأضرار والإساءات التى ألحقوها بمصر !!

> يقول الفقيه الكبير فى بيانه الأحدث الثلاثاء 28 يوليو 2020 حق مصر وحق المصريين فى مياه النيل حق وجود ولم يكن أبدا مجرد حق اكتسبته ارض مصر بل حق محصن سبق مرور الزمن والحق فى الوجود منحة من الخالق سبحانه فضلا عن كونه حقا مقدسا فهو حق فى القانون على مختلف تصنيفاته خارج من نطاق التعاملات عليه أو التعرف فيه أو المقايضة عليه سواء كان ذلك بين البشر أو كان بين الدول أو بين ممثليهم كما هو وضعه أمام منصة القضاء الدولى العام بأنواعها لذا فهذا الحق فى الحياة والوجود فى القانون «المفهوم والمصطلح» ليس فقط حقا للفرد تحصنه وتحميه قواعد وإحكام النظام العام الدستورى فى القانون الداخلى «الوطنى» إنما هو كذلك وبالضرورة وباللزوم حق مطلق للأفراد وحق جموعهم تحصنه وتحميه أيضا قواعد وإحكام النظام العام الدستورى فى نطاق القانون الدولى العام والقانون الجنائى الدولى وتحمل الدولة المصرية المسئولية فى اتخاذ إجراءات هذا التحصين وتلك الحماية أمام القضاء الدولى بأنواعه ولجموع المصريين الانضمام إليها إجرائيا بما عساهم يعدون من عرائض فى هذا الشأن معاضدة لحقهم فى الحياة والوجود.


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: