كثيرا ما تحدثنا وتحدث الكثيرون عن أهمية الإعلام ودوره المحوري والهام فى بناء جسور الثقة المتبادلة بين الشعوب والحكومات، ودوره في عمليات التنمية وإحداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي المنشود.
والإعلام ليس مجرد أجهزة حديثة أو وسائل إعلام مرئية ومسموعة وغيرها من وسائل إعلام جديدة، أو مجرد مجموعات من الصحفيين والمذيعين والإعلاميين، أو مواد مقروءة أو مسموعة أو مصورة وإنما هو عملية متكاملة، متعددة العناصر تتضافر وتتعاون وتعزف سيمفونية إعلامية متكاملة متناغمة، حتى ولو اختلفت أشكالها وألوانها لتساهم فى إثراء وجدان ووعي المواطن ليكوِن رأياً عاماً واعياً مستنيراً.
ومنذ أكثر من أسبوع أدى رؤساء الهيئات الإعلامية اليمين الدستورية، أمام مجلس النواب، وهذه الهيئات وعلى رأسها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منوط بها تنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وغيرها.
ويكون المجلس مسئولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي، وذلك على الوجه المبين في القانون.
ونحن كإعلاميين ننتظر أن يؤدى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام الأدوار المطلوبة منهم على خير وجه، ونحن جميعاً نعرف أن المهمة صعبة، وليست بسيطة، ولا يخفى على أحد حال إعلامنا المصرى حالياً، على كافة مستوياته، وأعتقد ألا أحد من الإعلاميين المنصفين، والحقيقيين يخفى عليه ما تتعرض له مهنة الإعلام من تحديات ومعوقات، سواء من داخل المهنة وما يتعلق بأصحابها، وأيضا ما تتعرض له مؤسساتنا الإعلامية من مشكلات أثقلت كاهلها، وجعلتها تنوء بحملها، وتعجز حتى عن دفع رواتب العاملين بها، ولولا الدعم الحكومي لأعلنت إفلاسها، ولا يخفى علينا أيضاً أننا أهملنا العنصر البشرى وهم العنصر الأول والأهم والأولى بالرعاية، فمعظم مؤسساتنا الصحفية، وخاصة القومية تتكدس فيها كميات من الصحفيين غير المؤهلين سواء بالدراسة أو التدريب المهني، ولا يخفى على أحد أسلوب تعيين الإعلاميين فى الفترة السابقة الذى اعتمد على الواسطة والمحسوبية وعدم التخصص، فى الصحف والمحطات الإذاعية والتليفزيونية، مما أدى إلى تدهور المهنية فى هذه المؤسسات.
ولم يقتصر الأمر عند حد الصحفيين المبتدئين، وتعداه إلى الترقيات لمستويات أعلى، حيث أيضاً تحكمت فى ذلك معايير أخرى بعيدة عن المهنية، إلا فيما ندر، حيث سادت فى فترة سابقة نغمة أهل الثقة، وليس أهل الخبرة، كل ذلك أدى إلى تجريف مؤسساتنا الإعلامية من الكفاءات وأصحاب المهارات، وزاد من أعباء هذه المؤسسات فى ميزانيات أجور لأناس لا يفيدون مؤسساتهم وإنما يمثلون أعباء مادية كبيرة عليها، وتحولت بعض المؤسسات الإعلامية إلى ما يشبه "الجمعيات الخيرية" أو ملاجئ العجزة، وفقدت إنتاجيتها، وللأسف عجزت كل محاولات الإصلاح فى الفترة الماضية؛ لأنها لم تكن على أسس سليمة، ولم تكن هناك خطط دقيقة ورشيدة للنهوض بهذه المؤسسات الإعلامية وخاصة الصحف القومية وماسبيرو، بعد أن كانت مؤسسات إعلامية رائدة تقود النهضة الإعلامية فى وطننا العربى، ومنها كان أساتذة الإعلام والخبراء الذين أسسوا وأقاموا المنارات الإعلامية المختلفة فى دول الخليج والجزيرة العربية، فمن الأهرام والأخبار والجمهورية وغيرها من الصحف ذهب الصحفيون الذين أسسوا صحافة الإمارات والكويت وقطر والسعودية والبحرين وغيرها، ومن ماسبيرو خرجت الكفاءات الإذاعية والتلفزيونية التي أنشأت إذاعات وتليفزيونات هذه الدول، والآن للأسف تعجز هذه المؤسسات عن تطوير نفسها وحتى توفير مرتبات العاملين فيها.
وأعتقد أن هذه هى مسئولية أولى وتأتى على أولويات هيئاتنا الإعلامية الجديدة، لابد من دراسة شاملة ودقيقة تبحث فى أحوال هذه المؤسسات، تدرس فترات ازدهارها وسر تفوقها وتقدمها وتسيدها الإعلام العربى، وتدرس أيضا عوامل ضعفها وما أدى إلى تدهور المهنية فيها، حتى ننقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
ومن الضرورى أن تستعين هذه الهيئات وهى تدرس أحوال مؤسساتنا الإعلامية بأصحاب المهارات والكفاءات فى هذه المؤسسات وأصحاب التجارب الإدارية الناجحة الذين مازالوا على قيد الحياة من رواد المهنة والذين كانت لهم تجارب مشهودة فى تطوير مؤسساتهم والعبور بها من المشاكل الكثيرة وساهموا في تسديد ديونها فى فترة من الفترات، لأن أى دراسة إذا لم تستعن بهؤلاء فلن تؤتي ثمارها، وحتى تكون تلك الدراسات مثمرة يجب أن ندقق فى الذين نختارهم لهذه المهام الصعبة، والذين يجمعون بين الخبرات العلمية والعملية.
مرة أخرى أقول إن المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، لأن مؤسساتنا الإعلامية تملك تاريخاً كبيراً من المهنية والريادة، فقط نحتاج إلى أن نبحث عن الرجل المناسب فى المكان المناسب، وأن يكون صالح المؤسسات وتطويرها، واستعادة ريادتنا الإعلامية هو الهدف، وكما قلت لابد من خطة كاملة شاملة، تعالج كافة عناصر الإعلام من صحفيين ومذيعين وفنيين، وكيفية إعدادهم النظرى فى كليات وأقسام الإعلام (وهذه حكاية أخرى) وما يحتاجونه من دورات تدريبية ومهنية، وأجور عادلة تضمن عيشا كريما لأصحاب هذه المهنة ووسائل إعلامية متطورة تواكب التطور التكنولوجى الحديث، وتشريعات صحفية تضع إعلامنا على مساره الصحيح، ونقابات مهنية تقوم بمهامها على الوجه الأكمل.
وهذا ما نتناوله بالتفصيل في مقالاتنا القادمة.
[email protected]